بيت للرعب

نظرت إلي ذلك الشاب الوسيم, الجالس أمامها طوال ساعات عملها بالمكتب, تُراقبه في حذرٍ, وعلي الرغم من إعجابها الشديد له لم تُعطِه اي فرصة أو مجال للحوار خارج نطاق العمل.
هكذا الانثي دوماً ما يقتلُ كبرياءُها إفصاحها عن مشاعرها, تظن أنه علي الرجل الإفصاحُ بذاك والحكمُ في النهاية يُصدر عنها, وربما جانب التقاليد الذي يغزو الفكر عند المرء بالجهل; له دور ايضا في مولد كبرياءها او استمراره في الاغلب.

أقدم عليها ذاك الشاب بكمٍ كبيرٍ من الأوراق والمستندات التي يرغب في معالجتها, تلك هي شئون عملها… فكرت في ترك فرصة له تلك التارة للبلوغ معا إلي مستوي كبيرٌ من الوقتِ في المحادثة, كما تحلم دوما ويقتل حلمها الكبرياء, ولكن الشاب هذا قد اعتاد الصد وعدم الرد, فاصبح يقتصر الحديث معها عن العمل فقط, وتعبيرات وجهه اصبحت صارمة حازمة مغضبة بعض الشئ, فتحدث اليها في عنفوان: ” لو سمحتي يا استاذة مني تخلصي الورق ده ويكون علي مكتبي قبل ما تمشي النهاردة ضروري”. يحدثها بتلك اللهجة بفمه ولكن لقلبه حديث آخر لم تسمح هي بخروجه.
تعجبت من الكم الذي سيصيب وقتها بالتاخر, ففي المعتاد تخرج من عملها الساعة الثانية ظهرا, ثم تركب المترو حتي تصل الي دارها بعد نزولها احد محطات المترو بالقاهرة في غضون ساعة الا ربع علي الأقصي, لكن ماذا عن اليومِ؟!
شرع يخطر ببالها كم من الافكار والتساؤلاتِ حول أمها وما ستفعله بها عند بلوغها باب منزلهم.

لن يكذب من قال ان الام مدرسة ..ولكن لم اخطئ انا بقولي انها بيت للرعب ايضا.

اقتربت الساعة الثالثة… واقتربت هي من إنهاء عملها التي كُلفت به هذا اليوم ولم يبقي حولها: سوى ذاك الشاب المنتظر لاوراقه فور انتهاءها, وقلم. ومستندين. بينما كل العاملين معها في هذا المكتب في اودية اخري مختلفة في جوها عن جو المكتب الرتيب, بعضهم يتنزه والبعض وصل لمنزله ليستمتع بقسط من الراحة, وآخرون ما زالو في مواصلاتهم.. لكن كُتِبَ عليها البقاء في مكتبها تلك اللحظة.
وبعد أن سافر عقرب الدقائق 30 دقة, كانت هي قد افرغت عملها, وانتهت من مراجعة المستندات باكملها, وأقبلت علي مكتب البشري الوحيد الباقي معها في العمل لتسلمه اياهم.
وحاولت فتح حديثاً معه قائلة ” تؤمر بحاجة تانية يا استاذ خالد؟ انا كدة خلصت كل الورق اللي حضرتك بعتهولي علي المكتب وهم دلوقتي علي مكتب حضرتك.. في حاجة تانية عايزني اعملها ولا امشي؟!” ولكن أوبئت محاولتها بالفشل فلم يرد عليها بعد ان طال كلامها, واكتفي بتبسم فيه بعض من البرود, واهتزاز لرأسه ان لا, وإشارة بيده تعني لها الانصراف.
فسلمت له ظهرها واوجهت جبتها نحو الباب موشكة علي الخروج .. وبعد ثلاثة دقائق كانت في الشارع ونظرت الي ساعتها التي تخطت من الوقت لحظة وصولها الي المنزل. فوقفت تفكر مرة اخري في أمها ولكن اختلف التفكير عن التساؤل وبدأت تفكر في مظاهر العقاب..
فتخيلت نفسها ترن الجرس حتي تفتح امها الباب فتلقي عليها التحية والسلام وترد امها “كنتي فين يا هانم لحد دلوقتي؟!” وتكمل هي في سيرها نحو غرفتها ويتتبعها كلام امها بصوتها العالي .. فامها تكاد تصل الي المترين في الطول او تتعدي ولها من الحجم ما يناسب هذا الطول وللعضلات قوة لا تراها عند الشحات مبروك في رفع اثقاله.. وتلك الفتاة النحيفة القصيرة لم تحظي بشئ ساعة العقاب غير تكسر ضلوعها وتورم وجهاا وعجز مؤقت لحركتها.
ثم تدخل امها الغرفة من وراءها وتدقق في وجهها …
أسال (كُحلُ) عيونها؟! ام بُعثِر (الروج) عن شفتاها؟! ام احمرت خدودها؟!وما حال (مكياجها) كله أباقي كما كان عليه عند نزولها؟! أم اصابه خلل؟! ثم تطيل النظر حول ملابسها هل تربت من الخلف لاستنادها علي الجدر او الاشجار؟!
و تطمئن … ولا تكتفي بهذا الاطمئنان … فسرعان ما تجني الفتاة صريخها بعد سقوط وجهها بالكامل تحت ذراعي والدتها وشعرها يشد من خلفها وقدماها تضرب بكفيها.. حقا فانه موعد ((العلقة السخنة)).
ظهرت ملامح القلق علي الفتاة امام العمارة التي تعمل بها ولم تستيقظ من تفكيرها الا علي صوت خالد ” انتي لسة مروحتيش يا استاذة مني” ومن هنا افتتح الحوار الذي تمنته منذ قليل اثناء عملها .. وبعد دقائق من المحادثة عرض عليها الذهاب معه الي السينما ووافقت وذهبوا معا الي المترو كي يصلوا الي اقرب السينمات ويستمتعوا بمشاهدة الفيلم.. وفي المترو ظل الحديث بينهم لا ينقطع حتي اقتربت المحطة التي تسكن بها الفتاة … فتحولت ملامح وجهها وعند فتح ابواب المترو هرولت الي الخارج كي تصل الي المنزل تاركة حبيبها والفيلم للحصول علي (العلقة السخنة) من “بيت الرعب”

فيديو بيت للرعب

أضف تعليقك هنا

محمد خلاف مصطفى

محمد خلاف مصطفى