التجربة الماليزية في بناء مجتمع المعرفة

أولت الحكومات الماليزية المتعاقبة منذ أواخر الستينات وحتى اليوم أولوية قصوى للتعليم والتدريب وإنماء القدرات البشرية للشعب الماليزي، على قاعدة أن التعليم حقّ مُكتسب للمواطنين، والتدريب المهني هو الوسيلة لبناء قوة عاملة مؤهلة وماهرة قادرة على البناء الصناعي، وتطوير التعلم والعلوم وتوجيهها في خدمة بناء المجتمع والاقتصاد المعرفي K-economy.
كما حدّدت وزارة التنمية البشرية ووزارة العلوم رسالة ودور الأكاديمية الماليزية للعلوم في تحقيق الرؤية الوطنية في بناء «اقتصاد صناعي معرفي» من خلال إنجاز التفوق التكنولوجي، وتسويق نتائج البحوث، والمساعدة في التجهيز الصناعي، وتوفير الاستشارات القانونية والحلول التكنولوجية،

كما تم تحديد أهدافها كما يلي:

1-توفير الاستشارات التكنولوجية. 2-توفير حلول هندسية وتطويرية عملية. 3-التعهد والمشاركة في تصميم البنية التحتية وتنفيذها. 4-التعهد بالمشاركة في شبكة المعلومات وتوسيعها. 5-تشجيع البحوث والاختراع والابتكار التكنولوجي، وتطوير الوسائط الرقمية.
وبهدف هذه الرؤية الوطنية قامت الحكومة الماليزية بتأسيس عدة مراكز للبحوث والتطوير تخدم التطوير الصناعي وصناعة المعرفة، كما أنشأت هيئة خاصة لرعاية التطوير الصناعي هي السلطة الماليزية للتطوير الصناعي (Malaysian Industrial Development Authority).

مؤسسات البحوث الماليزية:

كما يُعد معهد شبكة مؤسسات البحوث الماليزية MIMOS في الميكرو الكترونيات من أهم مراكز البحث والتطوير وإنتاج المعرفة في ماليزيا، حيث يعتبر نقطة انطلاق فعلية نحو بناء «عمال المعرفة K-workers» واقتصاد المعرفة «K-economy» وهو عبارة عن مؤسسة تابعة لرئيس مجلس الوزراء، تتألف من شبكة من المؤسسات والشركاء المنتسبين إليها الذين يتمتعون بخبرات فنية وعلمية، ولديهم مساهمات في مجال البحوث داخل كل مؤسسة وضمن نشاطاته، وبالتالي تجمع هذه الشبكة أو المعهد نتاج خبرات مجموعة من مراكز البحوث والتطوير ونشاطات الباحثين، وتهدف إلى توفير مساهمات بحثية وفنية لأفراد ومجموعات وفرق عمل ومؤسسات صناعية وجامعات بهدف تطوير مشاريعهم البحثية وتوظيف نتائجها في بناء مجتمع المعرفة، وكان الهدف الرئيس من إنشاء هذا المعهد هو بناء البنية التحتية للصناعات المحلية الالكترونية المتقدمة، التي تسمح للأمة الماليزية بتصميم وإنتاج وتسويق منتوجات الكترونية عالية الجودة، بواسطة كفاءات متأصلة ناتجة عن النمو الصناعي والاقتصادي.
وفي موازاة معهد البحوث والتطوير في الميكرو الكترونيات (MIMOS) قامت الحكومة الماليزية بتأسيس حدائق تكنولوجية متخصصة لزوم قطاعات الإنتاج والأعمال الخاصة، مثل حديقة ماليزيا التكنولوجية في «بوكيت جليل Technology Park Malaysia in Bukit Jalil» والحديقة التكنولوجية في «كوال كوليم Kual Kullm» وحديقة التكنولوجيا العالية في الولاية الشمالية في «كوداج Northen State of Kedah» التي تقوم بمهام بحوث وتطوير وتصنيع وإنتاج وتسويق في مجال التكنولوجيا العلمية، وتعتبر الحدائق التكنولوجية، مراكز تطوير شاملة ومتقدمة للبحوث الصناعية المتقدمة، تغطي كل واحدة منها أكثر من (300 هكتاراً)، وتشمل في مرحلة بناءها الأولى أبنية ذات وظائف محددة.

حديقة تكنولوجية:

وفي الشمال من ماليزيا يوجد حديقة تكنولوجية بمساحة (1450 هكتاراً) في منطقة «كوليم Kulim Hi-Tech Park»، وهي عبارة عن منطقة تكنولوجية عالية المستوى تقوم ببحوث متقدمة في التكنولوجيا العالية، كما تضم بعض الحدائق التكنولوجية مؤسسات مهنية وتعليمية عالية، ومراكز تدريب متطورة، وشركات إنتاج وتسويق، بالإضافة إلى المعامل والمصانع اللازمة للقيام بعمليات الإنتاج والتصنيع.
وعلى صعيد البنية التحتية في الاتصالات ترتبط ماليزيا مع العالم بمجموعة من الشبكات الأرضية والفضائية عبر الأقمار الاصطناعية وبواسطة شبكات الألياف البصرية، وتجاوز عدد المشتركين بالأنترنت (50%) من مجموع السكان وهو أعلى المعدلات العالمية، وتعتبر الاتصالات التلفونية في غاية التنافسية وهي من الأقل كلفة في العالم.

عالم الحوسبة الحقيقي:

بالإضافة إلى ذلك، تم تأسيس عالم الحوسبة الحقيقي (RWC) (Teal world computing) ومؤسسة تفعيل البحوث في المجالات ذات الأولوية (IRPA) (Intensification & Research Priority Areas) لإدارة المشاريع البحثية، وكلا المؤسستين هي مؤسسات حكومية لتشجيع البحوث والتطوير داخل البلاد، ولقد قامت مؤسسة عالم الحوسبة الحقيقي (RWC) باعتماد برامج بحوث خاصة في مجالات مختلفة أهمها:
1-برنامج البحوث في مجال الروبوت والتجهيزات الصناعية المحوسبة. 2-تطبيقات معلوماتية آمنة. 3-التعرف على الصور الساكنة والفيديو. 4-الأنظمة الذكية. 5-تطبيقات ذات الواجهة البشرية (Human Interface).
ومن هذه الرؤية نرى أن جميع المراكز البحثية والمؤسسات التعليمية ومراكز التدريب والتأهيل تعمل بشكل مُتناسق وتوجَّه لبناء مجتمع واقتصاد معرفي ذي وجهة صناعية، وأن تكنولوجيا المعلومات تأخذ جهداً مميزاً من استراتيجية البحوث الماليزية، ما جعلها من الدول الأولى الصانعة والمصدرة للإلكترونيات ولتكنولوجيا المعلومات والأجهزة الكهربائية.
وهكذا ومن خلال رؤية وطنية تقوم على بناء اقتصاد معرفي وإتباع سياسات وطنية تخدم الوصول إلى بناء مجتمع معرفي، تمكنت الحكومات الماليزية من قيادة عملية البناء الصناعي والتكنولوجي، وتعزيز الابتكار والإبداع من خلال الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وإنشاء البيئة البحثية الملائمة للتنمية البشرية والاقتصادية، وحققت أحلام شعبها بمزيد من التقدم والرفاهية، رفعها إلى مصاف الدول المتقدمة في فترة زمنية بسيطة.

فيديو التجربة الماليزية في بناء مجتمع المعرفة

أضف تعليقك هنا

د. بشار جيدوري

الدكتور بشار جيدوري