“أنا في مأمن من نفسي”

في البداية كنت أصدق أي حديث من أي شخص … كنت أصدق كلام مسموع بأدله حسية مقطوع بها أو غير مقطوع… كنت أصدقهم تعلقا بالوصل أو بمعنى أكثر دقة بحثا عن الوصل

وصرت أسمع وأصدق..

أسمع وأصدق ….

إلى أن تزاحمت بداخلي الكثير والكثير من الأفكار حتى وقفت وقفة اختيارية مع نفسي أقول لها : كيف طال بك البحث هكذا بدون أي جدوى!

وشعرت أن ما أبحث عنه لم أجده بعد وكأني أسير في طريق خيوطه منسوجة بحرافية شديدة  حيث أقف على حافة كل خيط لحظات من الوقت ثم انتقل الى حافة خيط آخر وهكذا.. فنحن دائما نبحث عن العيوب حولنا ثم نجدها في النهاية بداخلنا …

حتى شككت في نفسي أني ضللت الطريق ولكني كنت على يقين ان هناك طريق للهدى…ولكن أين هو؟!  أو كيف أصل له!؟ فأنا لا أعلم

ولكن ما كنت أعلمه في الوقت ذاته هو ما الذي ابحث عنه وما الذي أريده بالعين

فما كنت أبحث عنه هو “الوجود”…  وأي وجود هذا وأنا على يقين أنه موجودا معي !!

و كانت علامات استفهامي تنهي سؤال

” هل أنا موجود معه” ؟!

كنت أسعى الى أن استشعر اني موجودا معه

فقط هذا كان كل ما أريده… !

كل جرس من أجراس الانذار المختلفة وكل اشارة واضحة أو مبهمة كانت ترشدني الى الطريق بدون أن تأخذ نفسي انتباهاً بالعلامات .. كان كل شيء يرشدني الى المحبة ولا أبالغ إذا قلت المحبة التي يصاحبها السلام…

ولم يكن أمامي الا أن رميت كل ما بداخلي من معارك .. حتى أبحث عنه… حتى أبحث عن الله وفتشت في نفسي حتى وجدته .. وجدته بداخلها … وجدته بداية كل شئ ونهايته… وجدته عندما كنت أحدثه في كل الأوقات وأنا أعلم يقينا أنه يعلم ما بداخلي

هل يراني ولا أراه؟!…

وأنا كل مرة أحاول محاولات مليئة بالجهد النفسي أن أراه بأي طريقة من الطرق الممكنة … أحاول أن أراه في سكوني وحديثي ومتاهتي وحيراتي …

نعم أراه !… اني أرى الله في نظرتي الى الأشياء وفي محبتي للأشخاص

في علني أراه وفي سري أشعر بأني لا أصل معه بالمحبة للمنتهى

قرأت وسمعت أحاديث كثيرة عن كيف تطهر قلبك .. وكنت أسعى إلى ذلك مرات عديدة بمحبة ولا أنكر أمام نفسي أن مرات اخرى كانت بعناء ولحظات مشقة مع النفس لا يمكن أن أنساها

ثم فكرت كيف أطهر قلبي؟!… حتى أخذني اجتهادي الذي لا يخلو بعضه من عبثا سببه قلة علمي وتقصيري :

“بأنه لكي تطهر قلبك فأنت تحتاج أن تسكن العالم ولا تجعل العالم يسكن بداخلك … العالم بتفاصيله المرهقة أحيانا الممتعة أحيانا أخرى” ..

لكي أطهره علي “أن أقتني ما أحب أن اقتنيه من هذا العالم وأترك البقية حتى وإن كانت هذة البقية جزء من حقي…

علي أن أزهد كل شئ لا صلة له بالمحبة التي أبحث عنها

ثم فعلتها وتركت كل شيء حبا وزهدا ولم اتركه إجبارا من نفسي على نفسي..وسكنت في مساكن قلبي وتفضل بجلاله يسكن بداخلها وكنت أنا في حضرته في كل نبضة أطير فرحا ثم تعقبها نبضة جديدة أطير فيها حبا وسلاما… وأيقنت وقتها أني أنست بوجوده كل الأنس … فلا شك أن من يختار المحبة سيبتهج في حضرة المحبوب..

وتركت حديث كل من هم خلفي من الذين كانو في قلوبهم مرض ينظرون الي نظرة المغشي عليه من الموت ..

وهم يقولون:كيف تترك عمرك زهدا وهم لا يعلمون أني هكذا قد امتلكت عمرا على عمري وامتلكت صدقا أحيا في قلبي كل نبضة من الأملي

يقولون :كيف أذهب وحدي ومن ثم اختار الوحدة كظلم لنفسي وهم لا يعلمون أنه هو في وحدتي أنسي

لم أكن لأجهد نفسي في ثرثرات كثيرة فهم لن يقتنعون لانهم لا يبحثون عن المحبة “فمن يبحث عن المحبة يجد قلبه متجردا من الدنيا بما فيها ومن فيها”

وسرت في الطريق حتى أخذتني كل مشقات الحياة وتصالحت معها وكان معي حجابا يحفظني … يحفظني من مشقات كثيرة….!

وواصلت دعواتي له

بأن يهديني ويغربل كل من حولي ويأذن لي بدوام الوصل… وأذن لي بالوصل حتى جعل مراده جل وعلى من مرادي .. وكنت في يوما قد قرأت أن

“من جعل مراده مرادك فهكذا قد أرادك”

“و وضعت روحي على شرفات البداية وأنا لا أنتظر لها نهاية” ..

وتعلمت أن المحب لا يبالي بنهاية مع المحبوب لانه عالقا تعلق أبدي داخل قلبه..

وأيقنت وقتها أني وفقت إلى كل ما كنت أبحث عنه .. فما كنت أبحث عنه كان سهل ممتنع المراد …ولكن المريد إذا أراد فلا مانع يقف ولا أمور دنيوية تحول بينه وبين من أراده

واستكلمت الباقي من حياتي أقصد كل حياتي وأنا أريده واخترت أن أكون معه وحده ..

حيث ركنا بعيدا أجد فيه أماناً يرضيني .. أماناً من الناس ….و أماناً من العالم …وقبل كل هذا أماناً من نفسي….

وأصبحت من وقتها “في مأمن من نفسي”

فيديو “أنا في مأمن من نفسي”

أضف تعليقك هنا