الزومبي الجُدد

الزومبي أو الموتى الأحياء.. مُصطلح ألفته أذاننا وأعيُننا في الأفلام الأمريكية.. وهم لمن لا يعرف أو لم يُشاهد تلك النوعية من الأفلام، الموتى الأحياء.. جثث تتحرك بلا وعي.. بلا إرادة..
أولئك هم الزومبي كما نعرفهم… إذن فمن هم الزومبي الجُدد؟!
الزومبي الجُدد هم نحن؛ سكان كوكب الأرض في هذا القرن مع ما يُمارسه علينا سحرة فرعون – الجُدد أيضًا – من سحر لا قِبَل لنا باتقاء شرّه إذا لم نقف مع أنفسنا ونفكر مليًا فيما نفعل..
الكثير منّا يتساءل بداخله؛ لقد ازداد التقدُّم وازدادت الرفاهية واتسعت الخيارات وتعددت سُبل الراحة لأبعد من تصورات أوسعنا خيالاً.. إذن لماذا حتى مع زيادة الموارد المالية يضيق بنا الحال.. بلا سعادة.. بلا راحة بال.. يتسرب في أوصالنا حنين – يكاد يتملكنا – إلى ماضٍ لم يكن فيه حتى نصف ما نملكه اليوم من خيارات…؟!
ببساطة هو سحر يُمارسه علينا سحرة فرعون الجُدد – سالفي الذكر – والذين تزداد قوة سحرهم على من كان مشغولاً.. لا وقت لديه حتى ليفكر فيما يفعل.. هل أردت هذا؟ هل هذه فعلاً سعادتي؟ هل كان ذلك حقًا حلمي؟!

السحرة الجُدد:

إذن من هم هؤلاء السحرة الجُدد.. هم باختصار صُنّاع فكر القطيع (نحن).. يصنعون أفكارًا ويعرضوها علينا ليلاً ونهارًا فنكتسبها وتدخل عقلنا الباطن ومنه إلى عقلنا الواعي.. فنعتقد أنها فكرتنا وأنها طبيعية ولم يزرعها أحد في عقلنا..
كثرة عرض الفكرة عينها مع اختلاف الألفاظ والوسائل وطرق العرض – مع وحدة الغرض منها جميعًا يجعلها تهزم كل فكرة مُضادة لديك – دون أن تشعر!
تتلخص التعويذة التي تُمارَس علينا في بضعة أفكار رئيسية.. نوجزها هنا ثم نخوض في تفاصيلها تاليًا..
– أنت تحتاج الأكبر والأوسع والأكثر والأغلى والأعلى جودة…
– يجب أن تكون الأشياء ملكك
– يجب أن يكون لديك الأحدث.. دائمًا، فالقديم لا يصلُح
– هذا ما حلُمَت به دومًا، اغتنمه الآن ولا تفوِّت الفُرصة
كانت تلك – تقريبًا – الأفكار الرئيسية لتفاصيل ما يُزرع الآن في رؤوسنا من أفكار
لنخُض الآن في بعض التفاصيل توضيحًا لتلك الأفكار مع طرح أمثلة من واقعنا – المرير…

المياه الغازية:

أتذكر في طفولتي كنا نشرب زجاجة المياه الغازية – كبارًا وصغارًا – بحجم لا يصل إلى 200 مل وكانت تكفي ولم نكن نشربها بكثرة.. لا يختلف الأمر هنا بين متوسط أو ميسور الحال فقد كان هذا هو التصرُّف الذي المُعتاد من الجميع، والآن لنقارِن ذلك بحالنا اليوم… نتحدث اليوم جميعًا عن كم السكّر الهائل في كل زجاجة مياه غازية ومدى ضررها على الصحة والأنظمة الغذائية المُتّبعة التي باتت هوسًا للكثيرين… إذن هل انخفض استهلاكنا لها؟
جميعنا نعلم أن الإجابة هي العكس، زاد استهلاك الفرد للضعف على الأقل.. فهل زاد حجم معِدتُنا في هذا القرن.. أم باتت المياه الغازية صحية.. أم أن الأمر برُمّته ما هو إلا فكرة دُرسَت جيدًا وروَّج لها محترفين – بكثافة – وبجميع الوسائل الجذابة حتى تتسرب إليك دون وعي منك وتصبح وكأنها ممارسة طبيعية أو احتياج طبيعي!
ولنطرح مثالاً آخر.. الهاتف النقال.. الثورة التكنولوجية التي حققت الكثير من النفع والفائدة لنا جميعًا.. هل ندفع فيه مُقابِل ما نحتاج أم نشتري ما يجعلوننا نظُن أننا نحتاجه؟!
الكثير منا لا يحتاج من هاتفه سوى تصوير بجودة معقولة وبعض التطبيقات للتواصُل مع الآخرين وفقط، ولا يحتاج لأعلى جودة وأعلى سرعة وأفخم شكل وأكبر حجم شاشة وأسرع نقل للبيانات.. ولكن روِّجَ إليه أنه يحتاج لكل ذلك.. وإن لم يحصُل عليه الآن فيجب عليه – حين تتيسر حاله – أن يحصل عليه…
ولكن حتى وإن لم تكُن حالك متيسرة.. لا مُشكلة.. يُمكنك أن تشتريه بالتقسيط وبفائدة قليلة على 3 سنوات!
تمر سنة واحدة ويُروَّج لهاتف جديد تراه حلمك في عالم الهواتف النقالة وتبيع القديم بنصف ثمنه لتدفع أقساط الجديد – الأعلى سعرًا!!
لم يُعد منزل الأسرة الذي تبلغ مساحته 60 مترًا يليق أو يلبي احتياجاتك.. تحتاج إلى 100 متر على الأقل.. رغم أن أسرتك مُكوَّنة من 3 أشخاص فقط!!
يجب أن نمتلك شاليهًا خاص بنا لنسافر إليه كل عام صيفًا.. لا مُشكلة فهو بنظام القسط.. ولكن نحن نقضي أقل من أسبوع سنويًا… فهل نحتاج لدفع كل هذا المبلغ من سنوات عُمرنا.. وهل سيكون هذا المكان وجهتنا دائمًا ولن نغيرها أو نملّ منها؟!!
لم يعد جهاز التلفاز 20 بوصة يكفي.. 24.. 32.. 40.. 50.. 60 بوصة.. صورة عالية الدقّة.. شاشة مُنحنية.. أفلام ثلاثية الأبعاد.. ولكن ألسنا نشاهد تلك الأفلام في السينما… أيجب أن تكون في منزلنا… هل نحتاج لكل ذلك!!

