شيء عن الدّيالكتيك المادي والتّاريخي، الجزء ٣\٣، بقلم: زين إسماعيل الشرقاوي

«شيء عن الدّيالكتيك المادي والتّاريخي» الجزء (3-3)

المادّيّة التّاريخيّة

إنّ المادّيّة الدّيالكتيكيّة، لا تقدّم نفسها على أنّها مجرّد تنظيرٍ فلسفيٍّ نسقيّ (أيْ ذات سِسْتام مُعيّن)، بل قدَّمَت نظريّات مختلفة، أسقطتها على الواقع المعيش؛ في محاولةٍ لتفسيره، وربّما تغييره أيضًا، بوعينا بهذا الواقع، وبما يُسيِّره. وهكذا، كان هناك مادّيّة تاريخيّة، تُمثِّل نِتاج تطبيق المنهج الدّيالكتيكيّ الّذي عرضنا أفكاره، على تاريخ المجتمعات الإنسانيّة، ذلك التّاريخ الحافل بالتّغيُّرات والحركة. إنّ المادّيّة صارت تاريخيّةً معَ ماركس، بحيث لم تعُد محض نظريّةٍ لتفسير العالم، بل مُرشِدًا لدراسته، وتغييره، وبناءِ مُجتمعٍ ليس فيه استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.

بالمادّيّة التّاريخيّة، نحن نُسقِط ما قدّمناه في المادّيّة الدّيالكتيكيّة على دراسة الحياة الاجتماعيّة، ودراسة تاريخ المجتمعات، حيث تكون قوانين الدّيالكتكيك فاعلةً في تناول وقائِع المُجتمع، وحوادث التّاريخ. فتطوُّر التّاريخ الاجتماعيّ، هو جزءٌ من التّطوّر العامّ للطّبيعة. حيث نعتمد على (1) أنّ التّراكمات في التّغيُّرات الكمّيّة، تتبعها تغيُّرات كيفيّة ونوعيّة، و(2) أنّ التّناقض قائمٌ بين مُكوّنات الأشياء، كما في المجتمعات والطّبقات المُختلفة، وأنّه الأساس في هذه الحيويّة والحركة الدّائِمة، و(3) أنّ هذا التّناقض والصّراع، سيقود بنا إلى نوعٍ من النّفي، ثمّ تتبعه إعادةُ نفيٍ للنّفي، تُنتِجُ لنا شيئًا جديدًا، يقطع صلته بالماضي، وتصبح محاولة الرّجوع إليه خطأً يجب تجنُّبه.

إنّنا عندما نطبّق هذه القوانين على التّاريخ والمجتمع، لن يبقى هذان الأخيران مُجرّد تكدُّسٍ للاحتمالات، إنّما سيكون مسيرهما نحو التّطوّر والتّقدّم، وستصبح دراسة التّاريخ الاجتماعيّ، دراسة علميّة تبحث عن قوانين هذا التّطوّر، وأسبابه، وشروطه، وكيفيّات وقوعه. فَفِي المادّيّة الدّيالكتيكيّة، فهم العالم هو أمر مُمكن، ولمّا كُنّا قادرين على معرفةِ قوانين تطوُّر الطّبيعة معرفةً صحيحةً، لها دلالة موضوعيّة، ولمّا كان المجتمع جُزءًا من هذه الطّبيعة؛ فإنّ معرفة وفهم الحياة الاجتماعيّة، والتّطوّر الاجتماعيّ والتّاريخيّ على السّواء، أمرٌ مُمكن أيضًا، والّتي، إن أمكن، ستُمثّل قوانين تطوُّرٍ اجتماعيّ، لها دَلالاتها الموضوعيّة الحقيقيّة.

وعلى هذا المنوال، تطرح المادّيّة التّاريخيّة حلًّا لمسألة العلاقات القائمة بين الكائن/الإنسان الاجتماعيّ، والوعي الاجتماعيّ، أو بين تطوّر الحياة المادّيّة، وتأثيرها على حياة المجتمع الفكريّة، والرّوحيّة، وتطوّرها. إنّها، وهي تطرح هذا الحلّ، تتوسّل في ذلك مبادئها وقوانينها، لتُفسّر ما يحدث من علاقات مُجتمعيّة وتاريخيّة. فتقول: «إنّ شروط وأنماط حياة المجتمع المادّيّة، هي الّتي «تُحدِّد»، في النّهاية، هيئة المُجتمع العامّة، ووعيه، وأفكاره، وآراءَه، وأوضاعه السّياسيّة، وقد تُحدّد أخلاقه أيضًا، ونظراته الجماليّة». لكنّ السّؤال الّذي يبرُز هُنا: ما هي هذه الشّروط المادّيّة المُجتمعيّة؟

قبل أن نُحدّد هذه الشّروط، يجب أن نسأل أيضًا: هل ما يحدُث من أفعالٍ، على مستوى الإنسان، ومن أحداثٍ على مستوى المُجتمعات والتّاريخ، هو نتيجة لتطبيق ما يُولَد من أفكارٍ في أدمغتنا، كما تقول المثاليّة، فقط؟ إن أجبنا بنعم، فذلك سيكون بمثابة تفسيرٍ سطحيٍّ، ومحدودٍ، وغير كافٍ، لهذه الحوادث، كما إنّه تجاهلٌ صريحٌ لدور «الحياة المادّيّة» فيما يقع. وكيف، إذن، تظهر عدم كفاية الأفكار (والإيديولوجيّات)، كتفسيرٍ وحيدٍ لحوادث التّاريخ والمجتمع؟ تُجيب المادّيّة التّاريخيّة، بأنّ الأفكار عاملٌ مُهمّ في تفسير ما يحدث، وهي شرطٌ من الشّروط الضّروريّة، لكنَّها ليست كافيةً. إنّنا نعرف أين توجد هذه الأفكار؛ أيْ في دماغنا ووعينا، لكنّ هذا لا يفسِّر لنا، أو يشرح لنا سبب امتلاكنا لهذه الأفكار بالذّات، ومن أين جاءَت – حسب ما تدّعي المثاليّة، وتنتقد المادّيّة التّاريخيّة. لهذا، يقول إنجلز: «ينبغي أن تمرّ بالضّرورة بأدمغتهم، ولكنّ الشّكل الّذي تأخذه في هذه الأدمغة، يتعلّق، في درجةٍ كبيرةٍ منه، بالظّروف – أي ظروف الحياة المادّيّة المحيطة بهم».

إنّ الأفكار انعكاسٌ للأشياء، وأهدافنا ورغباتنا، المُحتَواة في أفكارنا، هي انعكاس لهذه الأشياء، أيضًا. يتبيّنُ لنا، أنّ شروط الحياة المادّيّة للمجتمع، تُمثّل الطّبيعة المحيطة بالمجتمع، أوّلًا، أو ذلك الوسْط الجغرافيّ الطّبيعيّ، ذو التّأثير الكبير على الحياة الاجتماعيّة، والتّطوّر التّاريخيّ الخاصّ بها؛ فالّذي يعيش على الجبل، هو حتمًا، ليس كالّذي يعيش في مِنطقةٍ سهليَّةٍ مُنخفضة، وليس كالّذي يعيش قريبًا من السّواحل والشّواطئ. في هذه الحالة، يكون الوسْط الجغرافيّ أحد الشّروط الضّروريّة لتطوُّر حياة المجتمع، لكنّ دوره ليسَ حاسِمًا بالتّأكيد، إنّه قد يلعب دور المُعجِّل، أو المُبطِّئ لهذا السّير نحو التّطوّر الاجتماعيّ، لكنّه يبقى شرطًا من بين مجموعة شروط. فعجلة تطوّر المجتمع، وتغيُّراته، تسير بصورةٍ أسرع بكثيرٍ من تطوُّر هذا الوسْط الجغرافيّ. إنّ الحياة الاجتماعيّة، والطّابَع التّاريخيّ للمُجريات، يتّصف بالحيويّة والحركة، ولا يكفي الوسْط الجغرافيّ ليكون شرطًا وحيدًا. فبينما يحتاج الوسْط الجغرافيّ لملايين السّنين حتّى يتغيّر ذلك التّغيّر الحاسم، فإنّ المجتمعات تحتاج إلى قرونٍ فقط، حتّى تتعاقب عليها الأنظمة الاجتماعيّة، وتحدث تلك الثّورات العنيفة. وهذا، إذن، فيما يخصُّ الشّرط الْجغرافيّ في التّطوّر الاجتماعيّ من وِجهة نظر المادّيّة التّاريخيّة.

