من دقات الساعة وحتى قيادة المرأة السيارة

صراع الانغلاق والذوبان

ليس صراعاً جديداً بل يمكن وصفه بالقديم الجديد ! إنه صراع الانغلاق والذوبان ؛ صراع التشدد والحرية المطلقة ! لأن التطرف بطبعه دائما يميل إلى التفريط أو الإفراط ولا يجمعهما سوى استعداء الاعتدال و محاربة التوسط والاتزان و كل منهما ليس على قلب رجل واحد بل تعصف داخل كل معسكر منهما أهواء شتى و صراعات بينيَّة لا تنتهي وفي المملكة العربية السعودية كان لهما صولات وجولات وفي كل مواجهة يحشد كل طرف أنصاره وأتباعه لكن ومنذ تأسيس المملكة كتب لحكمة الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وأبنائه من بعده حتى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ الانتصار في النهاية بقدرتهم على قيادة سفينة الوطن منحازين إلى الفهم الصحيح للإسلام و تغليب العقل و احترام العلم بعيداً عن المغالاة والتطرف مستمسكين بالثوابت التي قامت عليها المملكة وفي كتابه ” لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم   “.

يقول الأمير شكيب أرسلان : ولله در الملك ابن سعود حيث يقول : ما أخشى على المسلمين إلا من المسلمين ، ما أخشى من الأجانب كما أخشى من المسلمين ! ويقول أرسلان في موضع آخر : إن الذين يفهمون الإسلام حق الفهم يرحبون بكل جديد لا يعارض العقيدة ولا تخشى منه مفسدة  ولا أظن شيئًا يفيد المجتمع الإسلامي يكون مخالفًا للدين المبني على إسعاد العباد

أفلا ترى علماء نجد أبعد المسلمين عن الإفرنج والتفرنُج ، وأنْآهم عن مراكز الاختراعات العصرية  كيف كان جوابهم عندما استفتاهم الملك عبد العزيز بن سعود – رحمه الله – في قضية اللاسلكي والتليفون والسيارة الكهربائية ؟ أجابوه أنها محدَثات نافعة مفيدة ، وأنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله – لا بالمنطوق ولا بالمفهوم – ما يمنعها .

السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة

اليوم في السعودية ترى الحشد من كل طرف على إثر الأمر السامي بالسماح للمرأة السعودية قيادة السيارة بدءًا من العاشر من شوال 1439هـ فالتشدد يستدعي الشعارات القديمة ويوظف الدين ويصور القرار باعتباره الطامة الكبرى للنيل من المرأة ولتجريدها من حيائها ودينها والعلمانية ترى أن القرار انتصار للتحرر من القيم البالية والتخلف والرجعية ؟!

مشاريع التحديث

وما أشبه اليوم بالأمس ! فكل مشاريع التحديث التي تبناها الملك عبد العزيز قوبلت بمعارضة شديدة من بعض فئات المجتمع لعدم استيعاب ماهيتها واعتبروا أن ذلك من وسائل الشيطان مثل الصناعات الحديثة كالسيارة والمذياع وحتى الساعة، في حين اقتنع علماء دين بجدوى هذه الصناعات وأفتوا بجواز استخدامها وبأنها مجرد صناعة .

لقد عرفت البرقية في الحجاز قبل نجد ووجدت إنكارا من قبل رئيس القضاة لاعتقاده بأن تشغيل البرق يستعان فيه بالشياطين لكنه وبعض علماء الدين اقتنعوا بأن ذلك الاعتقاد من الأوهام و أشار الرحالة الدنماركي باركلي رونكيير الذي زار الرياض عام 1912م  إلى ما قيل عن الملك بأنه أغضب المتزمتين من أتباعه باستخدام (الغرامافون ) في معسكره ؟!

المعركة بين المتشددين والليبراليين

واليوم نأتي لغبار المعركة المحتدمة بين المتشددين والليبراليين فكل منهما يحاول تأويل الأحداث بما يخدم أجندته الخاصة بالرهان على تصرفات فردية متوقعة مع كل جديد من البعض الذين سيحاولون اهتبال هذه الميزة وإساءة استخدام هذا الحق لكن في الحقيقة أن هذا القرار على أهميته جاء متأخراً وسرعان ما سيزول غبار هذه المعركة المفتعلة كسوابقها ولنا في التاريخ العبرة والأسوة وكما ذكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أن المملكة العربية السعودية ستظل – بمشيئة االله- حصنًا قويًا يتواصل فيها التطور والنماء مع حفاظها على ثوابتها النابعة من كتاب االله وسنة رسوله صلى االله عليه وسلـم، والحرص على تطبيق منهجهما في مختلف مناحي الحياة .

وما أحوجنا اليوم بعد أكثر من مائة عام على فتوى علماء نجد للملك عبد العزيز بن سعود – رحمه الله – :

إنها محدَثات نافعة مفيدة  وأنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله – لا بالمنطوق ولا بالمفهوم – ما يمنعها .

فيديو مقال من دقات الساعة وحتى قيادة المرأة السيارة 

 

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان