بروما للبورميين فقط

أثارت الاحداث الأخيرة من القتل والابادة الجماعية والتعذيب للأقليات المسلمة في بورما حفيظة الكثير من الناس بمختلف انتماءاتهم وايدولوجياتهم كل حسب رؤيته, كما أدانت منظمات حقوق الانسان تلك الانتهاكات وعمليات القتل والمجازر هناك واتهمت المجتمع الدولي بالتخاذل وغض الطرف عما يحدث.

 الناحية الدينية

البعض تناول الموضوع من الناحية الدينية البحتة وادخله حيزالحرب علي الاسلام وتلك نظرة ضيقة الأفق ولا تؤدي الي شيء سوي مزيد من التعصب الديني وانتشار أفكار مثل الجهاد ونصرة الاسلام وخلافه.
والبعض أدرك الأحداث من الناحية الانسانية وأدان وأنكر ما يحدث بغض النظر عن فكر ومعتقد تلك الأقليات.
والبعض ذهب الى تحليل الموقف ونظر نظرة فاحصة للتوصل الى جذور تلك المشكلة ومحاولة لفهم الاسباب التي أدت الي تفاقم تلك الأزمة. هل الأمر يتعلق بالعرق والتاريخ؟ هل يتعلق بالعقيدة والدين؟ هل؟ هل؟ هل؟ جميعها أسئلة تبحث عن اجابات مقنعة.

مسلمو بورما

بداية; مسلمو بورما معظمهم من الروهينجا من مسلمي الهند وبنغلادش والصين ومن مسلمي الفرس والعرب ويقطنون الآن في ولاية أراكان في ميانمار “بورما” وتعتبر أكثر الأقليات المضطهدة على مستوي العالم.

ذكر كاتب اسمه “موشى يجار” في كتابه “The Muslims of Burma” أن أول حادثة اضطهاد على أساس ديني حدثت للمسلمين في بورما كانت في عهد باينتوانغ في القرن السادس عشر حيث تم منع الذبح الحلال للدواجن والماشية, وتم اجبار بعض الاقليات الى الاستماع الى الخطب البوذية لاعتناق البوذية بالقوة وتم منع عيد الأضحى وذبح الأضاحي من الماشية. سأتوقف عند تلك النقطة قليلا لأنها تعتبر أحد المحاور الرئيسية في الموضوع حيث تكرر نفس الموقف من منع ذبح الأضاحي في عهود لاحقة, حتى ما حدث في الايام الماضية من انتهاكات ايضا كانت في عيد الأضحى.
يأخذنا هذا لتساؤل; هل هناك في تعاليم بوذا ما يدعو الى ذلك؟ هل فسر بعض أتباعه ومريديه تعاليمه ووصاياه تفسيرا خاطئا في قوله ” لا تقتل حي” ؟ حيث يصفون المسلمين ب “قاتلي البقر” , أم اتخذوا منها ذريعة للاضطهاد؟… الله أعلم, فكل الاحتمالات واردة.

وطبقا لموريس كوليس أنه يرجع جانب كبير من الاضطهاد الي فترة فتوحات المغول, حيث تم اجبار الكثير من البوذيين والهندوس الي الدخول في الاسلام, وفي تلك الفترة ضعفت البوذية واختفى كثير من تأثيرها بسبب ظهور الاسلام في الهند وانتقل البوذيون الى منغوليا وبورما وسيام ولاوس.

وفي الفترة التي كانت الهند وبورما مستعمرات تحت الحكم البريطاني, جلبت بريطانيا الكثير من المسلمين الهنود الى بورما للمساهمة في أعمال التجارة والأنشطة المختلفة وتوغلوا في الحياة الاقتصادية والسياسية هناك.

زاد الاضطهاد

ومع تزايد أعداد المسلمين في بورما زاد الاضطهاد ايضا بسبب انخفاض مستوى المعيشة والمنافسة على الوظائف حيث احتكر الهنود الكثير من الوظائف الحكومية ومع حدوث الكساد الكبير في 1929 زادت حدة التوتر وأصبح لا بديل عن اجبار تلك الاقليات على ترك بورما باعتبارهم دخلاء على الوطن وأن “بورما للبورميين فقط”.
وحدثت اعمال عنف أكثر من مرة تحت الحكم الحكم البريطاني راح ضحيتها الكثير من الهنود ومن ضمنهم المسلمين وعمليات ذبح ونهب للمتاجر وحرق للمساجد كان للادارة البريطانية والصحافة البوذية والمصالح السياسية دور كبير فيها بشكل أو بآخر.

انفصلت بورما عن حكومة الهند البريطانية عام 1937 وبدأت في تكوين ميليشيا مسلحة لطرد قوات الاحتلال البريطاني ونيل الاستقلال, وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وارهاق واستنزاف قوة بريطانيا نالت بورما الاستقلال عام 1948.
ازداد الوضع سوءا بالنسبة لمسلمي بورما علي مدار السنوات التابعة للاستقلال ومع توالي أنظمة الحكم البوذية.
أيضا أعمال التخريب التي قامت بها حركة طالبان في باميان سنة 1999 من تدمير لتماثيل بوذا والتي تعد أحد الرموز المقدسة بالنسبة للبوذيين, ألقت بظلالها على المسلمين في بورما واتخذت ذريعة للنيل منهم مرارا وتكرارا كلما أتيحت الفرصة, حتى محاولات آلاف الأقليات للفرار من ذلك الجحيم قوبلت بكثير من الصعوبات.
كل هذا… والعالم الكبير لا يتسع لانسان يريد أن يعيش, والزمن لا يتوقف لأي قطرة دم.

فيديو بروما للبورميين فقط

أضف تعليقك هنا

مصطفى ربيع

مصطفى ربيع

مصر - القاهرة