أبي آدم عليه السلام .. وأجداده

أبي آدم عليه السلام .. وأجداده

الجدل مكروه، يثقل الخطى نحو المستقبل، ويضغط على الأعصاب، فهو لحظة مجنونة لصراع أعمى بين توجهات مختلفة، أو أفكار متضاربة، أو اتجاهات معاكسة، فالجدال هو حالة فاقدة للدلالة والمعنى والاتجاه، حالة عبثية سلبية وغير بنَّاءة.

أما الحوار فهو حراك بنَّاء، يغذي الأفكار وينميها، ويثقل التوجهات ويبلورها، والأهم أن الحوار يستوعب الاختلافات ولا يوصلها لحد الخلاف، فالحوار هو لحظة تكامل بين الاختلافات، ونقطة التقاء بين المتضادات.

الفارق يكمن في الموضوعية، عند لحظة تحكيم العقل والعزم على الوصول للحقيقة – أو أقرب نقطة إليها – والتصميم على فعل الصحيح، فالموضوعية هي انعكاس للعقلانية وضبط النفس، لا تغليب للهوى ولا غلبة للأهواء، سواء في رأي أو فكر أو توجه.

الحوار مطلوب:

وفي ظرف تاريخي دقيق كالظرف العربي الراهن، الحوار مطلوب لأن الحراك حيوي وهام، فلحظة الانهيار العربي الراهنة جاءت بعد حالة جمود شامل ناتجة عن افلاس اجتماعي وسياسي وفكري، واعادة بعث الحيوة العربية، تبدأ من الوعي والفكر، وتنعكس على السياسة والاجتماع، وتظهر نتائجها على الاقتصاد والعلوم والثقافة، وتتوج بالقوة الرادعة.

ولكن الكثير ممن هم في السلطة وخارجها يتبعون المنهج الخاطئ، فطالما أن الظرف التاريخي خطير إذاً لا مجال للتباينات، فالتسوية لكل الاختلافات أمر واجب، حتى يكون الرأي الواحد والفكر الأوحد والاتجاه الوحيد هم المكون الموضوعي لوحدة الصف، وما هذا النهج الا مزيد من التدجين، لوحدة صف ضعيف ومهترئ، فالمختلف في السياسة يكون خائن أو عميل، والمختلف في الدين إلى كافر أو زنديق، أما صاحب سلطان الفكر المهيمن ففي يده مفاتيح الوطنية، وصكوك الدين، وخزائن الجنة.

وهذه الورقة غايتها الحوار وليس الجدل بأي حال من الأحوال، وتحديداً الحوار في ميدان الفكر الديني عبر مدخل طرح الدكتور عبد الصبور شاهين الخاص بخلق الإنسان.

وأولى براهين موضوعية هذه الورقة هي الالتزام بمنهج أن الرجال تُعرف بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال، فالدكتور عبد الصبور شاهين إسلامي التوجه، أي ينتمي لمشروع الإسلام السياسي، وكاتب هذه السطور [عمر ثروت] قومي التوجه، أي ينتمي للمشروع القومي العربي، وجميعنا من المطلعين يعلم جيداً ما بين المشروعين من تناحر حاد، وما بين أصحاب كلا التوجهين ما صنع الحداد.

ولكن الموضوعية تقتضي استيعاب خطورة الظرف العربي الراهن، وأن المستقبل مهدد فعلاً، والمظلة الحضارية العربية الإسلامية تشملنا جميعاً، وإن لم نتكامل فكرياً على الأقل، واستسلمنا لاستمرار صبنا في قوالب جامدة، فالفقر الفكري سينتشر، وضيق الأفق سيظل، والإفلاس السياسي الاجتماعي سيستمر.

فالطرح النظري للدكتور عبد الصبور شاهين يستحق الإشارة إليه، والتذكير به، حتى يكون نواة تجديد ثوري في الفكر الديني، ليكون شرارة ثورة ثقافية شاملة.

وفي البداية، يجب توضيح الفروق ما بين ثلاثة مصطلحات، تداخلت في وعي الجماهير، حتى شكلك شبكة من الشوك تدمي أقدام كل من يخطي خطوة نحو الاجتهاد في الفكر الديني.

هذه المصطلحات هي “الدين” و “الفكر الديني” و “الخطاب الديني”.

الدين، ونحن نتكلم هنا عن الإسلام بالطبع، هو الرسالة، رسالة الله – عز وجل – لبني أدم، بما تضم من مبادئ ومثل عليا، وهو رسالة صالحة لابن أدم في كل زمان ومكان، ولكل مجتمع مهما كانت وضعيته على سلم التقدم والتطور.

وهذا ما يفتح الباب للاجتهاد، أي في التدبر لفهم الدين بلغة العصر وتطبيق مبادئه طبقاً لمفاهيم الزمان، والسعي لبلوغ مقاصد الدين ومثله العليا بما يتماشى مع مفردات الزمن، هذا الاجتهاد والتدبر هو ما يسمى الفكر الديني، شريطة ألا يخرج هذا الفكر عن ثوابت الدين ويتخطى إطاره.

