الواقع المحاكى

فصل الواقع المحاكى عن الواقع الحقيقي

ان الواقع المحاكى هو فرضية تقول بأنه يمكن محاكاة الواقع، على سبيل المثال عن طريق المحاكاة الحاسوبية لدرجة لا يمكن تمييزها عن الواقع الحقيقي. يمكن ان تتضمن هذه الفرضية عقولاً واعيةً تعلم او لا تعلم بأنها تعيش داخل محاكاة. وهذا يختلف تماماً عن مفهوم الواقع الافتراضي الممكن تحقيقه تكنولوجياً. يتم تمييز الواقع الافتراضي بسهولة من تجربة الواقع. لا يشكك المشاركون ابداً في طبيعة ما يواجهونه.

وعلى النقيض من ذلك سيكون من الصعب او المستحيل فصل الواقع المحاكى عن الواقع الحقيقي.

احتمالية ان يكون واقعنا هو محاكاة

طور الفيلسوف (نيك بوستروم) فرضية موسعة تدرس احتمالية ان يكون واقعنا هو محاكاة. وتقول فرضيته انه من المرجح جداً ان يكون احد العبارات التالية صحيحاً:

– من غير المرجح ان تصل الحضارة الانسانية إلى مستوى من النضج التكنولوجي القادر على إنتاج حقائق مقلدة او ان من المستحيل بناء هذه المحاكاة فعلياً.

– من المرجح الا تؤدي الحضارة المماثلة التي تصل إلى الوضع التكنولوجي أعلاه إلى انتاج عدد كبير من الحقائق المقلدة (التي قد تدفع الوجود المحتمل للكيانات الرقمية الى ما وراء العدد المحتمل للكيانات الحقيقية في الكون) لأي سبب كان، مثل تحويل قدرة المعالجة الحاسوبية الى مهامٍ اخرى والاعتبارات الاخلاقية لاحتجاز الكيانات في الواقع المحاكى وما إلى ذلك.

“حلم الفراشة”

يمكن عد الحلم نوعاً من المحاكاة قادرةً على خداع الشخص النائم. ونتيجة لذلك لا يمكن استبعاد فرضية الاحلام. ان اول الفلاسفة الذين شككوا في التمييز بين الواقع والاحلام هو الفيلسوف الصيني (زوانغزي) من القرن الرابع ق.م. وقد صاغ المشكلة على انها “حلم الفراشة”.

حلم زوانغزي ذات مرة انه فراشة، فراشة تحلق وترفرف هنا وهناك، سعيدةً مع نفسها وتقوم بما يحلو لها. لم يكن يعلم انه زوانغزي. استيقظ فجأة ووجد نفسه ثابتاً جلياً. لكنه لم يكن يعلم هل هو زوانغزي الذي كان يحلم انه فراشة ام الفراشة هي التي كانت تحلم انها زوانغزي. يجب ان يكون هناك بعض التمييز بين زوانغزي والفراشة! وهذا ما يسمى بتحول الاشياء.

كما ان الاسس الفلسفية لهذه الحجة اثيرت ايضاً من قبل (ديكارت)، إذ يذكر في كتابه تأملات في الفلسفة الاولى:

“لا توجد مؤشرات معينة تجعلنا نميز بوضوح بين اليقظة والنوم” ويذهب الى استنتاج مفاده “من الممكن ان احلم الآن وان جميع تصوراتي كاذبة”.

ويمكن عد كل من حجة الحلم وفرضية المحاكاة كفرضيات متشككة، ولكن بإثارة هذه الشكوك، فإن وجود الحجة نفسها دليل على إحتمالية حقيقتها، تماماً مثلما اشار ديكارت الى ان تفكيره جعله يقتنع بوجوده (انا افكر اذاً انا موجود).

إن وجود الواقع المحاكي غير قابل للبرهنة بأي معنى ملموس: اي دليل يمكن ملاحظته مباشرة يمكن ان يكون محاكاة اخرى بحد ذاتها. بعبارة اخرى، هناك مشكلة ارتداد لا نهائية مع الحجة. حتى لو كنا نحاكي الواقع، لا توجد وسيلة للتأكد من ان الكائنات التي تدير المحاكاة هي ليست محاكاة بنفسها، ومُشغلي تلك المحاكاة ليسو محاكاة.

آلة الخبرة

يناقش الفيلسوف (روبرت نوزيك) في كتابه (الفوضى والدولة واليوتوبيا) الذي يعود لسنة 1974 موضوع “آلة الخبرة” وهو جهاز افتراضي يمكن ان يدخل به الانسان ويجرب كل انواع الرغبات والمتع التي في باله، لكن بعد ان يدخله يفقد الصلة بالعالم الحقيقي ويُمنع من العودة اليه وينسى انه موجود في آلة الخبرة. لو أُتيحت لنا هذه الفرصة، فهل سندخل في مثل هذا الجهاز؟ إذا كان الجواب لا، فبحسب نوزيك يبدو ان هناك شيئاً خاطئاً مع مذهب المتعة (الهيدونيزم)، اي وجهة النظر التي تقول ان المتعة والسعادة هي الأهم من كل السلع الجوهرية والأهداف الصحيحة للحياة البشرية. وقد نوقشت فكرة تجربة نوزيك على نطاق واسع منذ ذلك الحين.

ان الواقع المحاكى كمفهوم غالباً ما يطلق العنان لمنتجي الخيال للقيام بأي شيء يحلو لهم. وقد اظهر فيلم (توتال ريكول) فكرة الذكريات المزروعة التي تمت محاكاتها وغالباً ما تُفسر نتيجة الفيلم بأنه غامض بشكل متعمد لما هو حقيقي وما تم محاكاته. فيلم (ماتريكس) هو بلا شك اكثر الافلام المستوحاة من مفهوم الواقع المحاكى. ويمكن القول ان الفيلم قد الهم ايضاً الاهتمام المتزايد بالفرضية مما جلب خلاف ذلك فكرة غامضة ومجردة في الوعي العام.

اطيب التحيات

فيديو المقال الواقع المحاكى

 

أضف تعليقك هنا

د. راقي نجم الدين

د. راقي نجم الدين - العراق

دكتوراة في تقنيات التصميم