الغريب، رائحة الثعبان، والهاتف الخلوي

هدوء

كنت أجلس في غرفتي مسترخية على الأريكة، أقوم بإنهاء تنزيل وضبط البرامج والتطبيقات المختلفة على هاتفي الخلوي حيث قمت بمحو كل البيانات وعمل ضبط المصنع في اليوم السابق.

الغريب

فجأة سمعت صوت طرقات عنيفة على باب الشقة. تركت هاتفي الخلوي على الأريكة ثم ذهبت لفتح الباب، كانت أمي قد سبقتني لفتح الباب.

هممت بالرجوع إلى غرفتي ظنا مني أن الطارق ربما كان أحد الجيران أو محصل فواتير أو شخص على باب الله يريد صدقة. استوقفتني هيئة الطارق، لا يبدو أنه أحد محصلي الفواتير، من يكون؟ كان الغريب طويل القامة، نحيف الوجه، يرتدي جلبابا فضفاضا وعمامة ، يضع شالا على كتفيه. يعلق على إحدى كتفيه حقيبة سوداء عليها رسمة باللون الأصفر، ممسكا بسبحة محركا حباتها بعشوائية، كان يدخل يده في جيبه وكأنه كان يدس فيه شيئاً. نظرت أمي اليه متسائلة من يكون؟

رائحة الثعبان

عرف الغريب نفسه بصوت هادئ بأنه جاء من طرف أحد الشيوخ الصالحين وأن لديهم هبة من الله تمكنهم من الكشف عن وجود أي ثعابين في أي مكان ويمكنهم مساعدة الناس لله وإخراج تلك الثعابين. وقفت أمي مندهشة، استطرد الغريب بأنه جاء للتو من بيت جارتنا فتحية، وأنه استخرج من بيتها أكثر من ثعبان. كان منزل فتحية ملاصقا لمنزلنا من الخلف، آخر مبني في الشارع الذي يسبقنا، وكذا كان منزلنا هو آخر مبنى في شارعنا، بمجرد ترك منزل فتحية يمكن الدوران يمينا لشارعنا حيث منزلنا. فتح الغريب حقيبته مبديا ما بداخلها لأمي، كانت الحقيبة فارغة.

نظرت أمي بداخل الحقيبة ثم توجهت بنظرها للغريب بتساؤل عما يريد بالضبط. وضع الغريب حقيبته بجانب الباب داخل الشقة وبدت على وجهه شبح ابتسامة ثم أغمض عينيه وتمتم بذكر الله ثم وجه اصبع سبابته إلى أنفه قائلا “أشم رائحة ثعبان بمنزلكم”.

دهشة وارتياب

تركت أمي الغريب على الباب دون أن تنبث بكلمة واتجهت إلى حجرتها. عندما رأيت وجهها كانت تظهر عليها علامات الدهشة والاشمئزاز. قلت في نفسي أنه إن أخرج ثعابين فسيكون من جيبه لا من منزلنا، هو فقط يريد استعراض قدراته الوهمية ليساومنا على نقود.

رجعت أمي من حجرتها ومعها مبلغ من المال ناولته للغريب الذي رفضه في البداية- بحجة أن عملهم كله لله وسيأخذ الحلاوة بعد نجاح المهمة – ثم أخذه ودسه في جيبه تحت إصرار أمي.

اصرار الغريب على الدخول

أخذ الغريب يحرك سبحته وهو يكرر رغبته في البحث عن الثعبان وتحرك خطوة للأمام، لوحت له أمي بيدها علامة رفض الأمر. تحرك خطوة أخرى، بدأ وكأنه يتحدث الينا بصوت منخفض، لم أسمع من كلماته الا كلماته عن صحة أمي ، كيف عرف عن مرض أمي؟ ما علاقة مرض أمي بالثعبان؟ ازداد توتر أمي ووقفت أمامه متسمرة لا تقوى على الكلام.

وجدت أن علي أن أتدخل، توقفت وسط الطريق طالبة منه بحزم أن ينصرف. نظرت إلي أمي وهي مرعوبة تريدني ألا أتدخل. لا أدري هل كانت مصدقة لتمثيله الورع الديني وان لديه قدرات خارقة أم كانت خائفة من قصة الثعبان.