وأخيراً يتبقى الخطاب الديني، الذي ببساطة هو الدعوة، أسلوب نشر الأفكار الناتجة عن الاجتهاد في تأويل الدين، والتدبر في تفسير معانيه.

أهمية الفكر الديني:

ومن هنا يتبين لنا أهمية الفكر الديني، فبالنسبة للعقل العربي الإسلام هو أحد أهم قواعد بنائه، وبالعودة لتكوين الأمة العربية سنجد أن الإسلام هو بوتقة انصهار عناصرها ومحفز تكوينها، وبالنسبة للحضارة العربية الإسلامية سنجد أن الإسلام هو الوتد الذي قامت عليه هذه الحضارة.

ومن هذا المنطلق يكون الفكر الديني هو وقود الثورة الثقافية الشاملة، لأن الدين ثابت وغير خاضع للتعديل، فهو رسالة من الله ولا قبل للبشر على المساس بها، أما الخطاب الديني فهو مجرد الدعوة، وهو محدود بأفق الفكر الديني الذي يعبر عنه ومن الصعب أن يتخطاه.

فالتغيير الجذري في بنية العقل العربي ميدانه الرئيسي هو الفكر الديني، والنمط الثقافي والفكري للأمة العربية انعكاس للفكر الديني المهيمن على الوعي العربي.

بداية، لنحاول رسم أبعاد الفكر الديني المهيمن على الوعي العربي.

أي فكر لابد له من نسق، قوام واضح الأبعاد، سياق واضح المعالم، فيكون فكراً متسق مع ذاته، له معنى ودلالة، منطلق وغاية، هذا وإلا كان أفكاراً متناثرة، طائشة وغير مهذبة، ولا يطلق عليها فكراً إلا بإدراجها في خانة الفكر العبثي.

وبهذا يمكن أن نتبين الخط العام للفكر الديني السائد – مهما اختلفت اجنحته ومهما تعددت أوجه خُطبه – أنه فكر “نصوصي”، أي أنه يُغلب ظاهر النص على روح النص، بمعنى أنه لا يعتمد تأويل العقل لروح النص ويعتمد تفسير ظاهر النص، وباتباع هذا المنهج، يكون تفسير السلف هو الأقرب للصواب، لكونهم الأقرب منا لعصر الرعيل الأول، ولأن لسانهم العربي أقوى من ألسنتنا، وبهذا يكون النقل هو قاعدة الفكر الديني السائد، النقل لاجتهادات الأجداد، والانتقال بفكرهم الديني من زمانهم إلى زماننا.

وفي هذا تضييق خانق لأفق الاجتهاد، لأنه حين تتحول الفروع إلى أصول وثوابت، يكون هامش الاجتهاد محدود، ومقيد بقيود النقل، ويتحول الأمر للسعي لصب الحاضر في قوالب الماضي، فالسلف قد اجتهدوا لبلورة فكر ديني يعبر عن حاضرهم ويخدم تطلعاتهم لمستقبلهم، فاجتهاداتهم ينطبع عليها بصمة زمانهم، ولكن في حال فرضها على واقعنا ومستقبلنا، يتحول الفكر الديني إلى قيد الجمود والتخلف بدلاً من أن يكون وقوداً للتقدم والازدهار.

والفروع ليست فقط التراث الفكري لأجدادنا، بل بنى عليها الزمن طبقات من الخرافات والعادات البالية التي اكتسبت قداسة في غير محلها، وحُمل الدين بأعباء لا طاقة له بها، من فكر ديني وجب إعادة النظر في منطقه، ومن عادات وأفكار اجتماعية عفى عليها الزمن.

وهذه ليست دعوة لنقض التراث كمثل الدعاوى التي نسمعها، ولكنها دعوة لعدم الركون على اجتهادات السلف والاكتفاء بنقلها، وفي هذا دعوة ضمنية لفتح أبواب الاجتهاد على أخرها لأن الظرف العربي يحتاج لتغيير بنيوي في ميادين الفكر والاجتماع والسياسة، حتى لا تخرج الأمة العربية من التاريخ، وكي تلحق بركب العصر وتعود احدى منارات المجتمع الإنساني، ببصمتها الحضارية العربية الإسلامية الفريدة وبشخصيتها العربية المميزة.

ويبقى استيعاب لماذا هيمن هذا الفكر الديني؟ ولماذا اعتمده العقل العربي؟ وظهر ذلك في تعدد مؤسساته وتشابك أجنحته وتكاثر دعاته.

