هل تفسد السوشيال ميديا علاقاتك المهنية؟ 4 وسائل لإدارة حسابك الشخصي على المنصات الاجتماعية

أهمية شبكات التواصل الاجتماعي

لا يستطيع أحد أن ينكر أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في كافة المجالات في حياتنا اليومية، فقد استطاعت بناء جسور من التواصل بين الأفراد، وأعطتهم حرية التعبير عن الرأي بلا قيود، فضلاً عن دورها في إدارة الأعمال والتسويق لمختلف النشاطات التجارية وغيرها. ولكن أمام الدور المهم الذي تقوم به في مجال العمل تحديداً، تتكشف الكثير من الجوانب السلبية بشأن دورها في إفساد العلاقات المهنية وإثارة الكثير من المشكلات للموظفين، سواء في علاقاتهم ببعضهم البعض، أو في علاقاتهم برؤسائهم في العمل.

الدور السلبي للسوشيال ميديا

ولكن كيف يمكن للسوشيال ميديا أن تقوم بهذا الدور السلبي في إفساد العلاقات الوظيفية، وهي التي فتحت أبواباً عديدة أمام توثيق الصلات بين الموظفين بعضهم البعض، وأصبحت بوابة أخرى لتشبيك العلاقات بينهم بعد انتهاء وقت العمل؟ وما الأساليب التي على الفرد أن يتبعها لإدارة حسابه على السوشيال ميديا لكي يتعامل بدقة مع هذه المخاطر؟ الإجابة تجدها في السطور التالية.

الحرية

قد لا يتخيل الفرد أن مجرد نشره “بوست” أو “تغريدة” على حسابه على إحدى منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن تشكل تهديداً لحياته المهنية، فبعض الأفراد، ومع دخول مواقع التواصل الاجتماعي حياتنا فجأة ودون استئذان، انجرفوا وهم سعداء إلى التعبير عما يجول بخاطرهم من أفكار وتصورات فكرية ووجهات نظر عن كثير من جوانب حياتهم سواء الشخصية أو المهنية. وبكلمات قليلة اتبع هؤلاء الأشخاص أسلوب الحرية في تعاملهم مع شبكات التواصل.

صحيح أن هذا الأمر يعد إيجابياً من جوانب عدة أهمها دوره في تشكيل سياج اجتماعي تفاعلي بين الأفراد وكذلك في العلاقات الاجتماعية مع الأسر والأصدقاء وزملاء العمل، خاصة مع وجود أدلة علمية تؤكد بأن العلاقات التي تتشكل عبر الواقع الافتراضي يمكن أن تؤثر إيجابياً في تعزيز التفاعلات والعلاقات بين الأفراد في الواقع المادي.

ومن هنا نشأ ما أسماه علماء الاجتماع “رأس المال الاجتماعي” Social Capital، الذي يعزز المثل والقيم والمعايير الاجتماعية وأنماط الحياة وطرائقها.

لكن علماء الاجتماع وجدوا أن العلاقات الاجتماعية يمكن أن تصنف إلى ثلاثة أنواع،

النوع الأول

هو النوع الترابطي والذي ينشأ نتيجة العلاقات والروابط القوية أو الوثيقة بين الأفراد المتجانسين مثل علاقات الأسرة، الأصدقاء المقربين، المعارف، حيث هناك قواسم مشتركة بين الأفراد، وهي علاقات تقوم على أساس التوافق في الخلفيات والتفكير والثقافات، وهذه العلاقات تكون ذات سمات مشتركة مثل الهوية والانتماء العرقي والديني والمعتقدات.

النوع الثاني

فهو النوع التواصلي وينشأ من العلاقات الضعيفة بين الأفراد المختلفين في الخلفيات والثقافات وهي علاقات فضفاضة.

النوع الثالث

مؤسسي ويتمثل في الروابط والعلاقات التراتبية التي تربط بين الأفراد والوحدات الذين هم في مستويات سلطوية مختلفة مثل العلاقة بين النخبة السياسية وعامة الشعب، والعلاقة داخل الحكومة، والعلاقة بين رؤساء الشركات والموظفين، والعلاقة بين رؤساء الأحزاب والأعضاء.

ولا يمكن وضع مختلف العلاقات الاجتماعية الثلاثة سواء الواقعية أو الافتراضية في سلة واحدة، والمثير للانتباه أن الأفراد المتبعين لأسلوب الحرية في وجودهم على السوشيال ميديا لم يراعي غالبيتهم هذه الأشكال الثلاثة للعلاقات الاجتماعية، وانطلقوا في التعبير عن آرائهم بحرية، والاستفادة من الإمكانات التفاعلية والمزايا المعرفية للشبكات الاجتماعية، لكنهم فوجئوا بمشكلات مع زملائهم ورؤسائهم نتيجة آرائهم التي ينشرونها على حساباتهم المختلفة، والتي وصلت إلى حد الفصل من العمل.

