الإنسانية … قيمة ثابتة أم سلعة بالية

باتت الإنسانية حجرَ شطرنج يُحرك في أي اتجاه ارتأى لاعبو السياسة وضعه وتطويعه ضمن أجندةِ مآربهم وألاعيبهم وزجها في صراعاتهم التي لا ولن تتوقف ، فكانت شعارا زائفا يرفع عندما تخدش حياءً أحد أطراف الصراع القوية أو تلدغ بها أوكار الغدر الباغية، فالإنسانية في عالمنا البائس تحتفظ بمعايير وموازين تختلف باختلاف الهوى والتوجهات وتسير في ركب المصالح والمؤامرات وتستدعى في زمان ومكان قد صار رهينة بأيد ملطخة بالدماء وقلوب قد خلعت الرحمة منها عابثة بمصير أمم قد غيّبتها الفرقة والحروب والأزمات.

فالإنسانية تقتصر على شرائح بعينها

وتغدو في بعض الأحيان أحد وسائل القهر المتبعة في إركاع الشعوب والنيل من كرامتها ووجودها ، فلو أبحرنا في عالمنا ا

لعربي والإسلامي لوجدنا مفارقات عجيبة اقتضت المرحلة أن تأخذ فيها الإنسانية أشكال مختلفة وعناوين مبهمة ، ولنسلط عيننا في البداية عن مصر وما حدث ويحدث فيها من إزهاق للأرواح وانتهاك صارخ للأعراض وامتهان مشين للحرية الفكرية والعقائدية ومعتقلون فاقت أعدادهم حاجز الأربعين ألف معتقل ، فحدثت مجزرة رابعة التي أبكت الشجر والحجر وكشفت إجرام نظام انقلابي شنّ حملة إبادة ممنهجة ضد مناهضيه وعرّت مجتمع دولي اكتفى برؤية المذابح وإبداء قلق مزعوم مجبول بأحقاد دفينة وكره منقطع النظير للإسلام وأهله.

فالألسن التي خرست عن مذبحة القرن تطاولت على النظام التركي

إبان انقلاب 13 من يوليو وطفت على السطح صرخات التحذير والتهديد بالمساس برموز الانقلاب وجيّشت منظمات حقوق الإنسان العالم للوقوف بوجه النظام التركي “ووحشيته” في التعامل معهم وزجهم في السجون وتسويق رواية الضحية بحق المجرمين الذين أرادوا اغتيال إرادة الشعب التركي ودوسها تحت بساطير أهواءهم ومطامعهم بنزع حق ليسوا أصحابه ووطن ليسوا صنّاعه.

ولو تعمّقنا أكثر وأكثر في أزمة الإنسانية الخانقة ، لصرخت الإنسانية من غيّها ونادت بالفم الملآن أنقذوني … فالمعاني تاهت … والآلام زادت … والصرخات تتالت … والنكبات توالت … والأزمات تفاقمت … والآهات تعالت … والعثرات تتابعت … والأمور من سيء إلى أسوء.

وفي درب استعراضنا لعِلل الإنسانية الحُبلى بالمصائب والويلات

، إنه جرحنا النازف في ميانمار والإبادة العرقية لأقلية الروهينغا المسلمة التي أضحت مشردة مشتتة مذبّحة تائهة بين ظلم الحاقدين وقهرهم وبين خنوع وسكوت العالم بأسره تجاه ما يتعرضون إليه من قتل وتهجير قسري ومحاربة في وطنهم ودينهم وبقاءهم ، فتغاضى الغرب عن المذابح وتناسى المسلمون المجازر وهدأت نبرة التشدق بحقوق الإنسان إلى أقل مستوياته وغدت الإنسانية حبرا باهتا على ورق بالٍ أرهقه طوفان قلم جاف صب جامّ جبروته وقوته ملحقاً دمارا محدقا وألماً مستشرياً مستعصياً.

وإن نامت العين أو غفُلت فغزة وحصارها تشكلان بوتقة الكفر بشتى صنوف وأنواع مبادئ حقوق الإنسان المتبعة في العالم ، تجويع وتشريد وموت بطيء جراء نقص الأدوية والعلاج ومنع من السفر للحالات الميؤوس منها وللطلبة من استكمال حقهم بالتعليم خارج سجن أوصدت أبوابه بظلم محتل غابر وبقسوة قريب خانع.

ومع آخر المحطات المرتبطة بالإنسان وجوداً ومضموناً ،

إنها الشام العزيزة على قلوبنا جميعا ، الأطفال شُردت وقتّلت والنساء رُمّلت والرجال سُجنت والإنسانية تُلملم بقايا أشلاء لها تترنح حينا من جور حكام قد فقدوا بوصلة السياسة ومن كيد احتلال متعدد الأطراف لم يراعي أي حق لا لإنس ولا شجر ولا حتى لأرض قاحلة قد غيّر معالمها شتّى أنواع القصف والتخريب ، فمآل الشام كأخريات قد عبثت بها أيد خفية وصارت حملا ثقيلا تعثّرت بأنفس مريضة شابها تواطؤ دولي ورضوخ أعمى أخفى أي مَعلم من معالم الشفقة والرحمة.

الأسئلة كثيرة والتساؤلات عديدة والحيرة تكتنف كل إجابة ترتطم بتعريف الإنسانية لدينا ،فكيف يرتفع شأن الإنسان وتُصان كرامته في ظل حروب ونزاعات قد صفّت أجمل ما في قلوبنا وغدونا نستعطف عالماً بأسره ليُوجد لنا وطناً بلا أرض وبيت بلا سقف وحياة بلا أمل ، فالإنسان مكرّم ومنزه وحياته أغلى ما في هذا الكون ، ووجوده ليس منحة من أحد ولا استجداء من ظالم ، وبقاؤه كيَرقة تقوقعت في غلاف سميك صانها من غدر زمانٍ قد أوهبَ للباطل جذوةَ حقدٍ لا ينضب وسلب من الحق أكاليل أمل لن تتوقف.

فيديو الإنسانية … قيمة ثابتة أم سلعة بالية

 

 

 

أضف تعليقك هنا

محمد فخري شلالدة

مهندس حاسوب ومشروع اعلامي جيد, وأعشق الكتابة الصحفية.