السبب في الظرف الحضاري العربي الإسلامي، والأزمة العربية عنوانه، فالغرب قد غزا الوطن العربي – والعالم الإسلامي – حضارياً وتهجم سياسياً وتغول اقتصادياً وهجم عسكرياً، واستباح الأرض والدم، وعصف بالاستقلالية الحضارية والقومية، وفرض على الأمة العربية التبعية، وأزاحها على هامش الحضارة الإنسانية، وفي حالة الانبطاح – مع حفظ الاعتبار لحقب المقاومة ومحاولة النهوض – لا يبقى لأمة ذات حضارة شامخة وتاريخ مجيد وشخصية قومية كالأمة العربية إلا التمسك بما يمدها بخصوصيتها وتميزها، فكراً وممارسة، وإذا كان ذلك من الماضي، لا مانع من استحضار روحه وفكره قدر الإمكان، كنوع من أنواع المقاومة السلبية، أو المقاومة بما هو متاح.

فهو رد فعل نفسي بامتياز، يندرج تحت مظلة علم النفس الاجتماعي/السياسي، وهو ليس ظاهرة فريدة في عصرنا بل هو رد فعل متكرر عبر تاريخنا الطويل، تجلى مثلاً في فكر الإمام ابن حنبل في وقت اشتداد تيار المعتزلة (وهو كان فكر ديني ضم أفكار حضارية وافدة) أو في فكر الشيخ ابن تيمية (وهو فكر زمان غزو التتار والصليبيين)، وعصرنا الراهن لا يقل تعرضاً لخطر الوافد بل هو الأكثر عرضة للتأثر به، فالأمة في أضعف حالاتها مقارنة بعنفوانها في العصر العباسي أو بقوة صمودها في دولة المماليك (التي تصدت للهجمتين الصليبية والتترية بقوة).

ولكن المسألة كما ذكرنا، هي في عدم الاستسلام لمثل هذا المنهج الفكري، وتحويل المسار من الفكر الديني “النصوصي” إلى الفكر الديني “العقلاني”، الذي يمكن العقل من الاجتهاد دون قيود – إلا المساس بثوابت الدين – ويغذي التجديد الثوري في بنية الفكر الديني، فالجرعة المكثفة من التناول العقلاني للدين ضرورة ملحة، كإحدى سُبل الخروج من المأزق العربي الراهن.

ومن هنا حدث التلاقي الفكري مع ما اتبعه الدكتور عبد الصبور شاهين في طرحه النظري، لأنه لم يمس ثوابت الدين، ولكنه كسر قيود المألوف، الذي عفى عليه الزمن، ، فالرجل كان محقاً حينما قال “إن هذا البحث قائم على ركيزة الآيات المنزلة، وهو لم يخرج قيد أنملة عن المعنى القرآني، وهو لا يتناقض في نتائجه مع أي حديث صحيح في السنة المحمدية، أكان ذلك نصاً أم تأويلاً، والهدف هو انتزاع العقل المسلم من براثن النقول الإسرائيلية المحشوة بالخرافات المنافية لكل ما هو عقل، وعلم، ونور.”

ولأن الرجل أساساً أستاذاً في اللغة، فهو قد سعى إلى “استنطاق آيات القرآن، باعتبارها المصدر الأول والأوثق الذي ينبغي اعتماده في هذا المجال، واستعنا بقليل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما ساعدنا على جلاء المعنى القرآني”.

وقد أكدت اللجنة العلمية التي شكلها مجمع البحوث الإسلامية للنظر في كتاب “أبي أدم” للدكتور عبد الصبور شاهين، في تقريرها الذي تم التصديق عليه في 5 أغسطس من عام 1999م من مجلس مجمع البحوث الإسلامية برياسة شيخ الأزهر، وبإمضاء الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الشيخ سامي محمد متولي الشعرواي، أن اللجنة “لا ترى فيما كتبها المؤلف [عبدالصبور شاهين] محاولة للتوفيق بين العلم والدين بقدر ما ترى فيه اجتهاداً منه في فهم النص القرآني”.

وقد جاء هذا التقرير بعد أن “حدد المجمع  مهمتها [اللجنة] في التثبت مما إذا كان الكتاب قد اشتمل على آراء مخالفة لنصوص قطعية الورود  وقطعية الدلالة، أو خالفت شيئاً مما علم من الدين بالضرورة من ثوابت المعتقد الإسلامي أو ثوابت الشريعة” أو “ما إذا كان المؤلف قد تجاوز الحد في تأويلاته للنصوص القرآنية .. تجاوزاً يخالف به ثوابت العقيدة أو يتناقض مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فإن الذي تنتهي إليه اللجنة أن المؤلف لم يقع في مثل تلك المخالفة”.

وبعد أن ثبت يقينا عدم المساس بالثوابت أو الخروج عن إطار الدين، نبدأ بالدخول في صلب طرح الدكتور عبد الصبور شاهين.