ثانيًا، فيما يخصُّ الظّروف المعيشيّة المادّيّة، ونموّ السّكّان وكثافتهم، فإنّ هناك – كما نُلاحظ – فقراء وأغنياء في المجتمع، تختلف طريقة تفكيرهم، وآراؤهم، وتأثيراتهم على المجتمع وتطوّره. والسّبب في اختلافهم من النّواحي السّابقة، هو كون أحدهم فقيرًا، والثّاني غنيًّا، وليس العكس، ولا يكفي هُنا أن يجنيَ الفقير المال، حتَّى يتخلّص من قيم وأفكار الطّبقة الّتي ينتسب إليها. فلو افترضنا أنُّه بروليتاريّ معدوم الحال، وأنُّه أصبح يجني الكثير من الرّبح الّذي قد يفوق ما يجنيه ربّ عمله، إلاّ أنّه سيبقى مُعلّقًا بربّ عمله، ولن يكون ذا حياةٍ مستقرّة ومُستقلّة. وهكذا، نرى أنّ الظّروف المعيشيّة ذات أهميّة في التّطوّر الاجتماعيّ، لكنّها غير كافية لإحداث التّطوّر أو التّغيير الحاسم. فالظّرف الاجتماعيّ، أقوى من الظّرف المادّيّ المعيشيّ.

ومن المُؤكّد، أيضًا، أنّ نموَّ السّكّان وكثافتهم، يُعتبران من شروط حياة المُجتمع المادّيّة، فالنّاس عنصرٌ أساس لا بدّ منه في شروط حياة المجتمع، والتّطوّر التّاريخيّ؛ فانعدام النّاس، هو انعدام للحياة الاجتماعيّة، تباعًا. لكن، هذا الشّرط يبقى، من وِجهة نظر المادّيّة التّاريخيّة، غير كافٍ ليُفسّر لنا تعاقب الأحداث التّاريخيّة، وتعاقب الأنظمة الاجتماعيّة أيضًا، وحلول نظامٍ معيّن مكان آخر، من بين جميع الأنظمة المُمكنة. إنّ كثافة السّكّان ونموّهم، يعمل إمّا على تسريع هذا التّطوّر الثّنائيّ، على مستوى التّاريخ والمجتمع، أو تبطيئه، ولكن هذا ليس ذا تأثيرٍ حاسم. وإلقاء نظرة واحدة دقيقة، على العلاقة غير المُحدَّدة، بين ازدياد عدد السّكّان، وآثارهم على التّطوّر التّاريخيّ الاجتماعيّ للدّول والمجتمعات المختلفة، هو أمر كافٍ لتبيين أنّ هذه العلاقة غير حاسمة ألبتّة؛ لتُمثّل قوّة أساسيّة في تطوّر المجتمع عبر التّاريخ، وتُحدّد هيئة المجتمع، وطابع النّظام الاجتماعيّ.

ونخلُص، ثالثًا، إلى أنّ القوّة الأساسيّة الّتي تُحدّد هيئة المجتمع، وطابع النّظام الاجتماعيّ، وتُقرّر تطوّر المجتمع من نظامٍ إلى آخر، وتُعتبر قوّة مُحرّكة للتّاريخ، حَسَبَ المادّيّة التّاريخيّة، هي «صراع الطّبقات» المُحدَّد بالظّروف الاقتصاديّة؛ أوّلًا. وأسلوب الحصول على وسائل المعيشة الضّروريّة لحياة النّاس؛ ثانيًا. ويُلخّص بوليتزر هذا التّرابط كالتّالي: «يملك النّاس أفكارًا تدفعهم إلى العمل، هذه الأفكار تُوَلَّد عن الظّروف المعيشيّة المادّيّة التّي يعيشون فيها، وهذه الظّروف المعيشيّة المادّيّة، يُحدّدها الموقع الاجتماعيّ، بدوره، الّذي يشغلونه في المجتمع؛ أي الطّبقة الّتي ينتمون إليها. وتُحدَّد هذه الطّبقات، بالظّروف الاقتصاديّة الّتي يتطوّر المجتمع فيها». فحيثما وُجِدت الأفكار، كانت الطّبقات موجودة تحتها، وكان التّنازع بين هذه الأفكار؛ أي الطّبقات، وكان الصّراع الطّبقيّ، يُمثّل موضوعًا أساسًا في تحريك التّاريخ، وتطوّره.

والآن، ما المعنيّ بأسلوب الحصول على وسائل المعيشة الضّروريّة، وما الّذي يُحدّد الظّروف الاقتصاديّة، والطّبقات في المجتمع عبر التّاريخ؟ بادئ ذي بدء، ما يُعتبر مفتاحًا لقوانين تطوّر المجتمع، ينطوي على حقيقة أنّ البشريّة لا بدّ أوّلًا، أن تأكل وتشرب، وتجد المأوى، والملبس، قبل أنْ تستطيع مُمارسة السّياسة، والعلم، والفنّ، والدّين… إلخ. فقبل الإقبال على أيّ شيء، لا بدّ أن يحصل النّاس على وسائل المعيشة الضّروريّة، كالطّعام واللّباس والمأوى. كيف نحصل على هذه الحوائج المادّيّة؟ يجب إنتاجها، بالارتباط معًا فيما بيننا، وتبادُل ما يُنتَج. فتطوير الاهتمامات الاجتماعيّة، لا يتمّ إلاّ على أساسٍ من التّرابط لإنتاج وسائل الحياة، وتبادلها. وكيف نقدر على إنتاج هذه الوسائل؟ (1) لا بدّ من توافر أدواتٍ للإنتاج، و(2) لا بدّ من معرفة عمليّة إنتاج هذه الأدوات، و(3) لا بدّ من معرفة استخدامها. فنحن نحتاج غذاءً، ولباسًا، وأحذيةً، ومسكنًا، ووقودًا… وما إلى ذلك، لكنّنا لن نُحصّل ما نحتاج، دونما معرفةٍ بالأدوات الّتي ستساعدنا على ذلك.

