تركيا الأتاتوركية..وتركيا الأردوغانية!!

(1) دولة أتاتورك!

خـــلـــف الـــنـــاصـــر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تركيا واحدة من ثلاث أمم إسلامية كبرى :

هي : [الأمة العربية/الأمة الإيرانية/الأمة التركية] وهذه الأمم الإسلامية الثلاث، هي الأمم الكبرى التي قامت على أكتافها صروح الحضارة العربية الإسلامية والتاريخ الإسلامي برمته!!

وإذا كانت الأمتين العربية والإيرانية من الأمم العريقة التي بدأت بالظهور منذ فجر التاريخ في هذه المنطقة من العالم، وكانت لهما إسهامات كبيرة في نشوء أولى الحضارات الإنسانية، ولعبتا أدواراً حاسمة في قيام وتطور الحضارة العربية الإسلامية بصورة خاصة، والحضارة الإنسانية بصورة عامه، فإن تركيا على العكس منهما لم تكن أمة عريقة في هذه المنطقة، وليس لها أية اسهامات إيجابية في الحضارة العربية الإسلامية، إنما هي أمة قد لعبت دوراً عسكرياً كبيراً ومشهوداً في التاريخ الإسلامي، جعلها تقف جنباً إلى جنب مع هاتين الأمتين الإسلاميتين الكبيرتين!!

فالأمة التركية في الحقيقة :

أمة غريبة عن هذه المنطقة، وكانت في البداية عبارة عن مجموعة قبائل مغولية تستوطن أواسط آسيا، وهاجرت منها مرغمة إلي منطقة الشرق الأوسط في حدود القرن الحادي عشر الميلادي، هرباً من بطش الزعيم المغولي الشهير جنكيزخان..فتكونت تاريخياً في هذه المنطقة وفق قيمها الحضارية الإسلامية وتأثيرات لغتها العربية..ولهذا أصبحت واحدة من أممها الكبيرة!.

فالأمة التركية الحالية :

هي أمة حديثة النشوء تقارب نشأتها نشأة الأمم الأوربية الحديثة في غرب أوروبا، وقد بدأ التكون القومي لجميع هذه الأمم الأوربية بالنشوء والتبلور في مطلع الألفية الثانية لميلاد السيد المسيح!.

وقد كان لموقع تركيا الجغرافي، تأثير كبير على اختياراتها السياسية والاجتماعية والقيمية والحضارية بوجه عام!.

فتركيا من الناحية الحضارية :

تقع على الصدع الحضاري الذي يفصل بين عالمين مختلفين: شرق وغرب.. وقارتين متجاورتين: آسيا وأوربا.. وثقافتين متنافرتين: إسلامية ومسيحية.. وحضارتين مختلفتين تماماً.. ولهذا، وبفعل موقعها الجغرافي والحضاري هذا بين هذين العالمين المختلفين في كل شيء، هو الذي جعلها تتأرجح دائماً أيضاً في اختياراتها السياسية والاجتماعية والثقافية : مرة باتجاه الشرق.. ومرات ومرات باتجاه الغرب!.

****

وكان [مصطفى كمال/ أتاتورك: بمعني أبو الأتراك] :

هو الذي أوجد باختياراته الغربية الصرفة (هوية قلقة وغير مستقرة) في وجدان وضمير الأتراك، بعد وصوله إلى قمة السلطة في تركيا، وهو أيضاً الذي حسم توجهها السياسي والاجتماعي باتجاه الغرب تماماً وبشكل قاطع، ودون تردد أو التفات إلى الوراء أو النظر لأية اعتبارات دينية أو قيمية أو أخلاقية..وقد قاد في حياته حرباً شعواء على جميع العادات والتقاليد والقيم الشرقية، وعلى جميع العبادات والطقوس والمظاهر الدينية الإسلامية :

فأول أعماله الحاسمة في هذا الاتجاه.. كانت :

ـ إلغاء الخلافة و السلطنة العثمانية، وتأسيس جمهورية تركيا الحديثة، كجمهورية علمانية متطرفة في علمانيتها وتعادي الدين والتدين والمتدينين!.

ـ حول أغلب الجوامع التركية إلى متاحف!.