نبدأ بالدافع للتدبر والاجتهاد، فقد “جاء العصر الحديث بمعطياته الكثيرة في مجالات علم الأرض (الجيولوجيا) والإنسان (الأنتروبولوجيا) وعلوم الحياة، والأحياء (البيولوجيا) وغيرها – تغيرت مفاهيم كثيرة، وصار لزاماً على من يتصدى لكتابة شيء عن هذه أن يأخذ في اعتباره ما كشف عنه علم الحديث من حقائق نسبية، وما قال به من نظريات، حتى لا يبدو متخلفاً عن موكب المعرفة المعاصرة”، “كل ذلك صار يمثل أمام العقل الحديث مشكلة خطيرة، نتيجة التصادم بين معطيات القصة القديمة. ومعطيات العصر الحديث، وهو ما ظل يخامر عقلي طيبة ربع قرن من الزمان، أو يزيد”.

ما هي القصة القديمة وما هي معطيات العصر الحديث؟

القصة القديمة معروفة، قالها المفسرون بأساليب شتى “إن الله تعالى لما أراد خلق أدم عليه الصلاة والسلام أوحى إلى الأرض : إني خالق منك خلقاً، منهم من يطيعني، ومنهم من يعصيني، فمن أطاعني منهم أدخلته الجنة، ومن عصاني أدخلته النار، ثم بعث إليها جبريل عليه السلام ليأتيه بقبضة من ترابها، فلما أتاها جبريل ليقبض منها القبضة قالت له الأرض : إني أعوذ بعزة الله الذي أرسلك أن لا تأخذ مني شيئاً يكون غداً للنار نصيب، فرجع جبريل عليه السلام إلى ربه ولم يأخذ منها شيئاً، قال : يا رب، استعاذت بك فكرهت أن أقدم عليها.”

“فأمر الله عز وجل ميكائيل عليه السلام فأتى الأرض فاستعاذت بالله أن يأخذ منها شيئاً، فرجع إلى ربه، ولم يأخذ منها شيئاً”.

“فبعث الله تعالى ملك الموت فأتى الأرض، فاستعاذت بالله أن يأخذ منها شيئاً، فقال ملك الموت : وإني أعوذ بالله أن أعصى له أمراً، فقبض قبضة من زواياها الأربعة .. من أديمها الأعلى، ومن سبختها، وطينها، وأحمرها وأسودها وأبيضها، وسهلها وحزنها، فكذلك كان في ذرية أدم الطيب والخبيث، والصالح والطالح، والجميل والقبيح، ولذلك اختلفت صورهم، وألوانهم، ثم صعد بها ملك الموت إلى الله تعالى فأمره أن يجعلها طيناً، وخمرها، فلذلك اختلفت أخلاقهم .. ثم تركها أربعين سنة حتى صارت طيناً لازباً ليناً، ثم تركها أربعين سنة حتى صارت صلصالاً كالفخار، وهو الطين اليابس، الذي إذا ضربته يدك صلصل .. ثم جعله جسداً، وألقاه على طريق الملائكة التي تهبط إلى السماء، وتصعد منه أربعين سنة.”

يقول عبد الصبور شاهين عن هذه الرؤية أنها رؤية إسرائيلية، “وقد كانت ذات حظ عظيم من حيث انتشارها، وتفردها على الساحة الفكرية، حتى وجدنا أكثر المفسرين للقرآن يرددون ما ذكرته الإسرائيليات ترديداً حرفياً .. دون أدنى محاولة تعرض مضمونها على العقل، وتغربل ما حفلت به من خرافات وأساطير”.

وينتقد الدكتور عبد الصبور أنه “على هذا مضت كل كتب التفسير تقريباً، وكأنها  تنقل من مصدر واحد، مع انطواء الرواية على كثير من صور السذاجة .. مثل أن يقال : إن خلق أدم تم في السماء، وإن ملك الموت هو الذي استطاع أن يأخذ التراب من الأرض، وأن يعجنه ويخمره، فلما خلقه الله أو صوره ألقاه على باب الجنة .. ويستمر الكلام في هيئة (سيناريو) .. يصف لنا ما جرى في ذلكم الأزل الآدمي، فيجعل التراب خليطاً من ألوان الأرض، ليكون أبناء التراب على ألوانها المختلفة، وخليطاً من أنواع التراب إشارة إلى تنوع الأخلاق … وهكذا …”.

ويستمر الدكتور في نقده “كل ذلك مضى في الغيب، فكيف اطلع عليه هؤلاء القصاص من بني إسرائيل ؟!!”

ويتساءل شاهين “كيف سلم العقل الإنساني لحكاياتهم بهذه البساطة؟ حتى اختصرت المسافة بين الله وملكوته الأعلى – وبين خلقه من الملائكة، والشيطان، إلى أن جاء دور آدم؟”.

ولا يقف الأمر عن سذاجة العرض أو لا عقلانية الطرح، بل تجلى في الاحتكاك ما بين رواية المألوف ومعطيات العلم الحديث، “وهذا هو ابن هشام في سيرته يذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم، فيصل به إلى آدم عبر سلسلة العهد القديم، فإذا بالنبي من الجيل الخمسين بعد آدم، أي : إن المدة من أدم إلى محمد – ثم إلى زماننا هذا – لا تزيد عن سبعة آلاف عام، هي كل ما مضى من عمر البشرية”.

