التونسي يعيش على ضوء التغيرات الخارجية والدولية والعالمية، فهو لا يتحكّم في مصيرة، التونسي “متراكي”، والنظام في تونس معقّد جدا، إلى درجة أنك لا تعرف من أين ومتى تأتي المفاجأت، التونسي يعيش بحرارة الروح، وكما قال الأديب محمد رشاد الحمزاوي لا ندري أ إن الحياة علينا أو إلينا تحمينا أم تفنينا.
إلى متى ستتواصل هذه المأساة؟
إن التونسي الذي ينتظر التعليمات والأوامر والإملاءات التي تأتي من الخارج، لن يصمد كثيرا، لأن كل المؤشرات تدل على ضعفه، وأنّه لا يتحكم في قدره ومصيره بالقدر المطلوب، والسؤال المطروح إلى متى ستتواصل هذه المأساة؟ هل ستبقى أبدية إلى يوم الدين؟ الأكيد أنّ هناك حلول جذرية لم نتفطّن لها ، وسنتفطّن إليها في يوم ما ، يوم تفتح الأبواب، أبواب الجنة الموعودة.
وسواء ارتكب التونسي حماقات من الحجم الكبير أو من الحجم الصغير، أو لم يرتكب أخطاء، فالجميع يحس بوطأة العالم الخارجي بطريقة بشعة جدا. ما هذا ؟ ما الذي يقع؟ الرياضة تأثر فينا ، الفن يأثّر فينا، السياسة أيضا. هل هي ضريبة العيش في سلام ندفعها لجميع العالم الخارجي الذي يعيش في حروب؟ هل علينا أن نخوض حروب ساحقة ماحقة، لنفتك حقنا من الجميع. هل مصيرنا أن نعيش في حالة فوضى خلاقة. والتي لم نجن من ورائها سوى الشقاء والتمرّد على الطبيعة والانصياع للأخر المجهول بالنسبة إلينا.
تحديد مصيرنا بأنفسنا:
الحقيقة أنّه لم يعد في إمكاننا أن نحمي أنفسنا بالوجه الكافي، أي بطريقة إرادية تسمح لنا بتحديد مصيرنا بأنفسنا. لقد أصبح حجم الديون الخارجية كبير، واستهلاك المواد الأجنبية كبير، واستهلاك حماقات الآخرين كبير. هل هي طبيعة فينا ونقطة ضعف فينا أن نسمح لأنفسنا بالانصياع للعالم الخارجي، الذي يمتص دماء تونس يوما بعد يوما. ثم لماذا الجميع لا يقرأ لنا حساب؟ هل أصبحنا بدرجة من الضعف إلى حد أنه لا يرانا الآخرين ولا يلتفت إلينا ولا يقرأ لنا حساب.
ظاهرة الإرهاب:
لقد تضاعف حجم المأساة في السنوات الأخيرة بارتفاع ظاهرة الإرهاب والتمرّد على الآخر، هل هو ضعف الشخصية الوطنية؟ تجعلنا لا لون لنا ولا رائحة ولا طعم. ثم إن الخسارة يتحملها الجميع بدون استثناء الغني مثل الفقير. مع مزيد من الشك المرضي الذي يعاني منه أغلبنا، إنّه الشك الذي يؤدي إلى الموت البطئء والماحس والساحق.
هل علينا أن نفك شفرة هذا النظام المعقد ونخلق نظام جديد متميز يفرض الاحترام؟ إن التميز يتطلب تضحيات والشعب التونسي غير مستعد للقيام بتضحيات لا اقتصادية، ولا اجتماعية، لماذا كل هذا التردّد ، هل هو الخوف من المجهول؟ هل هو الخوف من انفسنا.
سعادة إيجابية ام سلبية؟
للأسف، حتى سعادتنا، أصبح مشكوك فيها، هل هي سعادة إيجابية ام سلبية؟ سعادة حينية أم عميقة؟ سعادة وقتية أو متواصلة ؟
الحقيقة التي يراها الأعمى، ويسمعها الأصم، علينا أن نغير في عاداتنا وتقاليدنا البالية، لأن التكنولوجيا التي تأتينا من الغرب، والترتيبات والخزعبلات التي تأتينا من الشرق ليست عادات وتقاليد، إنّما هي تحطيم للذات وليست تزكية لها. نعم علينا أن نقول لا للإملاءات الشرقية والغربية، لأنّه في الأخير تخلق نوع من التوتّر والأضطراب الكبيرين اللذين يؤدّيان إلى انسداد الأفق، وصعوبة في التفكير والتنفس، ثمّ ألا ترى هذا العدد المهول والجيش العرمرم الذي يسافر إلى جميع أصقاع العالم ويبقى بدون عنوان يخبط خبط عشواء. في بحر الدياجير المظلمة، معتقد أنه ييحث عن لقمة العيش، تبّا للقمة العيش هذه، إنّها صقيع بارد يضرب في البدن ورقص مع الرياح ما بعده رقص.
إن البلد الذي يرى أبناءه يسافرون بلا هوادة إلى جميع بقاع العالم، ينشأ منهارا كئيبا مدنكسا، مهزوما، متضعضعا، توّاق للانهيار والخيبات والانكسارات، يا لا خيبة المسعى، بقينا في التجارة العالمية والسوق العالمية كلب سوق، يبصبص بذيله هنا وهناك يبحث عن عظم يأكله. لتزداد تعاسته وشقائه. إنّه شقاء الروح، لقد قال لكم أبو القاسم الشابي: والشقي الشقي من كان مثلي في حساسيتي ورقة نفسي.
لقد أصبحنا مقطوفون بدون أن يرانا أحد، نجر أذيال الخيبة وقلة المعروف والشقاء الأبدي، والإبادة المعنوية، لقد خلقناه بأنفسنا، لقد صنعناه بأنفسنا، أخطاء مع أخطاء تتحول إلى بحر من الخطايا، نتحمل الجميع نتائجها الوخيمة لأننا والحق يقال ساهمنا فيها الجميع.
فيديو متراكاج