ونخلُص إلى التّالي: إنتاج وسائل صون الحياة الإنسانيّة، ثمّ تبادلها، هو أساس كلّ نظام اجتماعيّ. وفي كلّ مجتمعٍ ظهر في التّاريخ، حَسَبَ إنجلز، يُحدَّدُ توزيع المُنتجات، ومعه تقسيم المجتمع إلى طبقات، بناءً على ما يُنتَج، وكيف يُنتَج، وكيف يتمّ تبادل هذا المُنتَج. ومن هُنا، يظهر مصطلح «أسلوب الإنتاج»؛ وهو الطّريقة الّتي يُنتِج بها النّاس وسائل حياتهم، ويتبادلونها، وهو اجتماعيٌّ دائِمًا؛ لأنّ كلّ فردٍ لا يُنتِج لنفسه كلّ احتياجاته المادّيّة، بعمله وحده مُستقلًّا عن غيره من الأفراد. وكلّ مجتمع، يقوم على أسلوب إنتاجٍ مُعيّن، يُحدِّد في النّهاية، طابَع كلّ نشاطٍ اجتماعيّ، ومُؤسّسة اجتماعيّة. وبهذا، تَتَتَبّع المادّيّة التّاريخيّة السّبب النّهائيّ لكلّ حركة المجتمع، فَتَرُدّه إلى النّشاط الاجتماعيّ للنّاس في إنتاج وسائِل حياتهم، وتبادلها – أيْ إلى ظروف الحياة المادّيّة للمُجتمع، والتّغيُّرات في ظروف هذه الحياة.

ويظهر لنا من كلّ ما سبق، مفهوم «قوى المجتمع المُنتِجة»، وهذه القوى مُجتمعة، هي: أدوات الإنتاج، وقوى الإنتاج، وعلاقات الإنتاج. أمّا «أدوات الإنتاج»؛ فهي الأدوات والآلات، ووسائل النّقل، وما إليها من الوسائل الّتي بمعونتها، تُنتَج الحوائِج المادّيّة، وهي ضروريّة بدورها، لكنّ هذه الأدوات، لا تُنتِج شيئًا بذاتها. إذن نحتاجُ إلى أُناسٍ يصنعونها، ويُحرّكونها، ويستخدمونها، ودون هؤلاء النّاس ذوي المهارة في صنع أدوات الإنتاج، واستخدامها، لا يُمكن أن يكون هناك إنتاج. وهذا ما نعنيه بمفهوم «قوى الإنتاج»؛ وهي توليفٌ من أدوات الإنتاج، والنّاس الّذين يستخدمون هذه الأدوات، بخبرتهم، ومهارتهم – وهذه هي «قوّة العمل». وبتطوّر قُوّة العمل، تتطوّر قوّة الإنتاج؛ فالعلاقة تآزريّة. وبهذا، تجرف المادّيّة العلم، ليُصبح جزءًا رئيسًا من قوى الإنتاج.

وهذا يقودنا إلى مفهوم «علاقات الإنتاج». إنّ أسلوب الإنتاج ذو جانبين، من حيث العلاقات الّتي ينطوي عليها؛ جانبٌ يُمثّل القوى المُنتجة: أيْ سلوك النّاس نحو «وسائل الإنتاج»، وما هو مُتاح لهم من أدواتٍ ليستخدموها، وغير ذلك، في عمليّة الإنتاج. وجانبٌ يُمثّل علاقات النّاس وسلوكهم فيما بينهم، أثناء سير عمليّة الإنتاج – وهذا هو ما يُمثّل «علاقات الإنتاج». إذن، علاقات الإنتاج هي علاقات بسيطة ومباشرة، يدخل فيها النّاس معَ بعضهم البعض، خلال عمليّة الإنتاج الفعليّة ذاتها. أمّا مصطلح «وسائل الإنتاج»، فهو مفهوم أوسع من أدوات الإنتاج، فنعني به كلّ تلك الوسائل اللاّزمة لإنتاج المُنتجات النّهائيّة؛ أي ليسَ فقط أدوات الإنتاج، الّتي تُمثّل جزءًا من قوى الإنتاج، بل أيضًا الموادّ الأوّليّة، والأرض، والمباني الّتي يجري فيها الإنتاج، وهكذا.

ومن هُنا، تنشأ المُلكيّة، عن طريق ضرورة تنظيم النّاس لعلاقاتهم الاجتماعيّة المُتبادلة بوسائل الإنتاج، أثناء القيام بعملهم؛ أي الإنتاج. حيث تصبح وسائل الإنتاج، ملكيّة لمُختلِف الأشخاص والمجموعات. وهذا التّنظيم لا يكون مُنطوِيًا على أساسٍ من الفعل الجماعيّ المدروس، إنّما نتيجة لعمليّة غير واعية أو تلقائيّة. فالتّنظيم سيكون تابعًا لقوى الإنتاج، بحيث يجب أن يكون متلائِمًا مَعَها، وهكذا تتكوَّن علاقات الملكيّة؛ وهي علاقات يعيها النّاس كعلاقاتٍ مُلزِمةٍ اجتماعيًّا، أو قانونيًّا. وعلاقات الملكيّة ليست علاقات بسيطة بين النّاس والأشياء، بل هي علاقات اجتماعيّة مُركّبة، بين النّاس في المجتمع نفسه، ومُوزَّعة أيضًا. وتاليًا، هي طرق لتنظيم علاقات النّاس المُتبادلة في عمليّة استخدام وسائل الإنتاج، والتّصرف في النّاتج. ويتمخّض كل ذلك عن نتيجة مُهمّة، هي أنّ علاقات الإنتاج القائمة في أيّ مُجتمعٍ، تُشكّل التركيب الاقتصاديّ لهذا المجتمع.

خواصُّ الإنتاج

(1) إنّ الإنتاج دائِمًا في حالةٍ من التّغيُّر والنّموّ، فلا يجب أن يُقطع أو يوقف أبدًا لمدّة طويلة، وفي نقطة مُعيّنة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تغيُّر أسلوب الإنتاج، يُؤدّي، بصورة حتميّة، إلى تغيُّر النّظام الاجتماعيّ بأسره، وتباعًا، تغيُّر الأفكار الاجتماعيّة، والآراء، والمُؤسّسات السّياسيّة. بتغيُّر أسلوب الإنتاج، يقوم هذا الأخير بصهر النّظام الاجتماعيّ والسّياسيّ كلّه، صهرًا جديدًا، ويصبّهما في قالبٍ جديد. وتتلخّص كلّ هذه الفكرة في قولنا، على لسان أصحاب المادّيّة التّاريخيّة: «كلّ نمطٍ من المعيشة، يُطابقه نمطٌ من التّفكير». فحيثما يستخدم النّاس في مُختلِف درجات التّطوّر، أدوات إنتاج مُختلِفة، هذا يعني أنّهم يُحدّدون ملامح حياةٍ مختلفة. فحياة النّاس العقليّة، وآراؤهم، ومؤسّساتهم السّياسيّة، ونظمهم الاجتماعيّة، كلّها، تختلف باختلاف أساليب الإنتاج الّتي تحدّثنا عنها. ما معنى ذلك؟ معناه أنّ تاريخ تطوُّر المجتمع، هو تاريخ تطوُّر الإنتاج، وتاريخ أساليب الإنتاج الّتي تتعاقب عبر العصور، وتاريخ تطوُّر القوى المُنتِجة، وعلاقات الإنتاج بين النّاس. وهذا كلّه يعني، أنّ التّاريخ – تاريخ التّطوّر الاجتماعيّ على وجه الخصوص – هو في الوقت نفسه، تاريخ الجماهير الكادحة، ومُنتجي ما يحتاجه البشر، الّذي يُمثّلون قوًى أساسيّة في كلّ العمليّات الّتي تحدَّثنا عنها.