وهذا لا يتفق إطلاقاً مع معطيات العلم الحديث، لأن “أول كائن إنسي له المميزات التشريحية للإنسان المعاصر، وله صفاته من الذكاء، والقدرة على التعبير عن نفسه هو (إنسان كرومانيون) والذي وجدت بقاياه في جنوب فرنسا، في كهوف ترك آثاره على جدرانها رسوماً لبعض الحيوانات التي اصطادها، ويتضح منها أن هذا المخلوق تمتع بقدر من الذكاء يربطه بالإنسان الحالي. وأقدم بقايا لإنسان كرومانيون يرجع إلى حوالي ثلاثين، إلى خمسة وثلاثين سنة مضت، وهذه الفترة تعتبر من أقدم فترات التاريخ المسجل”.

ويضيف الكاتب “لقد نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر الأربعاء (٨/١١/١٩٧٢) : (أن البروفسور ريتشارد ليكي أحد العلماء الأنثروبولوجيا – علم الإنسان) .. أعلن في كينيا أنه تم اكتشاف بقايا جمجمة يرجع تاريخها إلى مليونين ونصف مليون عام، وتعد أقدم أثر من نوعه للإنسان الأول”.

إذاً فطرح الدكتور عبد الصبور شاهين قد استنكر الرواية القديمة – السائدة – عن خلق الإنسان، وأخذ الحقائق العلمية – من اكتشاف حفريات وبقايا بشرية قديمة – بعين الاعتبار، لم ينكرها لأنها تتناقض مع الروايات المعهودة، بل اجتهد في بلورة طرح نظري يواكب الاكتشافات العلمية، من منطوق عربي إسلامي، فكري ولغوي، لأن “النصوص القرآنية في شأنه [خلق الإنسان] – على كثرتها – لا تعالج التفاصيل التي تبين كيفية الخلق، كما لا تحدد المسافات الزمنية التي أحاطت بمراحل ذلك الخلق .. لذلك لا يمكن لباحث قديم أو حديث أن يقطع فيه برأي حاسم تؤيده نصوص قطعية الدلالة، أو تؤيده شواهد علمية نظرية أو تجريبية تبلغ في دلالاتها مرتبة اليقين العلمي”.

طرح الدكتور عبد الصبور شاهين يرتكز على التمييز ما بين “البشر” و “الإنسان”، فالكاتب يحدد أن البشر “لفظ عام في كل مخلوق ظهر على سطح الأرض، يسير على قدمين، منتصب القامة، و (الإنسان) لفظ خاص بكل من كان من البشر مكلفاً بمعرفة الله وعبادته، فكل إنسان بشر، وليس كل بشر إنساناً”.

ويمضي الكاتب في التوضيح أنه “كان (البشر) خلال الأحقاب والعهود المتطاولة مجرد مخلوقات متحركة، حيوانية السلوك، ولكنها تزداد في كل مرحلة تعديلاً في سلوكها، ونضجاً في خبرتها، وتلوناً في طرائق التفاهم اللغوي فيما بينها”.

ونفهم من ذلك أن كلمات كالإنسان البدائي أو الإنسان الحجري التي نستخدمها للدلالة على الهمجية، والتي نصورها في الفنون على أنه ذلك الإنسان الذي لا يعرف لغة ولا يتكلم بل يصيح كالحيوان، هو من البشر الذي يشير إليهم الدكتور عبد الصبور في طرحه، وهو تكملة لمؤشرات العلم والاكتشافات الحديثة، لأن سيدنا أدم صاحب رسالة التوحيد والذي علمه الله تعالى الأسماء كلها، قطعاً ليس هو أبو ذاك الإنسان البدائي الهمجي.

والملائكة لا يعلمون الغيب، وسؤالهم عن ما إذا كان خليفة الله هو ذاك الذي يسفك الدماء، ليس علماً بالغيب، بل هو من شهادتهم لوقائع هذا المخلوق البشري، الذي كان يقتل ويسفك الدماء، ويترك الجثث حتى جاء الغراب سبباً في تعليم ابن أدم كيف يدفن أخيه المقتول تحت التراب.

فالكاتب يريد الإشارة إلى أن خلق الإنسان جاء على مراحل، وأن المرحلة البشرية سابقة على المرحلة الإنسانية، ولنرى كيف تناول هذه الآيات من سورة السجدة، حيث يقول الله تبارك وتعالى《الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ {7} ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ {8} ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ .. 》فكتب الدكتور شاهين “فخلق الإنسان (بدأ من طين)، أي عند البداية البشرية، ثم استخرج الله منه نسلاً {مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ}، ثم كانت التسوية ونفخ الروح، فكان (الإنسان) هو الثمرة في نهاية المطاف .. عبر تلكم الأطوار التاريخية السحيقة العتيقة”.

