الإسلام بين مطرقة الانفتاح وسندان الجمود

قال لى صاحبى وهو يحاورنى: أرأيت إن أتى أحد فادَّعى على الإسلام ما ليس فيه، كيف ترد؟ فأجبته: إن كان ما يدَّعيه به نفعٌ ولا يتعارض مع ثوابت الإسلام وافقته، فقال – مضيِّقا عينيه -: فإن ادَّعى على الثوابت نفسها؟ فقلت له بحسم: حاربته بكل ما أوتيت من قوة، فانتشى بظَفَرٍ – وقد ظن أنه تمكن منى – وتبسم حتى بان حشو أضراسه وقال: فمالى أراك صامتا وقد قام العلمانيون يريدون مساواة الإناث بالذكور فى المواريث وتزويج المسلمة بغير المسلم؟؟

بدايات الألفية الثانية:

فقلت له: أجيبك يا صاحبى، ولكن ارجع معى أولا عدة سنوات إلى الخلف، وبالتحديد إلى بدايات الألفية الثانية، فى تلك الفترة تم عقد المؤتمر العالمى للسكان فى القاهرة مع ما صاحبه من لغط شديد فى مخالفة ميثاقه للشريعة الإسلامية ومناداته بالمساواة التامة بين الرجال والنساء وحرية الشذوذ وما إلى ذلك، ثم قامت سوزان مبارك – كخطوة عملية لتفعيل ميثاق المؤتمر فى مصر – فأنشأت وترأست المجلس القومى لحقوق المرأة وجمعت فيه كل الرموز النسائية العلمانية، وظل الجميع – تقريبا – رجالا ونساءا فى المجتمع المصرى – وبالأخص الإسلاميين – يتوجسون خيفة مما سيفعله ذلك المجلس العلمانى الداعر بالأسرة المسلمة، ولم يطل الوقت حتى بدأت أولى الضربات.

تَبَنَّى المجلس حملة واسعة لاستحداث قانون الخلع ضمن مجموعة قوانين الأسرة فى القانون المصرى، وثارت ثائرة العامة وكثير من الخاصة (رجالا ونساءً) للدفاع عن الإسلام والأسرة المسلمة، حتى أن النساء تندرن فى مجالسهن الخاصة بما سيفعلنه بأزواجهن، فإحداهن ستعطيه نفقه والأخرى ستطلبه فى بيت الطاعة إلى آخره، فكشرت سوزان مبارك عن أنيابها واستدعت مواليها من رجال الدين سيئى السمعة، وكان على رأسهم وقتها “محمد سيد طنطاوى” مفتى الجمهورية، لإلصاق رأيها لصقا بالإسلام، فتصدى لهم المخلصون من رجال الدين (حراس العقيدة)، واحتدمت بين الفريقين معركة حامية الوطيس، حتى إذا ما هدأت بعد فترة اكتشف العامة وكثير من الخاصة والمخلصون من رجال الدين (حراس العقيدة) أن الخلع بالفعل من الإسلام وأن له واقعة مثبتة بأحاديث صحاح عن النبى نفسه، فأُقر الخلع وأمسى فى أيامنا هذا من المسلمات!!

(حراس العقيدة)

ولم تمض برهة حتى ضرب العلمانيون – ممثلين فى مجلس سوزان مبارك – ضربتهم الثانية ضد أحد الثوابت التى كان المصريون يعتبرونها ركن الإسلام السادس، وفجَّروا حملة شرسة ضد ختان الإناث، فثارت ثائرة المسلمين فى الريف والحضر، الجاهل منهم والمتعلم، الغنى والفقير، الرجال والنساء، لإنقاذ بنات المسلمين من آتون الشهوة والشبق الجنسى الذى يريد أولئك المنحرفون الفجار إلقائهن فيه. وكالعادة أخرجت سوزان مبارك فقهائها سيئى السمعة فتصدى لهم المخلصون من رجال الدين (حراس العقيدة) واحتدمت المعركة بين الفريقين فترة من الزمن، حتى إذا ما هدأت اكتشف الجميع أن ختان الإناث بالفعل ليس من الإسلام فى شيئ، وأنه لا يعدو كونه عادة فرعونية قبيحة، فنفر الناس من تلك البدعة السيئة وتابوا إلى ربهم وأنابوا!!