الرقابة الذاتية

إن بعض الأفراد وهم بصدد نشر آرائهم على حساباتهم الشخصية يضعون في حسبانهم العديد من المعايير أشبه بما نسميه في مجال الإعلام “السياسة التحريرية”، وهم بذلك يفرضون رقابة ذاتية على أنفسهم تجنباً لإثارة المشكلات في محيط العمل والأسرة. هؤلاء الأفراد يتبعون أساليب أقل انفتاحاً في وجودهم على السوشيال ميديا، لأنهم أدركوا تشبع العلاقات الاجتماعية وتنوعها، ولهذا فإنهم يقومون بعمل توازن بين حريتهم في التعبير عن الرأي وبين عدم إثارة مشكلات في محيط العمل، ويتوقف ذلك على قدرتهم ومهارتهم في تحقيق هذا التوازن.

الهروب

عدد آخر من الأفراد يتبعون سياسة الهروب، والتي تمكنهم من جهة من التعبير عن آرائهم بحرية ومن جهة أخرى عدم إثارة المشاكل الاجتماعية والمهنية. وهم يفعلون ذلك من خلال وسائل عدة، أولها انشاء حساب على إحدى المنصات الاجتماعية مثل فيس بوك ليكون حسابهم الشخصي المعبر عن توجهاتهم الشخصية بلا قيود، وحساب آخر على تويتر على سبيل المثال ليضموا فيه زملاءهم في العمل. لكن هذا لم يمنع من الوقوع في مشكلات عدة، فماذا عساهم أن يفعلوا إذا أرسل زميل لهم في العمل طلب صداقة على فيسبوك؟ إذا قبلوه فإنهم سيقيدون أنفسهم بقيود عديدة في نشر آرائهم أو أنهم قد يتعرضون لمشكلات الوشاية لدى رؤسائهم في حالة نشر آراء معينة، وإذا رفضوه سيظهرون بمظهر الشخص غير المهني المبتعد عن زملاءه.

وقد يلجأ بعض الأشخاص إلى تصنيف العلاقات الاجتماعية المختلفة، وفصل كل علاقة عن بعضها، فمثلاً توفر منصة فيس بوك إنشاء أكثر من قائمة للأصدقاء، مثل المعارف، والأصدقاء المقربون، والعائلة، والزملاء، وقبل أن ينشر الشخص أي “بوست” يختار القائمة التي يمكنها مشاهدته، وبذلك يتجنب إثارة مشكلات له في العمل أو الأسرة أو المحيط الاجتماعي.

لكن هذا الأمر يبدو غير كافياً، فقد يخطأ الفرد ويقوم بنشر منشور لقائمة غير التي كان يقصدها، وقد يُكتشف الأمر في حالة قيام أحد أصدقاءه بإعادة نشر تغريدته أو منشوره على حسابه، أو أن يقوم آخر بأخذ “لقطة شاشة” للمنشور وإعادة نشرها عبر صفحات عدة.
غرفة الصدى

أسلوب آخر يتبعه بعض الأشخاص على السوشيال ميديا، بأن يراعي في محتوى حساباته الشخصية أن يأتي متوافقاً مع جميع الأصدقاء وخالياً من أي نقد أو آراء قد يُختلف عليها بين الأشخاص، لكنه يجد بعد فترة أن حسابه الشخصي يبدو باهتاً وخالياً من أي أثر لشخصيته الحقيقية وتصوراته الفكرية التي يؤمن بها.

فهو بذلك يكون قد وضع نفسه فيما أسماه علماء الاجتماع “غرفة الصدى” echo champer بأن يبتعد عن السجالات الفكرية مع المختلفين معه وأن يظل يردد أفكاره الخاصة بينه وبين نفسه والابتعاد عن الاختلاف الفكري في مشهد انعزالي لا يحقق الهدف من الشبكات الاجتماعية. لكنه يكون قد وفر لنفسه الأمان من الوقوع في المشكلات المهنية.

اسأل نفسك

وفي نهاية هذا المقال، لا أستطيع أن أقدم لك حلاً سحرياً لهذه الإشكالية، كما لا يمكنني أن أرشح لك أسلوب معين على غيره لتتبعه على السوشيال ميديا، فهذا يعتمد على شخصيتك أولاً ومحيطك الاجتماعي والمهني، وشبكة مصالحك وعلاقاتك، وطريقة إدارتك لحياتك بشكل عام، ولكن كل ما أود أن أقوله لك هو أن تفكر ملياً قبل أن تختار أسلوب معين من بينهم وأن تقوم بحساب المخاطر والمكاسب بشكل دقيق، كما عليك وأنت تنشر “بوست” أو “تغريدة” معينة أن تفكر قليلاً وتسأل نفسك عدة أسئلة أهمها:

ماذا سوف أستفيد من هذا الأمر؟، ما الأضرار التي سوف تعود علي من جراء هذا النشر؟، حينها سوف تتلمس خطواتك جيداً وتدرك ماذا تفعل.

فيديو مقال هل تفسد السوشيال ميديا علاقاتك المهنية؟

أضف تعليقك هنا