إذاً يهدف الكاتب للإشارة إلى أن “خلق الإنسان تم على ثلاث مراحل هائلة، هي (الخلق، التسوية، والنفخ)، ومن السذاجة أن نفسر هذا النفخ بأنه بث الروح في الجسد [يقصد روح الحركة كما في الرواية السائدة] فقد حدث ذلك في مرحلة (الخلق) الأولى، التي أحالت التراب أو الطين إلى مخلوق ظاهر (البشر) يتحرك على الأرض بالروح الحيواني، كما تتحرك سائر الكائنات من حشر، وطير وحيوان، ثم تناولت القدرة ذلك المخلوق في المرحلة الثانية (بالتسوية) أو ما يمكن تشبيهه بهندسة البناء وتجميله، وهي مرحلة التعديل المادي أو الظاهري، وقد استغرقت ملايين السنين، والله أعلم بتفاصيلها، ثم جاءت المرحلة الثالثة للهندسة الداخلية، والمتمثلة في تزويد المخلوق السوي بالملكات والقدرات العليا، التي جوهرها (العقل)، والحياة الاجتماعية ثمرة العقل، واللغة وسيلة الاتصال بين أفراد المجتمع العقلاء، وبذلك اكتمل بناء (الإنسان)، فكان (آدم) هو أول (إنسان)، وطليعة سلالة التكليف بتوحيد الله وعبادته”.

صحيح، إذا كان النفخ من روح الله في آدم كان المقصود به روح الحركة، فأين تكون المعجزة وقد فعلها الله تعالى من قبل في ملايين المخلوقات من حشرات وطيور وحيوانات وزواحف وبكتيريا وغيرها من المخلوقات الحركية، أليس في ذلك تقليل من شأن روح الله عز وجل؟ أما المعجزة الحقيقية هي أن هذا المخلوق البشري الذي يتحرك بالروح الحيواني يترقى بالعقل للإنسانية، وروح الله هي المعجزة المميزة لهذا الإنسان بعقله الواعي الذي يؤهله بالتكليف لخلافة الله عز وجل في الأرض.

ويتساءل الدكتور عبد الصبور شاهين على ضوء مراحل خلق الإنسان، “ترى، كم من الأجيال البشرية لزم لعمليتي التسوية، والنفخ، حتى كان آدم ذلك الإنسان الكامل الناطق ؟!”.

ثم يجيب على نفسه “لا نبالغ إذا قلنا إن ذلك اقتضى مئات الألوف من الأجيال، وقد سجل كل جيل بصمته المتميزة، على طريق الاكتمال، ولا سيما في مجال العقل، واللسان، والجمال”.

ويبلور الدكتور طرحه بالسطور الآتية “ونستطيع أن نقرر مع علماء الإنسان (الأنتروبولوجيين) أن الأرض عرفت هذا الخلق الذي ظهر على سطحها منذ ملايين السنين، تختلف في تقديرات العلم باختلاف هم الأحافير، ونتائج التحليلات العلمية، وقد أطلق العلماء على هذا المخلوق خطأ أو تجاوزاً : (إنسان)، فقالوا : إنسان بكين [peking man]، أو إنسان جاوة [java man]، أو إنسان كينيا [man from kenya]، أو ما سوى ذلك من الإطلاقات التي تعني مراحل تكوين (البشر) بإطلاق القرآن، واستخدام كلمة (إنسان) في وصف هؤلاء ليس إلا على سبيل التوسع، كما استخدمت كلمة (بشر) للدلالة معنى (الإنسان) توسعاً أيضاً، وإلا فاللفظ الدقيق بلغة القرآن، والذي ينبغي أن يستخدم في تسمية تلك المخلوقات العتيقة، التي تدل عليها الأحافير – هو (البشر)، فواجب أن يقال : بشر بكين، وبشر جاوة، وبشر كينيا، وبشر النياندارتال .. إلخ”.

” أما (الإنسان) فلا يطلق بمفهوم القرآن إلا على ذلك المخلوق المكلف بالتوحيد والعبادة لا غير، وهو الذي يبدأ بوجود أدم عليه السلام، وآدم على هذا – هو (أبو الإنسان)، وليس (أبو البشر)، ولا علاقة بين أدم والبشر الذين بادوا قبله، تمهيداً لظهور النسل الآدمي الجديد، اللهم إلا العلاقة العامة أو التذكارية، باعتباره من نسلهم”.

“ولأمر ما وجدنا القرآن لا يخاطب البشر .. بل يخاطب الإنسان، والتكليف الديني منوط بصفة (الإنسانية)، لا بصفة (البشرية)، فلم يعد للبشر القديم وجود منذ ظهر أدم عليه السلام، وتناسلت ذريته، وورثت الأرض وما عليها”.