وهكذا، يكون علم التّاريخ علمًا حقيقيًّا، عندما لا يقتصر تاريخ التّطوّر الاجتماعيّ على أعمال الملوك، وقادة الجيش، وفاتحي ومُستعبدي الدّول، فالتّاريخ ليس تاريخ أفرادٍ بعينهم. بل عليه أن يهتمّ بتاريخ الشّعوب، والجماهير الكادحة، ومُنتجي حوائجنا الاجتماعيّة. إنّنا سنجد المفتاح الّذي سيفكّ لنا قفل الكشف عن قوانين تطوُّر تاريخ المُجتمع، ليسَ في أدمغةِ النّاس، بل في أسلوب الإنتاج الّذي تحدّثنا عنه، وهو ذلك الأسلوب الّذي يُمارسه المُجتمع خلال دورٍ من أدوار التّاريخ؛ أيْ يجب أن نبحث عنه في حياة المُجتمع الاقتصاديّة.

(2) إنّ الإنتاج ذو تطوُّرٍ وتغيُّراتٍ تبدأ دائِمًا بتغيُّر القوى المُنتجة، وتطوّرها، كما بتغيير وتطوير أدوات الإنتاج المُستخدمة. ومن هذا، تظهر لنا أهميّة القوى المُنتِجة، فهي أكثر العناصر تأثيرًا وحركةً، وثورةً في عمليّة الإنتاج. بادئ ذي بدء، تتعدّل القوى المُنتِجة في المجتمع، وتتطوَّر، وبعدئذٍ، يقود هذا التّعديل إلى تعديلٍ آخر في علاقات الإنتاج بين النّاس؛ أي العلاقات الاقتصاديّة الاجتماعيّة. أيعني ذلك أن علاقات الإنتاج، لا تُؤثّر في تطوّر القوى المُنتِجة؟ إنّ هذه نتيجة خاطئة ومُتسرّعة، فتطوّر الطّرفين مُتلازم ومُتشابك، حيث تُؤثّر علاقات الإنتاج في تطوّر القوى المُنتِجة، إمّا بتسريع هذا التّطوّر، أو إبطائِه. لهذا، يجب أن يكون التّناسب قائِمًا بين الطّرفين؛ علاقات الإنتاج، وقوى الإنتاج، وإلاّ أدّى ذلك إلى تفكُّك الطّرفين، حيث يُوقَف مجموع الإنتاج، وتقع أزمة في الإنتاج نفسه، وتُحطَّم القوى المُنتِجة، ويُعكس ذلك على المجتمع، فتحدُث الأزمات الاقتصاديّة، والتّفكُّكات الاجتماعيّة. ومثال ذلك، ما حلّ في الأقطار الرّأسماليّة.

تقسيمات العمل، وما يتمخّض عنها، وكيفيّة تكوُّن الطّبقات

لم تكُن المجتمعات دائِمًا وأبدًا، مُقسّمة إلى طبقات، حيث إنّ الطّبقات لم تكُن موجودة في الماضي البعيد، ويقول إنجلز: «في جميع أطوار المجتمع الدُّنيا، كان الإنتاج، من حيث الأساس جماعيًّا [كما إن علاقات الملكيّة كانت كذلك]، لم يكُن ثمّة من طبقة، حيث فئة تعمل وأُخرى لا. كما إنّ استملاك المُنتَجات الّتي أوجدها النّاس كان جماعيًّا – وتلك هي الشّيوعيّة البدائيّة». في الماضي البعيد، كان الجميع يُشارك في الإنتاج، ولمّا كانت أدوات العمل الفرديّة ذات ملكيّة خاصّة، فإنّ ما كان يُستعمَل جماعيًّا، كانت تملكه الجماعة بأسرها. أمّا تقسيم العمل في هذه المراحل البدائيّة، لم يكُن موجودًا إلاّ بين الجنسين؛ فالرّجل يصطاد الأسماك، أو الحيوانات، أو يُؤمِّن الاحتياجات الضّروريّة؛ والمرأة تعتني بالبيت وما إلى ذلك، ولم يكُن يُجنى من ذلك أيّ فوائد شخصيَّةٍ.

ماذا حدث بعد ذلك؟ لم يبقَ الحال على ذلك، فانتقل النّاس إلى طورٍ آخر، يُمثّل أوّل تغيُّرٍ في حياةِ النّاس؛ وهو «تقسيم العمل» في المجتمعات الأوّليّة. كان هناك حيوانات يُمكن تدجينها، ومن ثَمَّ، تربيتها ورعايتها، بحيثُ إنّ بعضًا من أكثر القبائل تقدُّمًا، قد جعلوا من تدجين المواشي، أوّلًا، ومن تربيتها ورعايتها فيما بعد، ثانيًا، الفرع الرّئيسيّ من نشاطهم. وهكذا، انفصلت قبائل الرّعاة عن بقيّة البرابرة، وكان ذلك أوّل تقسيمٍ للعمل – على حدّ تعبير إنجلز. إذن، تكمُن ملامح هذا التّقسيم، في المقام الأوّل، فيما يلي: (1) تحطيم النّظام البدائيّ للإنتاج المُشترك للقبيلة بأسرها، و(2) انتقال ملكيّة وسائل الإنتاج بالتّدريج إلى أيدي أفرادٍ، ومجموعاتٍ بعينها، وبالتّالي، تظهر الملكيّة الخاصّة للمنتوجات؛ بحيث يتملَّكها من يحوز وسائل الإنتاج، أو يملكها؛ فمع انتقال قُطعان الماشية من الحيازة المشتركة للقبيلة، إلى ملكيّة أرباب العائلات والأفراد، ومع تخصيص الأرض المنزوعة لاستخدام عائلاتٍ مُفردة، ومعَ ظهور الحِرَف؛ يكفُّ النّاتج عن أن يكون حيازةً مشتركةً، أوّلًا، ويُصبح ملكيّة خاصّة، ثانيًا. وهكذا، تتحوّل المنتجات إلى سِلَع، مع الملكيّة الخاصّة، حيث يصير من المُمكن تبادلها معَ غيرها من المنتجات – وهذا ما نقصده بالسِّلَع. وبالتّالي، ينتقل النّاس من «تبادل النّشاط الإنتاجي»، في ظلّ المجتمعات المُشاعيّة القديمة؛ أي تقاسم العمل والمنتجات فيما بينهم، إلى «تبادل المُنتَجات»، في ظلّ الملكيّة الخاصّة. إذن، كان لدينا، كنمطٍ أوّل للإنتاج البدائيّ: الصّيد البرّي، والصّيد البحريّ. ثمّ كنمطٍ ثانٍ: تربية المواشي الّتي وَلَّدت قبائل الرّعاة، وبدأت بمحو معالم النّظام المُشاعيّ البدائيّ.

فالمجتمع المُشاعيّ البدائيّ، كان يُمثّل أوّل نظامٍ اقتصاديّ اجتماعيّ في التّاريخ، بشكلٍ عامّ، وكانت وسائل الإنتاج، بدورها، الّتي يستخدمها الإنسان، بسيطةً وبدائيّة؛ وهذا يعني أنّ قوّة العمل مُنخفضة كثيرًا، كما إنّ مهارات العمل، وخبرة الأفراد ومعرفتهم قليلة. لذلك؛ كان لِزامًا في ذلك الوقت أن يتمّ تبادل النّشاط الإنتاجي، فالأفراد لم يكُن بمقدورهم مُجابهة الطّبيعة، إلاّ بتجميع جهودهم وتضافرها. إذن، ليس هناك فائض محاصيل، وليس هناك حاجة لاستغلال الآخر، ولا يوجد تفاوتٌ اقتصاديٌّ بين الأفراد؛ لذلك، كان توزيع المنتوجات، أو المحاصيل، مُتساويًا بين الأفراد جميعهم، والمُلكيّة مُشتَرَكة.