ـ أمر بأن يرفع الأذان وتؤدى الصلوات والتعبد باللغة التركية وحدها!.

ـ ألغى وزارة الأوقاف والمدارس الدينية وكل الأعياد والمناسبات الإسلامية!.

ـ منع رحلات الحج والعمرة وزيارة الأضرحة والأولياء والصالحين!.

ـ غير العطلة الأسبوعية من يوم الجمعة إلى يوم الأحد!.

ـ ألزم النساء التركيات بخلع الحجاب وارتداء الملابس الأوربية!.

ـ وأجبر الرجال الأتراك على ارتداء الملابس والقبعات الإفرنجية!.

ـ ألغى الحروف العربية واستبدلها بحروف لاتينية!.

وكان أتاتورك يكره العرب والمسلمين كرهاً شديداً.. ولهذا:

حاول أن يقطع كل شكل من أشكال الصلات التي تربط الأتراك بالمسلمين وبالعرب خصوصاً، فشكل لهذا الغرض لجنة من المتخصصين الأتراك لتنقية اللغة التركية من المفردات العربية!.

لكن هذه اللجنة اصطدمت بالحقيقة المرة التي قالها يوماً (جمال الدين الأفغاني) للسلطان العثماني (عبد الحميد) بعد محاولات (تتريك العرب)..قال بما معناه: [إن هذا رأي سفيه: لأن اللغة التركية لا تكفي للتخاطب بين أفراد شعب بدوي وليس لأمة متحضرة..فالأصح ـ يقول الأفغاني للسلطان عبد الحميد ـ هو تعريب الأتراك وليس تتريك العرب، وكما فعلت جميع الأقوام التي سبقتكم في استيطان هذه المنطقة، كالأيوبيين والمماليك وأسرة محمد علي في مصر وغيرهم] (1)

ولكثير من الأسباب الموضوعية فشلت اللجنة التي شكلها أتاتورك في مهمتها فشلاً ذريعاً [لأن المفردات العربية في اللغة التركية تشكل ما نسبته أكثر من 70% بالمائة من مجموع مفرداتها المستخدمة] .

وحينما أخبره أعضاء اللجنة أتاتورك باستحالة إنجاز مثل هذه المهمة المستحيلة، اخترع نظرية عجيبة أسماها “النظرية الشمسية” ــ لا مجال لذكر تفاصيلها هنا ــ ووفق نظريته هذه أرجع، وبشكل متعسف جميع المفردات العربية الموجودة في اللغة التركية إلى جذور طورانية، لسد هذه الفجوة اللغوية الكبيرة في اللغة التركية!.

ويقال ـ والعهدة على من قال ـ أن مصطفى كمال(أتاتورك) عند بدئه لكل إجراءاته المعادية للدين الإسلامي وللغة العربية قد أمر بأن يأتوا له بجمل، وعند إحضاره له حمّله بمجموعة كبيرة من المصاحف (القرآن الكريم) ثم ضربه على مؤخرته بقوة قائلاً له وهو يشير باتجاه الصحراء العربية: [اذهب إلى المكان الذي جئت منه .. فنحن لسنا بحاجة إليك!!]

*****

ونتيجة للحالة النفسية التي مر بها الأتراك بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، فإن جميع السياسات والأعمال والإجراءات التعسفية، وبالقوة المفرطة التي استخدمت في تنفيذها ولمدة تجاوزت الثمانين عاماً، نجح أتاتورك وخلفائه من بعده أن يغيروا وجه تركيا ويحولوا الأتراك إلى شيء آخر غير تركي تماماً، ويلبسونهم ثوباً غير ثيابهم الوطنية ويعطونهم هوية ممسوخة لا تناسب طبيعتهم ولا تاريخهم الإسلامي الكبير!.

لأن الأتراك في الحقيقة قبل الإسلام لم يكونوا شيئاً يذكر، وكانوا عبارة عن جماعات بدوُية تتوارد إلى بغداد كرقيق ويباعون في أسواقها العامة (2).. فهم بالإسلام وفي حضنه قد تكونوا وأصبحوا أمة كبيرة، وأصبحوا ملوكاً وسلاطيناً وخلفاء للمسلمين!!