ويسعى الدكتور عبد الصبور لاستنطاق الخطاب القرآني بملاحظته “أسلوب القرآن في سوق الحقيقة هنا : فهو يذكر (الإنسان) هكذا معرفاً، باعتباره الموضوع الأساسي المقصود بالذكر، والمخاطب بالآيات، وهو مقال (الجان) المشارك للإنسان في التكليف والمسئولية على هذه الأرض”.

“فإذا شرع في بيان حقيقة الخلق منذ البداية؛ ذكر أن هذه البداية كانت في صورة (بشر) .. هكذا منكراً .. باعتباره النموذج الذي أجريت عليه عمليات التسوية، والتصوير، والنفخ من روح الله (أو التزويد بالملكات العليا التي كان بها البشر إنساناً – وهي العقل، واللغة، والدين)”.

“فقبل التسوية لم يكن المخلوق البشري إنساناً .. بل كان بداية خلق إنسان في حيز القوة، قبل أن يكون إنساناً في حيز الفعل”.

ثم يضرب شاهين بجذور الرواية السائدة الراسخة في أذهان الناس بقوله “ليس غريباً أن نتصور – بناء على هذا – أن آدم جاء مولوداً لأبويين، وأن حواء جاءت كذلك، على الرغم مما سوف يلقى هذا التصور من معارضة تلقائية، ورفض عنيف!! وبلا تفكير!!”.

وهذا الطرح لا يتعارض مع ما ذكره القرآن الكريم عن خروج آدم وحواء من الجنة، فالجنة المقصودة ليست جنة الخلد – فهذه الجنة لم تطأ قدماً فيها – ولكنها مجرد مكان ما على الأرض، فلفظ الجنة في القرآن له أكثر من مدلول ومنهم أنه مكان أرضي، فآية سورة الكهف {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} خير مثال.

على كل حال يبقى السؤال المهم هو هل طرح الدكتور عبد الصبور شاهين يتماشى مع طرح داروين أو يصب في نفس الاتجاه؟ خاصة وأنه طرح يستند على شكل من أشكال التطور في خلق الإنسان.

الحقيقة أن طرح الدكتور عبد الصبور يختلف جذرياً عن طرح داروين من زاويتين مفصليتين، الأولى هي وجود الخالق كمسبب لخلق الإنسان، والثانية هي تفرد المخلوق البشري بذاته، حيث أن طرح داروين – وبإيجاز – يقوم على أن أصل الحياة على الأرض بدأ من الخلية، والتي وجدت إما نتيجة تفاعلات على الأرض وإما أنها أتت من كوكب آخر، وهذه الخلية قد بدأت بالتكاثر أو الاستنساخ، وعلى مدار ملايين السنين امتزجت الخلايا ببعضها البعض، ومع عملية التطور قد تخلقت من هذه الخلايا الكائنات الحية، وتحت مبدأ الانتخاب الطبيعي، الذي يؤهل الكائنات الأكثر قدرة على التأقلم مع البيئة المحيطة وظروف الحياة، انقرضت كائنات وتطورت الأخرى، ومن هنا جاء الإنسان، كنتاج عملية تطور من سلالة القردة.

وبهذا نستخلص أن عملية خلق الإنسان – والحياة على كوكب الأرض عموما – جاءت صدفة، فطالما لا يوجد خالق له حكمة في خلق الإنسان، إذاً فالوجود الإنساني ليس له دلالة ولا غاية، والحياة ماهي إلا دورات عبثية لا معنى لها ولا حكمة من وراءها، وهو ما يخضع كل شيء للنسبية المطلقة، الإنسان والطبيعة ما هما إلا مادة تُستخدم، فلا يوجد إله متجاوز للتاريخ والزمن، أنزل دين يمثل منظومة قيم تحدد علاقة الإنسان بالمجتمع والطبيعة.

ولكن طرح الدكتور عبد الصبور شاهين لا يمت بصلة لطرح داروين، فالرجل كان صارماً في مركزية وجود الله عز وجل كالخالق المسبب، وكلماته أوضح دليل، بقوله “قديماً .. قديماً .. قبل أن يخلق الزمان .. كان الله ولا شيء معه. ثم أراد الله أن يخلق الخلق، أو الكون، فقال : كن، فكان ما أراده الله زماناً، ومكاناً .. سموات وأرضين، مجرات، ونجوماً وكواكب، ودواب .. وما لا نعلم من الموجودات التي أنجزتها القدرة الكنية”.

