اجتهادات تفسيرية (1)

إن التفاسير القرآنية عديدة ومتعددة، فمنها على سبيل المثال وليس الحصر: تفسير القرطبي والطبري وابن كثير والجلالين والرازي وغيرهم الكثير.

لذا لكي نقوم بتفسير آيه من الآيات القرآنية علينا أن ننحل من كل تلك التفاسير حتى نتشبع بعبير تلك المعاني ونصل إلى ذلك المعنى الجامع والكامل الذي يقنع ويرضي العقل والروح معآ.

وإذا سلمنا أمن كل تلك التفاسير هي اجتهادات محمودة وأيضاً تعبيراً عن رؤى أصحابها، فما المانع والعائق الذي يحرمنا ذلك الاجتهاد، فإن اجتهدنا وأصبنا كان خيراً نجوى به وعليه ولنا عنه أجران، وإن اجتهدنا وأخطأنا فلنا اجر واحد.

نعمة العقل:

إننا مأمورين بالفكر والتدبر والإدراك، مميزين بنعمة العقل وكفى بها نعمة، فهل نحن نسخة ذلك العقل من أجل مزيد من التقرب إلى الله، أم أننا أذعنا إلى الاكتفاء بما هو موجود دون تخبره والاجتهاد فيه.
لذا ألحت إلى خاطري العديد من الأسئلة القرآنية المشروعة وغير المحرمة أيضاً، لأنه من وجهة نظري لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يحرم السؤال، وكيف لا يكون الأمر كذلك وقد قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً ومادحآ العلماء الذين يتدبرون ويتفكرون ويتدارسون واصفاً إياهم بأن هؤلاء العلماء لا يخشون إلا الله، فقد قال الله: {إنما يخشى الله من عباده االعلماء } سورة فاطر الآية 28.
كما أن السؤال لا يحرم كذلك، لأن السؤال إن كان متعلقآ لدى صاحبه بالأمور الفقهية نال صاحبه عنه هو ومن أرشده إياها خير جزاء، لأنه ازداد به تقربآ إلى الله وتمسكآ بتعاليمه الصحيحة، بعيداً عن الزيف والضلال والوقوع في المعصية. أما إذا كان السؤال شكيٱ وجب بل لزم طرحه والخوض فيه، لأننا إن حرمناه نكون قد أفسحنا المجال بذلك لوساوس الشيطان أن تتملك من عقل السائل، وتصبح تلك الوساوس الشيطانية هي الخطى والمنهج الذي يسير عليه، وتبدأ الفجوة والهوة بين السائل وبين ربه تزداد يوماً بعد يوم، إلى أن يدفعه ذلك الطريق إلى الخروج من مرحلة السؤال إلى استسلام العقل للشك والاقتناع بالشكوك والظنون، وبذلك نكون قد خسرنا جميعاً.

السؤال الأهم:

ويبقى السؤال الأهم: هل نحن نعبد ربنا طبقاً للقول: إن وجدنا هكذا آبائنا يفعلون، أم أن الله الذي أمرنا في أول آية له والذي قال فيها: { اقرأ} أمرنا بالتفكر والتدبر لكي تكون الهداية هداية قوامها أسس عقلية راسخة في الإيمان غير متزعزعة.
والآن هيا بنا نبحر ونتدبر في السؤال الأول ألا وهو :
{ المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابآ وخير أملاً } سورة الكهف الآية 46
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا ذكر الله المال مقدمآ على البنين في تلك الآية؟
نجد هنا أن أغلب كتب التفاسير نظرت إلى تلك الآية من خلال عدة أوجه ألا وهي :
– وجه الترتيب المنطقي والزمني الصحيح : حيث أن المال هو الذي يوجد الزوجة ثم النسل والخلف الصالح، فبدون المال – ولو القليل – لا يتوافر الزواج والإنجاب.
– الوجه الثاني إلى تلك الآية : جاء من حيث الحديث عن الزينة والافتخار والزهور بالنفس. فنجد أن المال لابد وأن يكون مقدمآ على الأولاد، وذلك من حيث الوضوح والبيان والظهور على النفس البشرية، من خلال رؤية نعمة المال على صاحبها. أما الأولاد فتلك نعمة خاصة للآباء، قد نجد من يتمتع بها ومن حرم منها وكتب الله عليه أن يذره فرداً، لذلك فتلك نعمة غير واضحة أو ظاهرة للعيان.
– أما الوجه الثالث: فنجد أن الله عندما يتحدث عن الزينة أو الفتن نجده يأتي بالمال مقدمآ عن البنين، لأن فتنة المال أشد وأقوى من فتنة البنين، والدليل على ذلك ما جاء في الآية المشار إليها سلفآ، وكذلك ما جاء في سورة الأنفال في الآية 28، عندما تحدث رب العزة وقال: { وأعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم }.
وهنا ندرك قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه: ” إن القرآن ليصدق بعضه بعضا “.

التقديم الزائل والفاني:

وإذا كانت هناك تفاسير تشير في تفسيرها إلى تلك الآية إلى أنها بها تقديم وتأخير. فالتقديم جاء للمال والبنون من أجل بقاء النفس والحفاظ على النوع والجنس، وذلك هو التقديم الزائل والفاني. أما التأخير فجاء للباقيات الصالحات ؛ والمقصود بها هنا هو إتباع منهج الله والحفاظ على تعاليم الدين القويم والتمسك بسنة نبيه والسير على هدى خطاه، وهذا من أجل بقاء الروح والخلود، وتلك هي التي وصفها الله بأنها خير عند ربك بل أبقى وأسمى. والله تعالى أعلى وأعلم.

فيديو اجتهادات تفسيرية (1)

 

أضف تعليقك هنا

د.فاتن سعيد

دكتورة في الفلسفة اليونانية