لكن بالسياسات والإجراءات التعسفية التي قام بها أتاتورك وخلفائه من بعده على مدى ثمانين عاماً تقريباً، نشأت أجيال وأجيال تركية هجينة ومتغربة عن ذاتها وعن حقيقتها التاريخية والإنسانية، ولا تعرف نفسها ولا تراثها الروحي والقيمي ولا حتى تاريخها الواقعي، لأنه كتب بلغة أخرى وحروف لا تجيد قراءتها.. وهي الحروف العربية التي استخدمها الأتراك، خلال القرون التي شكلت معظم حقب تاريخهم العثماني المعروف، وهو التاريخ الوحيد الذي تكون وتكرس من خلاله وجودهم كأمة، وتكونت من خلاله هويتهم القومية!.

وإلى وقت قريب ولا زال إلى الآن، ونتيجة لتوجهات أتاتورك الأوربية، فإن اغلب الأتراك يتمنون أن تكون بلادهم أمة ودولة أوربية، ويحلمون بانضمامها إلى الاتحاد الأوربي، وهم يتمنون هذا ويحلمون به حتى لو تكون تركيا في موقع ذيل ذيل أدنى دولة أوربية، ويفضلونه على تكون بلادهم دولة شرقية وإسلامية، حتى لو أنها ستصبح متربعة على قمة العالم الإسلامي!.

وهذا هو الذي زرعه مصطفى كمال أتاتورك في ضمير تركيا والأتراك، وحصدته الأجيال التركية الحالية والأجيال التي سبقتهم!.

[طبعاً هذا من وجهة نظرنا الخارجية، أما نظرة الأتراك لهذا الذي أنجزه أتاتورك لهم، فهو شيء آخر أشبه المعجزة الإلهية!!]

*****

لكن من هو مصطفى كمال أتاتورك حتى تكون له هذه اليد الطولى على تركيا بكاملها، والتي مكنته من أن يغير وجهها وتوجهها ووجهتها ومصيرها كله؟

مصطفى كمال (أتاتورك)..هو :

ضابط تركي شاب لمع نجمه أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى عندما خسرتها تركيا، وخسرت معها جميع ممتلكاتها وكل شيء خاص بها تقريباً.. فاستطاع هذا الشاب أن يجمع البقية الباقية من الجيوش التركية المهزومة، ويحمي بها تركيا من الضياع، بعد أن ضاعت في تلك الحرب المدمرة المجنونة كيانات كبيرة وعريقة غيرها!.

لكن ورغم هذا الدور الإنقاذي الذي لعبه أتاتورك لتركيا، فهناك شكوك كثيرة تحوم حول أصله وحتى حول تركيته!!

فبعض المصادر تقول ـ والعهدة على تلك المصادر ـ :

أن مصطفى كمال من أصول يهودية، وتؤكد أنه من (يهود الدنمو) الذين هُجّروا مع العرب المسلمين من الأندلس في القرن السادس عشر الميلادي، بعد أن استولى الأسبان عليها!!

وقد شكل الأسبان ـ في حينها ـ “محاكم التفتيش” الشهيرة في الأصل، لمحاكمة هؤلاء العرب المسلمين واليهود ولـ (تنضيف) شبه الجزيرة الايبيرية (أسبانيا والبرتغال) منهم.. وكانت هذه المحاكم حينذك تخير العرب واليهود بين ثلاث خيارات: أما التقتيل ، وأما التنصير ، وأما الهجرة النهائية من الأندلس.. فاختارت الأغلبية منهم الهجرة!.

فهاجرت أغلبية العرب وبعض اليهود إلى المغرب العربي، في حين اختارت باقي اليهود الهجرة إلى تركيا، بعد أن قبلتهم الدولة العثمانية ورحبت بوجودهم على أراضيها وبعد أن أشهروا إسلامهم!.