وبخصوص أن القرد هو أصل الإنسان، أراد شاهين أن يتسق مع الطرح القرآني ويربطه بالاكتشافات العلمية الحديثة، ثم يطرح بهما نظرية داروين أرضاً، عن طريق اثبات أن الإنسان أصله بشري خالص، مخلوق متميز بصفاته الجسمانية المختلفة عن القردة، فقد كتب أنه قد “أشار العلماء إلى أنهم أخذوا أحجام الإنسان القديم ومقاساته من هيكل كائن شبيه بالإنسان، وهو المعروف باسم (لوسي)، والذي عثر عليه في اثيوبيا، ويرجع إلى ثلاثة ملايين عام مضت، ثم استخدموا الكمبيوتر في تطوير إنسان آلي صناعي (روبوت) لكي يكون نموذجاً لكيفية تحرك (لوسي)، وأوضح العلماء أن التجارب أثبتت أن (لوسي) – وهي أنثى – لم تكن لتتطور وتمشي منتصبة القامة بعد ذلك، وقال الدكتور روبن كرمبتون، أحد المشاركين في البحث : إن ذلك يعني أن النظريات العلمية التي تظهر الإنسان القديم يمشي في وضع مُنحن في حاجة إلى إعادة كتابة، وأشار إلى أنه ما إن بدأ الإنسان يقف على قدمين، فإنه كانت هناك ضغوط قوية لكي يسير منتصباً”.

“وأوضح أن المشي بشكل منتصب يساعد الإنسان على التنفس بشكل جيد، ومشيراً إلى أن قرود الشمبانزي عندما تمشي منحنية فإنها تسير لوقت قصير للغاية، لأن هذا الوضع لا يساعدها على التنفس الصحيح .. بل يصيبها بالإجهاد، وقال: إن هذه القرود بعد خمسين خطوة فقط من المشي في انحناء تسارع بالجري، بعكس الإنسان القديم الذي يظهر علم الآثار أنه كان يمشي لأكثر من مائتي كيلومتر، وهذه المسافة لا يمكن أن تتم وهو في حالة انحناء”.

ويضيف الدكتور بخصوص هذا الشأن “هذا في حين أن الكشف الجديد يدل على أن المخلوق الإنساني المنتصب ذا الساقين لمم يتطور عن المخلوق البدائي الذي يشبه القرد، بل كان يعاصره منذ أكثر من مليونين ونصف مليون عام، وإنه يمكن على هذا الاعتبار استبعاد المخلوق البدائي الأول على أساس أن الإنسان انحدر من سلالته”.

ويتجه عبد الصبور شاهين لنقض طرح داروين بشكل مباشر “لقد سقطت إذن فكرة (التطور الخالق)، ونقول (فكرة)، ولا نقول : (نظرية). ورغم أن الناس فتنوا بهذا النظرية لعدة عقود من الزمن … سقطت بكل ما ارتبط بها من أفكار أخرى، وانتصرت حقيقة (الخلق المستقل) التي قررها الدين، كما أكدها العلم، فما كان الإنسان إلا بشراً منذ كان، وما كان القرد إلا قرداً، وما كانت السمكة إلا سمكة في عالمها المائي، وكل ذلك لم يكن إلا طبقاً للمشيئة الإلهية المطلقة، وإنجازاً للقدرة الكنية.”

من المعروف أن ضرب الخرافات التي عششت في الأذهان كمثل الشرط في الدماغ بمشرط حاد، عملية صعبة وقاسية، فالمساس بالمفاهيم التي ترسخت عليها مفاهيم الناس عن خلق الإنسان يضرب بقسوة الاستقرار العقائدي لدي الكثيرين، مع أنها فروع تخضع للاجتهاد، ولكن كما ذكرنا أن الفكر الديني السائد حول الفروع إلى أصول، وثبت اجتهاد أجدادنا من السلف على أنه من ثوابت الدين، ولذلك من أجل كسر جمود الفكر الديني وجب فتح أبواب الاجتهاد فيما يُظَن أنه من المحظور.

وفي النهاية لا يجب أن نحمل مثل هذا الطرح أكثر مما يحتمل، أولاً لأنه يعتمد على قدر من الخيال لربط الاكتشافات العلمية الحديثة وتأويل آيات القرآن الخاصة بخلق الإنسان، فلا توجد قصة جامدة ملموسة تحكي عن أحداث وحوادث لم تدون، كلها اجتهادات وأطروحات نظرية لا يجوز التعامل معها بحدة، وإنما بعقل متدبر وباحث عن الحقيقة.

ولكن ميزة هذا الطرح هو الاتجاه الذي سلكه، والمنهج الذي اتبعه، في تأويل القرآن من جانب، وفي الاهتمام بالعلم واكتشافاته من الجانب الآخر، ولم يركن للخرافات أو الروايات التي لا تتفق مع العقل ولا تتماشى مع العلم، وأن قيمة هذا الطرح في أنه قاعدة عقلانية يمكن الانطلاق منها – بالحذف والإضافة – لبلورة نظرية “عربية إسلامية” عن خلق الإنسان، نظرية عقلانية وعلمية، والأهم هو أنه يحفز على تشييد بناء فكري ديني (عقلاني) يحفز العقل العربي على التجديد والاجتهاد لمواكبة العصر فالتقدم كطليعة للمجتمع الإنساني وإحدى مناراته. والله أعلم

فيديو أبي آدم عليه السلام .. وأجداده

أضف تعليقك هنا

عمر ثروت

عمر ثروت