تسلل الغريب

تشتت بين عدم تصديقي قصة الثعبان، وتعجبي لكلام الغريب عن صحة أمي، وعدم رغبتي بدخوله وبين رد فعل أمي. استغل الغريب الفرصة وتسلل من جانبنا متجها بسرعة نحو الثلاجة التي كنت أقف أمامها، أخذ يصدر حركات بيديه أسفلها، قفزت مبتعدة عنه إلى الجهة المقابلة، لا أريد أن أرى ثعابينه.

الثعبان

فجأة قال بهدوء وهو يهز رأسه كالعارف بالأمور “ها هو الثعبان”. توسلت إليه أمي بصوت بذلت جهدا مضاعفا لإخراجه أن يأخذ ثعبانه ويتركنا وشأننا.

ظل الغريب واقفا متسمرا وهو ممسك بالثعبان. رجع بحركة آلية بظهره للخلف موجها الثعبان ناحية أمي التي تقف أمامه، كنت أقف خلفها. حاول الغريب بشيء من التردد و الحذر فتح باب حجرتي بأطراف أصابعه ولكنه لم ينجح، عدل من وضع الثعبان. لا أريد أن أقترب منه، صرخت فيه من مكاني محذرة إياه من الدخول وطالبة منه الانصراف فورا بثعبانه. نظرت إلى أمي بذعر طالبة مني عدم التدخل، أتعجب لأمرها، هل لديها حل لإنهاء ذلك الموقف أم ماذا؟!، عرفت منها فيما بعد أنها كانت خائفة أن يلحق الغريب بي أي ضرر. للمرة الثانية استغل الغريب الفرصة ودفع باب الحجرة بحركة آلية ودخل مسرعا. أتعجب لحركاته الآلية، يتصرف كإنسان آلي مبرمج بلا أي تعابير على وجهه. دخل حجرتي، أدركت أنه لا جدوى من توسلات أمي، صرخت فيه طالبة منه الخروج فوراً، جذبته أمي من طرف جلبابه، خرج من الحجرة بحركاته الآلية.

خروج الغريب

خرج الغريب ووقف أمام باب الشقة. نظر الغريب نحوي وعلى وجهه شبح ابتسامة، بشرني بأن صحة أمي ستتحسن وسيأتي لأخذ الحلاوة.

وضع طرف شاله على كفه ثم مد يده مصافحا أمي وانصرف.

اختفاء الهاتف الخلوي

وقفت أستعيد ما حدث في تلك الدقائق، تذكرت فجأة هاتفي، جريت الى حجرتي، لقد اختفى الهاتف.

البحث عن اللص

خرجت مسرعة إلى الشارع لأبحث عن اللص الذي سرق هاتفي. وقفت أتلفت بحثا عن اللص، لم أجد له أثرا. هرولت متجهة للشارع السابق لنا حيث منزل جارتنا فتحية.

وجدتها واقفة على باب بيتها مع ابنها وابنتها، ألقيت عليهم التحية، سألتني فتحية: هل مر عليكم الغريب الذي يخرج الثعابين؟ أجبت: نعم ! صرخت فتحية: أنه لص أخذ من منزلنا أغراضا واستخرجناها من جيبه، قلت: لقد سرق هاتفي! هل مر من هنا؟ قالوا: لا ! رجعت مهرولة إلى شارعنا. بحثنا عن اللص في جميع الاتجاهات ومخارج الشوارع بلا جدوى.

ذهبت لعمل محضر بواقعة الاقتحام والسرقة.

الأطفال

عندما رجع أطفال الجيران من الحضانة والمدرسة أخبرهم والديهم بأن هناك لص قد اقتحم بيتنا وسرق الهاتف المحمول. لم يكفوا منذ ذلك الوقت عن الحديث عن اللص وتكرار الخطط التي سينفذونها لصده اذا عاد مرة أخرى.

الجيران والمعارف

حرص الجيران على نشر الخبر على بعضهم البعض وأصبحت سيرة واقعة اقتحام بيتنا وسرقتنا على الألسنة، كان كل شخص يترك لخياله العنان في تشكيل الواقعة كما يشاء. عندما نتقابل مع أحد الجيران فإنه يبدي مشاعر المواساة على الهاتف المسروق مستنكرين واقعة الاقتحام وكيف أننا لم نستنجد بهم. وهناك من يقول لو كنت مكانكم لفعلت كذا وكذا.

تمر اليوم الذكرى الأسبوعية الثالثة لواقعة اللص والثعبان ولا أخبار عن الهاتف.

فيديو مقال الغريب، رائحة الثعبان، والهاتف الخلوي 

أضف تعليقك هنا

د. رباب المرجاوي

د. رباب ع.ع. المرجاوي