نعود إلى التّقسيم الأوّل للعمل، فَفِي المقام الثّاني: ارتبط هذا التّقسيم بنموّ إنتاجيّة العمل، فَفِي حين كان العمل الإنتاجي للقبيلة أو العشيرة بأسرها، فيما مضى، لا يكاد يُنتِج ما يكفي لإشباع الحاجات الدّنيا لكلّ القبيلة، أو المُنتِجين، فإنّ العمل الآن يُنتِج فائضًا. إنّ الإنتاج نما في جميع الفروع، كتربية المواشي، والزّراعة، والحِرَف اليدويّة، أو الصّناعات المنزليّة، وهذا كلّه منح قوّة عمل الإنسان القدرة على إنتاج كمّيّة من المنتوجات، تزيد عمّا يحتاج إليه للعيش والبقاء. ومن هُنا، ظهر منعرَجٌ جديدٌ في الأفق، فالّذين يعملون، يُمكنهم، إذن، أن يُنتجوا ما يكفي لإشباع حاجاتهم الأساسيّة، إلى جانبِ شيء آخرَ إضافيّ. ويعني ذلك، إمكانيّة أن يتملَّك الّذين يحوزون وسائل الإنتاج بدورهم، ومن دون عمل، فائض عمل الآخرين. وما إن تظهر هذه الإمكانيّة، حتَّى تجد من يستفيد منها. وماذا يعني ذلك؟ إنّه يعني الانتقال إلى نظامٍ اقتصاديّ-اجتماعيّ جديد؛ أيْ الرِّقّ أو العبوديّة، في أبسط نتائجه، وأولاها. فما إن استطاع المُنتِج أن يُنتِج بعمله أكثر ممّا يستهلك، حتّى يُصبح من المفيد للبعض أن يستعبدوا آخرين؛ وهذا يعني ظهور «السّادة»، و«العبيد»، حيث يتملّك السّادة لأنفسهم كلّ ناتج عمل العبيد، ولا يُبقون لهم إلاّ ما يكفي لكي يحفظ أودهم، ويسدّ رمَقَهُم.

ومن هُنا، وبزيادة قدرة الإنسان على إنتاج فائضٍ من المُنتجات، زادت – في الوقت نفسه – كمّيّة العمل الّذي يترتّب على كلِّ أعضاء العشيرة، أو المُشاعة البيتيّة، أو العائلة المُنفردة. ومن هُنا، يقول إنجلز: «ظهرت الحاجة إلى استعمال قوّة عمل جديدة، فقدَّمَت الحروب هذه القوّة: فقد طفقوا يحوِّلون أسرى الحرب إلى عبيد. وبإنماء إنتاجيّة العمل، وبالتّالي، الثّروة، وبتوسيع ميدان النّشاط الإنتاجيّ؛ أدّى أوّل تقسيمٍ اجتماعيّ كبيرٍ للعمل، في مُجمل الظّروف التّاريخيّة المعنيّة، إلى نُشوءِ العبوديّة بصورةٍ مُحتّمة. وعن أوّل تقسيمٍ اجتماعيّ كبيرٍ للعمل، نجم انقسام المُجتمع إلى طبقتين: الأسياد والعبيد، المُستغِلّون والمُستغَلّون». وهكذا، نرى ما يعنيه تقسيم العمل، ونرى ما يتولّد عنه، وكيف تتكوّن الطّبقات بدورها. حيث نقول: «كلّ تقسيمٍ كبيرٍ للعمل، يلحقه تقسيم كبير للمجتمع إلى طبقات».

ولْنَأخذْ مثالًا آخر، يُبيّن استغلال الإنسان للإنسان، بوجود فائض العمل، وتكوُّن الطّبقيّة. فالأقنان الّذين انتشروا في أوربّا أثناء العصور الوسطى، كانوا مُستغَلّين من قِبَل المُلاّك الإقطاعيّين (أيْ مُلاّك الأرض). وهذا تطوُّر من نوع آخر، فالنّبيل هُنا لا يمتلك القِنّ (أو العبد تجاوزًا) بشكلٍ مُباشر، لكنّه يملك وسيلة الإنتاج المُهمّة، وهي الأرض. وبالتّالي، القِنّ بدوره مقيّدٌ بشكلٍ كلّيّ بالأرض، سواء بالقانون، أم بقوّة الظّروف، وإن انتقلت ملكيّة الأرض من نبيلٍ أو سيّدٍ إلى آخر، انتقل القِنّ معها، وإن بيعت الأرض إلى نبيلٍ آخر، فإنّ القِنّ يُباع مع الأرض وملحقاتها. وهكذا، يسمح النّبيل للقِنّ بالحصول على مَعَاشه من الأرض، بشرط أن يعطيَ النّبيل جزءًا من النّاتج، وهو جزء كبير. ومهما اختلفت أشكال الاستغلال، فإنّ جوهر الأمر واحدٌ: لدينا مُنتِجون يُنتِجون فائضًا يزيد عن احتياجاتهم، وهذا الفائض يمتلكه غير المُنتِجين، بحُكم تمتّعهم بشكلٍ من أشكال الملكيّة، فيُقسَم المجتمع إلى أغنياء وفقراء. وعلى هذا المنوال، يكمل المجتمع حياته، ويخضع لتطوّراتٍ جديدة، حيث تنشأ طبقة جديدة، وتكبُر.

إذن، نخلُص إلى أنّ هناك طبقاتٍ اجتماعيّةً في المجتمعات، يوجد بينها علاقات معيّنة، تُمثّل التّركيب الطّبقيّ للمجتمع. ثمّ نلحظ أنّ وجود هذه الطّبقية، هو نتيجة تقسيم العمل في الإنتاج الاجتماعيّ، وبتقسيم العمل – تباعًا – تنشأ أشكال الملكيّة الخاصّة، وتكفّ عن كونها عامّة للجماعة بأسرها. وهذا يعني، انقسام المجتمع إلى طبقات. نفهم من هذا أنّ المادّيّة التّاريخيّة ترى أنّ ما يُشكّل الطّبقات، هو الأماكن الّتي تشغلها هذه الطّبقات في الإنتاج الاجتماعيّ، والعلاقات الّتي تربطها بوسائل الإنتاج بمعناها الواسع، وهذا ما يُحدّد الفروق بين الطّبقات، في الدّخل، والعادات، والعقليّة، وهلمّ جرًّا. وبوجود الطّبقات، تظهر التّناحرات بينها، والصّراع الطّبقيّ، وتصبح الطّبقات مُحرّكة للتاريخ، حيث تستغلّ طبقة ما الأخرى، وتبني نفسها، وتعمل على حسابها. إذن، الطّبقات هي نِتاج الظّروف الاقتصاديّة السّائدة في عصرٍ ما؛ لهذا، بدأ بيانُ إنجلز وماركس الشّيوعيّ، المنشور سنة 1848، بقوله: «إنّ تاريخَ كلّ مجتمعٍ، قائم حتّى الآن، هو تاريخ الصّراع الطّبقيّ». لكنّ العلاقة بين الطّبقات، طبعًا، ليست دائمًا عدائيّة، فقد تُصبح تنافسيّة بين أصحاب الطّبقة الواحدة، أو المُتشابهة، وغير ذلك.