ففغر صاحبى فاه دهشة وقال: أتعنى أن هناك من الثوابت ما ليس حقا من الثوابت؟ وأن الفضل يرجع للعلمانيين فى تصحيح فهمنا للإسلام؟؟ فقلت له باسما: أنا لا أعنى شئ، وإنما أخبرك ببعض ما حدث وأترك لك أنت التحليل والحكم.

فقال غاضبا: ولكن أليس هذا دور المخلصين من رجال الدين (حراس العقيدة)؟ أليس منوطا بهم الكشف عن تلك المخالفات والانحرافات بأنفسهم قبل أن يكشفها كاره أو حاقد فتكون مدعاة للتشكيك فى الإسلام كله؟ ألا يعد هذا تقصيرا منهم وإجراما فى حق الإسلام؟؟ فقلت له مهدئا: بلى، ولكن للإنصاف ليس كل المخلصين مقصرين، فهناك بعضهم اجتهدوا فى بعض المواقف وصوبوا بأنفسهم الانحرافات دون انتظار غيرهم، فقال لى مثل ماذا؟ فقلت له:

مثلا منذ أن وعيت على الدنيا والمصريون جميعهم يفخرون بأن جنودهم هم خير أجناد الأرض وأنهم فى رباط إلى يوم القيامة، وذلك بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الحديث رافدا أساسيا من روافد الحماسة والتعبئة والجهاد منذ أن اضطلعت مصر بدورها فى مواجهة اليهود فى حرب 48، وكانت لا تخلو مناسبة وطنية أو دينية عامة أو خاصة إلا ويتم الاستشهاد والافتخار بذلك الحديث، ثم حدث الانقلاب العسكرى وتغير الوضع ولم يعد الجيش محل اجماع كما كان من قبل، فمد المخلصون من رجال الدين (حراس العقيدة) أيديهم الغاضبة داخل جعبتهم وخرجوا لنا بأن هذا الحديث ضعيف لا يصح الاستناد به، ثم حدث أن تورط الجيش بنفسه وبشكل صريح فى المذابح وحرق المساجد بأهلها، فمدوا أيديهم الدامية هذه المرة داخل جعبتهم وخرجوا لنا بأن هذا الحديث موضوع ولا أصل له!، فصححوا لنا الانحراف وردونا إلى سواء السبيل، جزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء!!

“جراب الحاوى”

فقال لى صاحبى – وقد بدا وجهه كغروب الشمس من الغضب -: أى عبث هذا وأى جعبة تلك، إنها أشبه بـ “جراب الحاوى” يمدون أيديهم فيها فيَخرجوا بما يشاؤون وما يناسب هواهم، إنهم بالموقفين الأولين مهملين مقصرين، ولكنهم بالموقف الأخير متلاعبين كبنى اسرائيل، جعلوا الإسلام قراطيس يخفون بعضها ويبدون بعضها حسب الهوى، هل يكون الحديث صحيحا إذا رضوا عن الجيش وضعيفا اذا انقلب عليهم؟ فماذا ان تصالحوا مرة أخرى، أيصححون الحديث بعد تضعيفه؟!!

فقلت له مشفقا ناصحا: هون على نفسك يا صديقى وافعل مثلى، فقال لى ملهوفا: وماذا تفعل؟ فقلت له: هادئٌ كما ترى، لا أفزع بهجوم العلمانيين والملاحدة على ثوابت الأسلام ولا أتسرع بالتصدى لهم، وإنما أرى فيه خير، دع المعركة تحتدم بين الطرفين وانتظر، فإن كان الأمر حقا من الثوابت فسيجد المخلصون من رجال الدين (حراس العقيدة) ألف برهان وبرهان ليثبتوه، وإن كان غير ذلك فهو بدعة أراحونا منها وشر رفعوه عنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فقال لى صاحبى بحزن: أهؤلاء هم حراس العقيدة إذا، والله إنهم لهُمُ المحنة فى حقيقتها وإنى أرى الإسلام الآن بلا رجال، فيا له من دين لو أن له رجال. فقلت له مصححا: بل الأنسب أن تقول: يا له من دين لولا هؤلاء الرجال!!

فيديو الإسلام بين مطرقة الانفتاح وسندان الجمود

أضف تعليقك هنا

محمد لطفى محمد

محمد لطفي محمد