سيرة ذاتية من نسج الخيال “الحاجز بيننا”

بقلم: احمد عباسي

 

مرحباً. أسمي احمد واعتقد انكم تعرفون من اكون، اولئك اللذين لا يعرفوني فانا الأخ.

لقد قررت ان اتحدث قليلا عن حياتي. فلقد عشت حياة صعبة واعتقد ان على الجميع الاستماع لي لان لدي الكثير لقوله. عندما كنت صغيرا فقدت والدي واصدقائي وكل شيء امتلكته عدا شخص.. شخص لطالما احببته، اخي. عندما فقدت والدي كان اخي يبلغ من العمر سنة واحدة. اعتنيت به إلا ان اصبح في الرابعة من عمره، عندها ذهب وحيدا الى المدينة وضاع هناك حتى انه تم اختطافه. خذوا الامر ببساطة فأنا لم اخسر اخي فقط.

عندما اصبحت راشداً وقعت في حب فتاة، كان اسمها ياسمين واحببتها كثيرا. عشنا حياة جيدة ولكنه لم يخطر في بالي ابداً ان هذه الحياة ستكون سبب خسارتي لها. عشنا لحظات رومانسية معاً، ذهبنا في نزهات رومانسية عديدة وضحكنا كثيراً. لقد كنا مجنونين في بعضنا البعض حتى اننا وعدنا ان لا نترك بعضنا البعض ولكن للاسف هذا ما حدث.. لقد اجبرت على تركها.. لم يكن هذا خياري ابدا، لقد اجبرت.

لقد احببتها من كل قلبي وكنت مستعداً ان اضحي بحياتي لانقذها من اي مكروه قد يحصل لها. لقد غنيت لها كل ليلة ولعبت بشعرها.. ثم كنت امسكها واعانقها في السرير لتستطيع ان تشعر بالامان.. اما عني فقد كنت افعل هذا لاشعر ببعض من الحب لان هذه كانت طريقتي لإظهار الحب. جلست احيانا لاعزف على البيانو عندها كانت تأتي وتضع رأسها على صدري لتشعر بالحب عن طريق الموسيقى بينما كنت اعزف. في الايام اللتي كانت مريضة فيها حضرت لها طعاماً لذيذاً فكانت دائما تبتسم لانني اهتم بها، كنت لا انام الى ان تنام هي. لقد كنت اهتم بها كما تهتم الام باولادها ولكن…

عندما كنا لا نزال سوياً بدأت بالحصول على مكالمات غريبة لا معنى لها كل مساء. لقد كان المتصل صامتاً طيلة الوقت.. عرفت هذا لانني كنت اسمع صوت انفاسه في الهاتف. لم استطع البحث عن مالك الرقم لان كل الاتصالت كانت تأتيني برقم مخفي. في مرة من المرات اتصل الشخص مجددا وقال لي بعضاً من الكلمات اللتي جعلت عاجزاً عن الكلام حتى انني نظرت بطريقة مخيفة الى ياسمين واغمي علي. عندما استعدت وعيي في المستشفى نهضت وركضت الى ياسمين وقلت لها “اخي.. اخ اخي عمر على قيد الحياة انه على قيد الحياة، هو هو الذي قال لي هذا وقال لي انه وجدني”. صدمت ياسمين بالذي قلته لها وقالت لي ان اهدأ قليلا رغم الدموع اللتي ملأت عيني.

بعد مرور عدة ايام حصلت على مكالمة اخرى من نفس الرقم في العمل. اجبت على المكالمة بسرعة وقلت “ارجوك ان كنت عمر تعال الى اخيك.. انني ارجوك يا اخي” بعدها رميت الهاتف على الحائط وكسرته وجلست عاجزاً. عندما عدت الى البيت من العمل اكلت بدون شهية وقررت ان انام. في صباح اليوم التالي طرق احدهم باب بيتنا.. نهضت لفتح الباب لارى رجلاً يرتدي ملابساً انيقة، لقد شعرت للحظة انه اغنى شخص بالعالم لانني رأيت سيارته الفخمة.

نظر الي وسألني ان كنت انا احمد فأجبته “نعم انا احمد، هل يمكنني ان اساعدك؟”. نظر الي وابتسم وقال “انا عمر. اخيك”. عندها حدقت به، بدأت يداي ترجف حتى انني شللت لعدة دقائق ووقعت ارضاً واستمريت بالتحديق.. سارع اخي بمساعدتي على النهوض لكن لم يجدي هذا نفعا فقد كنت عاجزاً تماماً عن النهوض.