حسنًا، عرفنا إذن أنّ تطوّر الإنتاج هو أساس كلّ تطوّر للمجتمع، لكن، ما أسباب هذا التّطوّر الاقتصاديّ، والقوى الّتي تحكم الانتقال من تكوين اقتصاديّ إلى آخر؟ إنّ النّاس يُطوّرون قواهم الإنتاجيّة، ويُغيّرون علاقاتهم الإنتاجيّة أيضًا، ومع هذه التّغيّرات والتّطوّرات، تبرز طبقة جديدة نحو المقدّمة. وهذه التّغيّرات في العلاقات الإنتاجيّة، تحدث من تطوّر قوى الإنتاج، حيث لا بدّ أن تتكيّف مع هذه الأخيرة الجديدة، حتّى يكون – هذا التّكيّف – ضمانًا لاستخدامها الكامل، أو الأكمل. أمّا هذه التّغيّرات ككلّ، فتحدُث من خلال الصّراع الطّبقيّ، وطبقات محدّدة – وهذا ما يُمثّل قانونًا مُهمًّا للتّطوّر الاجتماعيّ، الّذي يجري التّطوّر التّاريخيّ وَفقًا له. كما إنّ تطوّر أدوات الإنتاج عبر التّاريخ، هو تطوّر للنّاس أيضًا؛ أي لخبرتهم، ومهارتهم، ومعرفتهم، ومقدرتهم على صنع هذه الأدوات. إذن، يحدث تطوّر لقوى الإنتاج؛ أي لخبرة النّاس، ومعرفتهم، وقدراتهم، فيمثِّل ذلك سببًا جذريًّا للتّطوّر الاجتماعيّ بأسره. وهذا التّطوّر، يعكس تطلّع النّاس الدّائم إلى السّيطرة على الطّبيعة، خاصّة إذا ما وُجِد تناقضٌ بين النّاس، وبيئتهم الطّبيعيّة. ويعكس أيضًا تطلّع الإنسان إلى إنهاء الأمور بوقتٍ قصير. وهذا التّطوّر، ليس عمليّةً ثابتةً مُستقرّة، ومُستمرّة طوال التّاريخ، فعجلة التّطوّر لا تكون دائمًا إلى الأمام بالنّسبة إلى الأجيال المُتَلاحقة، فقد تتوقّف هذه العجلة. كما إنّ هذا التّطوّر، لا يحدث بإرادة النّاس وقصدهم، عادةً، بل تلقائيًّا بحُكم الضّرورات الاقتصاديّة.

بصورّة عامّة، تنشأ، أوّلًا، علاقات الإنتاج في توافقٍ مع تطوّر القوى الإنتاجيّة. ثمّ، ثانيًا، يجيء وقتٌ تصبح هذه العلاقات القديمة أمام المزيد من التّطوّر للقوى الإنتاجيّة الجديدة، حيث تتحوّل من أشكالٍ لتطوّر قوى الإنتاج الاجتماعيّة، إلى قيودٍ عليها. وهُنا تحديدًا، تأتي فترة التّغيُّر الثّوريّ، حيث يحلّ طرازٌ جديد من علاقات الإنتاج، مكان واحدٍ آخر.

ولمّا كان التّغيّر الثّوريّ ضروريًّا ليحلّ طرازٌ جديد من علاقات الإنتاج، فكيف يحصل هذا التّغيّر، وما هي القوى الأساس لحدوث ذلك؟ قلنا إنّ الصّراع الطّبقيّ هو القوّة المُحرّكة للتّغيّر الاجتماعيّ، حيث يتطوّر المجتمع خلال سلسلةٍ من المراحل، يسود في كلّ منها طراز مُحدّد من الملكيّة؛ فهناك أُناسٌ يسعون إلى مصالحهم الطّبقيّة، وهذا السّعي تتخلّله الثّورات، نتيجةً لصراع الطّبقات، فتسارع كلّ طبقة في استغلال الأخرى، وانتزاع فائض العمل من المُنتِجين. وبالمُحصّلة، تَنتُج التّناحرات الطّبقيّة داخل المُجتمع. تشتمل هذه التّناحرات والانقسامات على التّناقض القائم بين المُستغَلّين والمُستغِلّين من جهة، والتناقضات العدائيّة القائمة بين الطّبقات الاستغلاليّة.

لنتناول التّناقض الأوّل، فالمستغِلّون كطبقة، يسعون بكلّ الوسائل إلى تدعيم ملكيّتهم، وانتزاع المزيد من فائض العمل، وزيادة ثروتهم. أمّا المُستغَلّون، فإنّهم – ما لم يُسحقوا ويُستعبدوا بالكلّيّة – يُقاومون فعل المستغِلّين، ويقومون بكلّ ما في وسعهم للإبقاء على مزيدٍ من عملهم لأنفسهم. وفضلًا عن ذلك، فإنّ تلك الطّبقات المستغَلّة، الّتي تحتفظ لنفسها ببعض أشكال الملكيّة – مثل أعضاء المُشاعات، الّذين يمتلكون أرضًا على المشاع، أو الأقنان والفلاّحين الأحرار، فيما بعد. ومعهم أيضًا صغار المُنتِجن المستغَلّين، أو صغار التّجّار، كلّهم، يسعون إلى التّمسّك بملكيّتهم، وإلى توسيعها إن استطاعوا، ومقاومة أيّ اعتداءٍ من جانب مصالح الملكيّة الكبيرة المُستغِلّة. وهكذا، تكبُر الطّبقات المستغِلّة عبر التّاريخ، فتقيم الإمبراطوريّات، وتمدّ سيطرتها بالقوّة المُسلّحة إلى أقاليمَ شاسعةٍ، مخضعة شعوبها الأقلّ تطوّرًا من النّاحية الاقتصاديّة للاستغلال – فتفرض الأتاوى (الخراج والضّرائب)، وتستولي على العبيد، وتنهب الموارد – وقد يكون هناك مقاومة من قِبَل المستغَلّين، فتنهار الطّبقات المُستغِلّة بشكلٍ أو بآخر.

هكذا، تجري التّغيّرات الاجتماعيّة الثّوريّة، من خلال الصّراع الطّبقي، والحروب. وعلى هذه الشّاكلة، انتهى الصّراع الطّبقيّ، دائِمًا، إمّا بإعادة تشكيل المُجتمع بأسره ثوريًّا، وإمّا بالدّمار المُشترك للطّبقات المُتنازعة – على حدّ تعبير ماركس.

الأفراد والطّبقات

لكن، ما هي علاقة الأفراد بالطّبقات، وما دورهم في التّاريخ؟ إنّ الطّبقات لا يمكن أن تلعبَ دورًا في التّاريخ، دون قادةٍ يقودونها، وينظّمون شئونها، ويدعمون مكاسبها، أو يقفون على رأس حركاتٍ ثوريّة. لكنّ هذا القائد، لا يستمدّ مكانته وقوّته إلاّ من طبقةٍ ما. وما لم يتمتّع بتأييد طبقةٍ يُمثّل مصالحها واتّجاهاتها، فإنّه يكون عاجزًا، ولا يستطيع أن يُمارسَ تأثيرًا حاسِمًا. وكلّ هؤلاء الّذين يظهرون عبر التّاريخ، كشخصيّاتٍ ذائعة الصّيت، هم نِتاجٌ للظّروف الاجتماعيّة الّتي يُؤدّون فيها دورهم؛ فكلّ شخصيّة يجب أن تتلاءم معَ مهمّتها، ومع الظّروف الاجتماعيّة القائمة. والتّطوّر التّاريخيّ لا يتحدّد بقرارات هؤلاء الأشخاص الشّخصيَّة، وإنّما بحركة الطّبقات الّتي تحتويهم؛ أيْ إنّهم لا يصنعون الطّبقة أو يُحطّمونها، إنّما يُؤثّرون عليها بحكمتهم أو حماقتهم. والقائد الفاشل، سيُخلع ويحلّ محلّه شخصٌ أقدر منه على أداء المهمّة. إذن، المسألة ليست مسألةَ أشخاصٍ وحيدين، يُحرّكون التّاريخ، بل الدّوافع الّتي تُحرّك جماهير واسعة، وشعوبًا بأسرها، وطبقاتٍ بأكملها، حيث تتمثّل كلّها في هذا الشّخص، لكنّه ليس الّذي يصنعها.