تعليم جيد:

يجب أن يتعلم أطفالنا في المدارس الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية… لنضمن لهم تعليمًا جيدًا ولغة يستفيدون من إجادتها في المُستقبل.. إضافةً إلى أنهم ليسوا بأقلّ من أقرانهم.. لكن مواردنا المالية لا تسمح.. لا مُشكلة هناك قروض “تعليم أطفالك” ستتكفل بذلك!!!
كما استعرضنا سويًا.. نحن مسحورون.. مُنوَّمون “زومبي” – جُدُد!
ولكن ألا يوجد خلاص من ذلك.. هل فُرِض علينا ما نحنُ فيه.. أم هناك سبيل للخروج من الحلقة المُفرغة؟
الإجابة المقتضبة هي: نعم، التحرر الفكري.. وعرض مقترحات القرارات التي يطرحها عليك عقلك أمام فكرة الاحتياج الحقيقي وعقد مقارنة، فضلاً عن بحث جميع البدائل الأكثر فائدة والأقل تكلفة…
لنُبسِّط الفكرة قليلاً…
عند اتخاذك قرار بدفع مبالغ كبيرة من شأنها أن تُثقِل كاهلك.. فكّر قليلاً قبل اتخاذ القرار على النحو التالي:
– هل أحتاج ذلك حقًّا؟
– ما تأثيره على وضعي المالي في الفترة القادمة؟
– هل هناك بدائل أقل تكلفة تؤدي إلى نفس النتيجة؟
هذا النمط من التكفير يضمن لك تجنب الكثير من القرارات الخاطئة – التي تتخذها وأنت تحت تأثير السحر – ما يجعلك تكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الكثيرون وتبرأ من فيروس الزومبي.. وتُصبح حُرّ الفكر.. أخيرًا
ولنمارس تجربة تُحاكي واقعنا في السطور التالية..
– ينصحني الكثيرون بإلحاق طفلتي بمدرسة أمريكية لتتعلم جميع المواد الدراسية بالإنكليزية وتكتسب اللغة وتحصل على أفضل تعليم مُتاح في بلادنا..

لنُطبِق الآن نمط تحرير الفكر سالف الذكر:

– هل أحتاج ذلك حقًا؟ نعم فهو الأفضل لمستقبلها وفي المقام الأول ممارسة اللغة الإنكليزية لأنها ستحتاجها في كل شيء وخصوصًا للحصول على فرصة عمل جيدة..
– ما تأثير ذلك على وضعي المالي في الفترة القادمة؟ سيُثقِل كاهلي، فالمصاريف باهظة – ولأتمكن من توفيرها على مدار سنوات تعليمها كاملةً سأحتاج لمضاعفة ساعات عملية وسنضطر لخفض مستوى معيشتنا بعض الشيء لنتمكن من تدبير تلك المصاريف وهو ما يعني تقشف لسنوات طوال سأبتعد فيها عن ابنتي وبالكاد أراها قبل نومها أو أثناء نومها فقط لاضطراري للعمل طوال اليوم لتوفير ما نحتاجه من مصاريف!
– هل هناك بدائل أقل تكلفة تؤدي إلى نفس النتيجة؟ علِمت مؤخرًا من صديق لي يكبرني ببضع سنوات وقد تزوج قبلي ببضع سنوات أخرى – يختلف عن الآخرين في تفكيره ونصفه دائمًا بأنه غريب – أنه واجه نفس الموقف مع طفله ولم يكن هناك خيار أمامه لتحقيق المُعادلة الصعبة سوى أنه ألحق طفله الصغير ببرنامج لتعليم الأطفال اللغة الإنكليزية منذ صغره، واستمر فيه إلى أن ألحقه ببرامج تعليم اللغة الإنكليزية للكبار وبات على مشارف الحصول على شهادة لا يحُصل عليها سوى من يتقنون اللغة بطلاقة، ووفقًا لكلامه كان هذا البديل الوحيد المتاح أمامه الذي تمكن من خليله من تحقيق 80% من الهدف المنشود دون تضحيات لا يعلم إن كان سيتحملها لسنوات طوال أم لا….
هل سيكون الموضوع سهلاً… بالطبع لا… ولكنه ليس مستحيلاً، لكن عليك البدء من الآن حتى لا تخض بحرًا لا قِبَل لك بأمواجه العاتية.. لم تذهب إليه سوى بأفكار لم تُفكرها وأحلام لم تحلمها.. إنما زرعها غيرك برأسك لمصلحته هو وليس لمصلحتك..
احصُل على ما تحتاج وليس ما ترغب… أو ما يريدونك أن ترغب به… وازن بين الرغبات والاحتياجات.. واكسر الحلقة المُفرغة وغرِّد خارج السرب لتبرأ مما يُعانيه القطيع..

فيديو الزومبي الجُدد

أضف تعليقك هنا

كريم المالكي

كريم المالكي