بعد مرور اسبوع:

اجبرت اخي ان يعيش معنا. لم استطع ابداً ان اتركه وحيداً. كان دائماً يضحك ويقول “لن يتم اختطافي مجدداً اعدك اخي العزيز”.. عندها كنت اقبله على جبينه واعانقه. كان لدى اخي عملاً جيداً جداً مع معاش عالي فقد كان يدعمني اقتصادياً عندما كنت احتاج المال.. لقد كنت مستعداً دائماً لاضحي بحياتي من اجل عمر وياسمين. لقد حدثني انه بكي دائماً بعد كل مكالمة صامتة لانه لم يكن قوياً بما فيه الكفاية للاعتراف بأنه اخي.. لقد قال لي ايضاً انه تم اختطافه من قبل عصابة مافيا وانه قد اجبر ان يعمل معهم رغم عدم ارادته إلا ان قتل زعيم العصابة للدفاع عن نفسه والهرب. لم اهتم بما فعله اخي لانه كان مجبوراً على قتل هذا الزعيم وإلا لجائني مقتولاً ولم ارغب في ذلك ابداً، لقد كان اخي كل شيء بالنسبة لي.. انزعجت ياسمين من قضية عصابة المافيا حتى انني تشاجرت معها ولكننا حللنا المشكلة بهدوء بعد ذلك.

بعد مرور عدة اشهر بدأت الاحظ ان اخي اصبح غريباً بعض الشيء. بدأ اخي بالحصول على مكالمات كثيرة بوقت قصير وكنت ارى ان تعابير وجهه قد تغيرت..لم يكن سعيداً كما كان ولكنه تظاهر بالسعادة. كانت باستطاعتي ان ارى انه كان خائفاً قليلاً من شيء ما ولكنني لم اعرف ما هو ذلك الشيء. في يوم من الايام قال لي “اعذرني يا اخي ولكن علي ان اعود للعيش في بيتي، لدي بعضاً من الاعمال المهمة” بعدها عانقني وركب سيارته للذهاب الى بيته. قررت ان اتعقبه، عندما وصل الى بيته وخرج من السيارة لاحظت انه بدأ بالحديث على الهاتف بطريقة غريبة وكأنه كان غاضباً.. اختبأت خلف شجرة كي لا يراني وقررت العودة للبيت ولكنني اكتشفت ان ياسمين لم تكن هناك. اتصلت بها ولكن كان هاتفا في البيت.. لم تعتاد ياسمين ابداً على ترك هاتفها في البيت فقلقت واتصلت باخي. قلت له انني تعقبته وعندما عدت للبيت لم اجد ياسمين فقال لي انه سيأتي مباشرة ليأخذني معه لنبحث عنها. عندما اردت الركوب بالسيارة اتى شخصاً من خلفي وضربني على رأسي فاغمي علي.. استيقظت فوجدت نفسي ملقياً على الارض على هاوية.. على زاوية الهاوية رأيت ياسمين وعمر وهم جالسين على ركبهم وورائهم رجال.. لقد كانوا الرجال يوجهون اسلحتهم على ياسمين وعمر. ياسمين كانت تصرخ وتطلب المساعدة وعمر كان صامتاً بدا وكأنه قد ضرب بشدة من قبل الرجال. صرختُ على الرجال وقلت لهم ان يتركوا ياسمين وعمر وسألتهم ما الذي يريدونه منا. قالوا لي ان اخي قد قتل زعيمهم وانهم جائوا لاخذ ثمن هذا. بدأتُ بالصراخ مجدداً بطريقة عاجزة وقلت “لا! لا احد منهم سيموت لن تستطيعوا ان تقتلوا احداً منهم” قالوا لي انهم لن يقتلوا احداً.. لم افهم معنى ذلك إلا ان اتى رجلاً الي واعطاني سلاحاً لقتل واحداً منهم. لقد رفضت فوجه سلاحه على رأسي وهددني انه سيقتلني ان لم اقتل احداً منهم.

3، 2، 1:

اغمضت عيوني وبدأت بتوجيه السلاح على احد منهم. لم استطع ان احدد من سأقتل منهم إلا ان تذكرت ان ثمن روح زعيم العصابة سيتم دفعها.

فجأة توقفت بالتوجيه وقررت من هو الشخص الذي سأقتله. لقد بدأت بالعد من الثلاثة الى الواحد.. دموعي بدأت بالسيلان. اخذت نفساً عميقاً وصرخت “انا آسف” وضغطت الزناد، اطلقت النار. فتحت عيوني، اخذت اخر نظرة لياسمين وعمر وابتسمت. عندها رقدت بسلام مع ابتسامة على وجهي.                                                                           

بعد مرور سنتين من الحادثة:

الان بعد ان انتهيت من قراءة سيرة اخي الذاتية وبعد ان امتلأت عيوني بالدموع احب ان اقول لكم:

“اتمنى انكم فهمتم معنى هذه السيرة الذاتية القصيرة، وجدت هذه السيرة في مكتب اخي كان قد كتب عن مدى حبه لياسمين ولكن انا وياسمين قررنا ان نكمل هذه السيرة وان نكتب كيف اخي تركنا ورحل لتفهموا كيف قرر ان يضحي بحياته لينقذني وينقذ ياسمين بدلاً من ان يقتل احد منا. لقد دفع روحه مقابل روحنا”

لقد وقعت في حب ياسمين لانها تحمل جزءاً من اخي في قلبها وياسمين وقعت في حبي لنفس السبب، لانني احمل جزءاً من اخي في قلبي.

احمد هو حاجز الحب الذي بيننا الان.

“شكراً لقبول دعوتنا لحضور حفل زفافنا انا وياسمين”.

 


بقلم: احمد عباسي

أضف تعليقك هنا