ومن هُنا، تتّضح لنا عدّة نقاطٍ فيما يخصّ المُؤرّخين. بادئ ذي بدء، فإنّ التّحقّق من الأسباب الدّافعة الّتي تنعكس كدوافعَ واعيةٍ في أذهان الجماهير الفاعلة وقادتها، على حدّ تعبير إنجلز، هو الطّريق الوحيد الّذي يُمكن أن يوصلنا إلى أثر القوانين الّتي تعمل في التّاريخ ككُلّ، في فَتَراتٍ مُحدّدة، وأراضٍ مُحدّدة. وبالتّالي، أولئك المُؤرّخون الّذين يعجِزون عن إدراك دور التّطوّر الاقتصاديّ، والصّراع الطّبقيّ في التّأثير على مجرى التّاريخ، والتّاريخ بذاته؛ سيجدون أنفسهم في مأزِق، حينما يحاولون تفسير الأحداث التّاريخيّة، كما إنّهم سيحتارون عند تقرير أيّ الأحداث تستحقّ أن تُدرَج كأحداثٍ تاريخيّة. وتحدث الأزمة فيما لو كانت دوافع الأفراد هي المسئولة عمّا يحدث في التّاريخ؛ لأنّ المُؤرّخ سيجد نفسه في مواجهة استحالةٍ عمليّةٍ لاكتشاف الشّواهد الكافية، في معرفة شخصيّات هؤلاء الأفراد، ودوافعهم، بقَدْرٍ ما من اليقين. وفي هذه الحالة، سيكون على المُؤرّخ أن يسدَّ ما يفتقر إليه بميوله وخياله. لذا، وِجهة نظر المادّيّة التّاريخيّة في هذا، أنَّ المُؤرّخين لا يستطيعون أن يلوموا إلاّ أنفسهم، إذا ما وصلوا إلى التّشكيك بماهيّة الأسباب التّاريخيّة الفاعلة، وإلى استخلاص أنّ ما هو هامٌّ بالفعل في التّاريخ، إنّما تُقرّره المصلحة الذّاتيّة للأفراد، والمُؤرّخ ذاته. ذلك أنّ ما هو هامّ في التّاريخ، يُقرِّره موضوعيًّا، تأثيره في تطوّر أسلوب الإنتاج.

في تاريخ الصّراع الطّبقيّ، دافعت كلّ طبقةٍ حاكمةٍ دائِمًا، حتّى النّهاية، عن علاقات الملكيّة الّتي تتوقّف عليها ثروتها ونفوذها، وفي الحقيقة، وجودها ذاته كطبقة. وكيف فعلت ذلك؟ بسيطرتها على الدّولة؛ أي ذلك الكيان الّذي يقول لينين بأنّه «جهازٌ للحكم الطّبقيّ، وجهازٌ لقمع طبقة بوساطة أخرى». والدّولة، هي التّنظيم الّذي يحفظ وَحدة المجتمع، ولولاه، لَتَمَزَّق الكيان الاجتماعيّ تحت ضغط الصّراع الطّبقيّ. والدّولة، عادةً، تكون دولةَ الطّبقة الحاكمة «اقتصاديًّا»، وتباعًا، تصبح الحاكمة سياسيًّا. هكذا، في كلّ عصرٍ، حيثما وُجِدت طبقات، تتناحر فيما بينها، لتستوليَ إحداها على سلطة الدّولة؛ وبذلك، تُقيم من نفسها طبقةً حاكمةً للبقيّة. وعبر التّاريخ، أُطيح بالرّأسماليّة، وأصبحت الطّبقة العاملة (البروليتاريّة) هي الحاكمة. ومن وِجهة نظر المادّيّة التّاريخيّة، فإنّ مهمّة الطّبقة العاملة، إذن، هي تحطيم المنظّمات العسكريّة، والبيروقراطيّة – المُترافقة مع الجمود والرّوتين – الهائلة، فيُقضى على كلّ استغلالٍ، ولا تعود هناك حاجة إلى قوى القسر في الدّولة؛ فتختفي الدّولة نفسها، في النّهاية، ويصبح المجتمع لا طبقيًّا بشيوع دكتاتوريّة البروليتاريا؛ أيْ ذلك الحكم المفروض على الشّعوب كافّة. وهكذا، يصبح الصّراع الطّبقيّ صراعًا سياسيًّا على سلطة الدّولة، ويظهر مفهوم «الثّورة الاجتماعيّة»؛ الّذي يعني نقل الدّولة، أو السّلطة السّياسيّة، من طبقة إلى أُخرى.

الأساس والتّركيب العلويّ

تُخبرنا المادّيّة التاريخيّة أنّه عندما ندرس مجموع الحياة الاجتماعيّة، علينا أن نُميّز بين التّركيب الاقتصاديّ، والتّطوّر الاقتصاديّ للمجتمع، من ناحية؛ حيث يوجد هذا الأخير مُستقلًّا تمامًا عمّا يُفكّر فيه النّاس، وبين الأفكار والأهداف الواعية الّتي تنشأ في أذهان النّاس، والمُؤسّسات الّتي تتطوّر، وَفقًا لهذه الأفكار والأهداف، من ناحيةٍ أخرى. بتعبيرٍ آخر، عندما ندرس المجتمع، علينا أن نرى جانبين مُتميّزين، أو خيطين مُترابطين من التّطوّر الاجتماعيّ: من ناحية أولى؛ تطوّر علاقات الإنتاج، والمنازعات الّتي تنشأ عنه. ومن ناحية ثانية؛ كلّ التّطوّر الفكريّ، والسّياسيّ، وتطوّر المجتمع. فهناك من جهة، تطوُّر القوى الإنتاجيّة، وعلاقات الإنتاج؛ أيْ الانتقال من أسلوب إنتاجٍ إلى آخر؛ ومن تكوينٍ اقتصاديٍّ-اجتماعيٍّ إلى تكوينٍ آخر. وهناك من جهة أخرى، تطوُّر الدّين، والسّياسة، والفنّ، والفلسفة، والكنائِس، والدّول، والأحزاب، والمُنظّمات، والحركات، وكلّ أنواع المُؤسّسات. إنّ العلاقة بين هذين الخطّين من التّطوّر، عبّر عنها ماركس باسم «العلاقة بين الأساس والتّركيب». فالنّاس بدايةً، في كلّ مرحلةٍ من مراحل تطوّر المجتمع، ينغمسون معًا في أسلوبٍ للإنتاج (= الأساس). ومن هُنا، على أساس علاقاتهم الإنتاجيّة، يُكوِّنون أفكارًا، ويرتبطون في مُؤسّساتٍ، يتمثّلون خلالها مختلِف المصالح، ويُنظّمون أنفسهم لمتابعة هذه المصالح (= التّركيب العلويّ). تتطوّر هذه المصالح كتركيبٍ علويّ، يقوم على الأساس الّذي أشرنا إليه. هناك بناء فوقيّ، يرتفع على أساسٍ مُعيّن، والنّاس هكذا يدركون الأفكار الدّينيّة، أو السّياسيّة، أو الفلسفيّة، أو الأخلاقيّة، أو الجماليّة، ويتبنَّوْنها. إنّ كلّ ضجيجٍ على السّطح، من أفكارٍ يُعلنها النّاس، ومُؤسّساتٍ يُنظّمونها، وينتظمون فيها، ومحاولاتٍ ينغمسون فيها، وخطاباتٍ يلقونها… وما إلى ذلك، كلّه؛ يتحدّد بالعلاقات الاقتصاديّة الكامنة خلفه – خلف ذلك الضّجيج –، ويُؤدّي (أيْ الضّجيج) وظيفةً اجتماعيّةً تتعلّق بتطوّرها – تطوّر العلاقات الاقتصاديّة.

