أطفئ الشمس..!

عاد (هشام) في ذلك اليوم الي البيت غاضباً..،عيناه كانت تقول كل شئ، قبضته التي احكمها علي هاتفه وكأنه يريد تحطيمه الي قطع كانت كفيلة بأن تعرف ان الامر لم يسر علي نحو جيد…
جلس علي الكرسي واخذ يطبق شفتيه وكأنه اصيب بمرض في اعصابه..، اما عن والده (كمال)، فقد اخذ يراقب تعابير ابنه وانفعالاته دون ان ينطق بأي كلمة..
واخيراً حطمت امه هذا الصمت اللعين والجو المشحون عندما سألته :
-كيف جرت الامور معك يا بني؟
حينها صاح هشام وكأنه انتظر هذه اللحظة منذ زمن وقال بحنق:
-كيف جرت الامور؟! تسألين كيف جرت الامور؟! الكل يعلم يا أمي كيف تجري الامور في هذا البلد، لقد سئمت العيش في هذا البلد يا أمي، اريد ان ارحل، اريد ان ارحل
-اهدأ يابني، ماذا دهاك؟
-سأصاب بالجنون يا أمي ان بقيت هنا اكثر، حتما لا بد من الرحيل، ان اكره هذا الوطن الظالم!
وهنا تدخل كمال بكل هدوء وحكمة وقال:
هشام! اهدأ قليلاً ..، قلي ..لم يتم قبولك في الكلية الحربية، اليس كذلك؟
-لم يتم قبولي؟! هه، وكيف يتم قبولي ووالدي مجرد موظف بسيط في شركة الغزل والنسيج؟!
لقد تخطيت كل الاختبارات بنجاح متفوقاً علي جميع المتقدمين وحينما دخلت الي الاختبار الاخير الذي يستعلمون فيه عن عائلتك واقربائك، قال لي الضابط :
-انت هشام كمال جاويش، اليس كذلك؟
-نعم سيدي
-والدك هو كمال جاويش يعمل موظف بقطاع المالية بشركة الغزل والنسيج، اليس كذلك؟
نعم سيدي
حينها همهم الظابط ببضع كلمات لم افهمها وقال مشيراً الي الطالب الذي يقف بجانبي:
-انت احمد ابن سالم بيه صاحب شركات الحديد المعروف، اليس كذلك؟
اجاب الطالب بسرعة وكأنه قد حفظ الاجابة مسبقاً وقال:
-نعم حضرة الضابط، والدي تحدث عنك كثيراً ،قال بأنك صديقه منذ زمن
عندها ضحك الضابط وقال :
-نعم نعم نحن اصدقاء منذ زمن وانا احبه كثيراً
ثم اردف:
اظن اننا انتهينا هنا، تم قبول الطالب احمد سالم من بين العشرة طلاب الواقفين امامي الان
شكرا للجميع وارجو ان يتم قبولكم في العام القادم… !

-هكذا يا أبي تم رفضي بكل سهولة ويسر، كل ذلك لأني ابن كمال الموظف وهو ابن سالم ال(بيه)!
هل هذا وطن يستحق العيش فيه؟! قلي ارجوك يا أبي؟!
اخذ كمال نفساً عميقاً وقال بهدوء :
-بني! لا يمكنك تغيير هذا الآن، هذا الامر تم منذ زمن
هذا الظلم تعودنا عليه منذ مدة كبيرة.. هذا الخنوع والضعف والاستسلام هو نتاج سنوات من القهر والظلم والفساد..بني! كل الثائرون ماتوا! واليوم يعيش فقط الجيل الذي تربي علي السير (بجانب الحائط)! بل بداخل الحائط.. انت لا تريد ان يكون مصيرك السجن او الموت!
لا تريد ان يكون مصيرك مثل صديقي (آدهم) !
لقد كان ادهم صديقي منذ عشر سنوات، كان ادهم قوياً حراً ثائراً … كرامته كانت خط احمر لا يتعداه انسان مهما كان منصبه.. ادهم كان يثور علي الاوضاع من حوله، علي الظلم وعلي الرشوة وعلي الوساطة وعلي.. و…، وماذا كان جزائه؟!
تم حبسه اثناء مشادة مع ضابط شرطة قام بسبه، لم يقبل ادهم ان يسبه احد حتي وان كان ضابطاً، دافع عن نفسه كأي انسان شريف يعرف معني كونه انساناً.. وبعدها ماذا؟!
اختفي ادهم ولم يعرف احدا مكانه!
ذهبنا الي كل اقسام الشرطة التي نعرفها املاً في ايجاده ولكن لا جدوي!
أكد لنا بعض اصدقائه الذي كانوا معه قبل ان يتشاجر مع ذلك الضابط ان الضابط اخذه في سيارة الشرطة مكبلاً بالاغلال ولكن لا اثر له في كل الاقسام….
قال هشام في لهفة:
-وماذا حدث له؟
-لا شئ، قرأت بعد شهر علي حادثة اختفائه خبراً في احدي الجرائد كالتالي:
“امس، تم العثور علي جثة رجل وجد مقتولاً علي طريق رمسيس بلبيس، وبعد التحقيقات تبين ان المقتول يدعي ادهم ناصر مقيم بقرية سوارس بمركز ابو كبير بمحافظة الشرقية!
يذكر ان المجني عليه قد تم الابلاغ عن اختفائه منذ شهر في ظروف غامضة! ”
هكذا كانت نهايته!
بني، لا تتصور ان غضبك قد يؤدي الي ثورة عارمة تزيل الفساد وتقتلعه من جذوره!
اذا كان لديك امل في ذلك، فعذراً ..امحو ذاك الامل..!
بني، اطفئ الشمس بداخلك..!

فيديو أطفئ الشمس..!

أضف تعليقك هنا

محمود خالد الشربيني

محمود خالد الشربيني