هذه العلاقة بين الأساس والتّركيب العلويّ، هي علاقة ديناميّة في أساسها، لا علاقة ذات طابَعٍ إستاتيكيّ، إنّها علاقة بين جانبين لا ينفصلان لمجموع العمليّة الاجتماعيّة؛ أيْ يتطوّر أحدهما على أساس الآخر، ويُؤدّي وظيفته الاجتماعيّة الخاصّة في التّأثير على المجتمع والتّاريخ. إنّ هذين، الأساس والتّركيب العلويّ، ليسا بناءً مُشيّدًا من عدّة طوابق متلاحقة ومُرتّبة، فالمجتمع – على عكس البناء – يتغيّر ويتطوّر باستمرار.

أشياء يجب أخذها بعين الاعتبار

(1) تطوُّر التّركيب العلويّ على أساسٍ اقتصاديّ، ليسَ عمليّةً أوتوماتيكيّة، بل هي عمليّة ديناميّة مُتّصلة. فالأفكار والمُؤسّسات، نِتاج النّشاط الواعي للنّاس، وصراعهم. وأن تَستنتجَ من وصف ظروفٍ اقتصاديّةٍ مُعيّنة، ماذا سيكون شكل التّركيب العلويّ القائم، وغير ذلك، ليسَ شيئًا تدعو إليه المادّيّة التّاريخيّة. (2) الماركسيّة في المادّيّة التّاريخيّة، لا تقول إنّ كلّ فكرة ومُؤسّسة في المجتمع، هي نِتاجٌ مباشرٌ لحاجةٍ اقتصاديّة طارئة، وخدمة لها. (3) المفاهيم الّتي تقدّمها الماديّة التّاريخيّة عن التّاريخ، ليس هدفها تشييد بناءٍ جامدٍ، بل تسعى إلى أن تكون مُرشدًا للدّراسة، حيث تدعو إلى تمحيص ودراسة التّاريخ من جديدٍ. (4) ركّزت المادّيّة التّاريخيّة على الجانب الاقتصاديّ لتفسير التّاريخ والتّطوّرات الحاصلة، ليس إهمالًا للعناصر الأخرى المُشاركة في التّفاعل المتبادل، بل ردًّا لأقوال خصومهم عليهم، ممّن كانوا يُنكرون هذا الجانب الأساس، والعنصر الهامّ من التّاريخ – أي الجانب الاقتصاديّ. (5) لم يدَّع ماركس، أو إنجلز، في المادّيّة التّاريخيّة، أنّ الجانب الاقتصاديّ هو العنصر المُحدِّد الوحيد، ولم يُهملا دور الإيديولوجيا والفكر والمُؤسّسات، أيضًا، ويصف إنجلز من يفعل ذلك، بأنّه «قد ردّ القضيّة كلّها إلى محض عبارةٍ حمقاءَ فارغةٍ، لا معنى لها». (6) الأفكار والمُؤسّسات عُمومًا، هي نِتاج الظّروف الاقتصاديّة، لكنّ الشّكل الدّقيق الّذي تتّخذه في بلدٍ مُعيّن، وفي وقتٍ بعينه، لا يُمكن ردّه إلى ظروف البلد الاقتصاديّة فقط. (7) المادّيّة التّاريخيّة، في نظريّة الأساس والتّركيب العلويّ، لا تتخلّص من الأفكار والمُؤسّسات، بل تقودنا إلى اعتبارها غير مُقدّسة، وقابلة للتّغيير مع الوقت، إنْ لم تعُد مناسبة للتّركيب الاقتصاديّ القائِم في وقتٍ مُعيّن. (8) يقول إنجلز: «إنّ الاقتصاد لا يخلق شيئًا جديدًا بالكلّيّة، لكنّه يُحدّد الطّريقة الّتي تتغيّر بها مادّة الفكر القائِمة، وتزداد تطوُّرًا».

المصادر المُعتَمَدة، ومراجع للاستزادة

– للقراءة عن هيراقليطس: (1) راجع كتاب «هيراقليطس: جذور المادّيّة الدّيالكتيكيّة»، لمُؤلّفه ثيوكاريس كيسيديس، ومُترجمه حاتم سلمان. (2) ولمعلوماتٍ موجزة عنه، راجع كتاب «تاريخ الفكر الغربيّ»، صفحة 49-53، لمُؤلِّفَيْه غُنار سكيربك، ونِلز غيلجي، ومُترجمه حيدر حاجّ إسماعيل. (3) راجع كتاب «هيراقلطيس: فيلسوف التّغيّر، وأثره في الفكر الفلسفيّ». تأليف: علي سامي النّشار، محمد علي أبو ريّان، عبده الرّاجحيّ.
– للقراءة عن الميتافيزيقا: (1) راجع كتاب «مدخل إلى الميتافيزيقا»، للقراءة عنها بشكل عامّ. تأليف: إمام عبدالفتّاح إمام. (2) راجع كتاب «مبادئ أوّليّة في الفلسفة»، القسم الثّالث. تأليف: جورج بوليترز. ترجمة: فهميّة شرف الدّين. (3) راجع كتاب «مدخل إلى المادّيّة الجدليّة»، المُجلّد الأول، القسم الثّاني، الفصل السّادس: الجدل والميتافيزيقا، وما بعده. تأليف: موريس كورنفورث. ترجمة وتحقيق: محمّد مستجير مصطفى.
– للقراءة عن أخطر الموضوعات الّتي تُشكّل عَصَبًا رئيسًا في علم الاجتماع، أعني العائلة والملكيّة الخاصّة والدّولة، عبر التّاريخ؛ أي تاريخ العشائر والشّعوب: راجع كتاب «أصل العائلة والملكيّة الخاصّة والدّولة». تأليف: فريدريك إنجلز. ترجمة: أديب يوسف. دار النّشر: الفارابي. الطّبعة: الثّانية، كانون الثّاني 2016.
– للقراءة عن المنهج الدّيالكتيكيّ، والمادّيّة التّاريخيّة، كَكُلّ: (1) راجع، أوّلًا، كتاب «المادّيّة الدّيالكتيكيّة والمادّيّة التّاريخيّة». تأليف: جوزيف ستالين. (2) راجع بعد ذلك، كتاب «مبادئ أوّليّة في الفلسفة». تأليف: جورج بوليتزر. استخدمته في هذا المقال. (3) ثمّ لقراءة تفصيليّة أكثر: راجع كتاب «مدخل إلى المادّيّة الجدليّة»، يقع في مُجلّدين. تأليف: موريس كورنفورث. ترجمة وتحقيق: محمّد مستجير مصطفى. (4) هناك أيضًا، كتاب «أصول الفلسفة الماركسيّة». تأليف: جورج بوليتزر. يقع في جُزأين. ترجمة: شعبان بركات.

أضف تعليقك هنا