لكنهم ـ كما تقول تلك المصادر ـ قد احتفظوا بيهوديتهم وتعبدوا بها سراً، وأخذوا يعملون على تقويض الدولة العثمانية من الداخل.. وتزعم تتلك المصادر أيضاً بأن مصطفى كمال كان منهم، وقد نشأ وهو يحمل عقدة اليهودي الذليل، المعادي للإسلام والمسلمين في طبيعة تكوينه الداخلي، وأن كل ما قام به أتاتورك من أعمال وإجراءات، كان الغرض منها تقويض أسس الدولة العثمانية وصفات الشعب التركي المسلم وتغير هويته وتوجهاته العامة.. وبالتالي: يتم لهم هدم الإسلام وتدمير المسلمين بإلغاء الخلافة الإسلامية، وتقطّيع آخر الخيوط التي تربط المسلمين ببعضهم.. وهذا ما قد قام به لهم أتاتورك على أكمل وجه !!

[يـــــتبـــــعـــه الجزء الثاني والأخير]

[email protected]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) د . محمد عمارة: كتابه: “الأعمال الكاملة للأفغاني”

(2) د . عبد العزيز الدوري: كتابه: ” دراسات في العصور العباسية المتأخرة ”

***************************************************************************************************

تركيا الأتاتوركية..وتركيا الأردوغانية!!

[2 والأخير] دولة أردوغان!

خـــلـــف الـــنـــاصـــر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لكن قضية الخلافة بعد إلغائها من قبل أتاتورك، قد تحولت من ( دولة ) إلى (فكرة) تجوب العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه ويحمل لوائها الكثيرون: أشخاص وجماعات وجمعيات وأحزاب وتنظيمات سياسية كثيرة، نطلق عليها جميعها اليوم اسم “الإسلام السياسي” ، ويأتي (( الإخوان المسلمون )) في طليعة هؤلاء جميعهم .. وكان رجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” أحد هؤلاء، وربما أهم هؤلاء الإخوان المسلمين على الإطلاق، لأسباب عديدة!!

فقد استطاع أردوغان ـ رغم المؤاخذات الكثيرة عليه ـ بحنكة وذكاء، أن يحول تركيا من (تركيا أتاتوركية) إلى (تركيا أردوغانية) خالصة في زمن قياسي.. وهو ما فشل به جميع من سبقوه من الإسلاميين أو غير الإسلاميين على مدى خمسة وسبعين عاماً متواصلة!!

لأن أتاتورك استطاع من قبل :

أن يحول تركيا من سلطنة دينية عثمانية إلى قلعة علمانية معادية للدين والمتدينين، وذات توجهات أوربية وغربية بحتة اجتماعياً وسياسياً وأخلاقياً واقتصادياً وعسكرياً، وعلى خطى المدرسة العلمانية الفرنسية المتزمتة!.

وكان الجيش التركي ـ بحكم الدستور ـ هو الذي يحمي هذه القلعة ويصون أسسها العلمانية ويحكمها من وراء الستار، لأنه كان جيشاً أتاتوركياً خالصاً، وكان يقظاً ومتحفزاً بقواته المسلحة الضاربة، لوأد أية بادرة خروج على الأنموذج العلماني الصارم الذي رسمه له أتاتورك بنفسه!.

فكان هذا الجيش حاضراً دائماً لحماية هذه القلعة الأتاتوركية الحصينة بقواته المسلحة، والقيام بانقلابات عسكرية كلما دعت ضرورات حماية قلعة أتاتورك العلمانية هذه، ولأجلها قامت سلسلة من الانقلابات العسكرية المتواصلة في تركيا، بدءاً من أول انقلاب نفذه قائد الجيش (جمال كورسيل) عام 1960 ومروراً بانقلابات 1971 وصولاً إلى انقلاب1980 الذي نفذه قائد الجيش (كنعان إيفرين) وأصبح بعدها رئيساً للجمهورية حتى عام 1989 !.

ثم تبعه ما عرف بـ ” الانقلاب الأبيض ” عام 1997 على حكومة (نجم الدين أربكان) وحزبه “حزب الرفاه ” ذي الصبغة الإسلامية، وقد أطلق على هذا الانقلاب أسم (الانقلاب بالأبيض) لأن الجيش تمكن من إسقاط حكومة أربكان الإتلافية، دون أن يحل البرلمان التركي!!

ثم تبعه محاولة الجيش عام 2009 القيام بانقلاب على حكومة حزب أردوغان نفسه، وكانت آخر محاولة انقلابية هي التي حدثت في العام الماضي 2016 على حكم حزب العدالة والتنمية، والتي استغلها أردوغان إلى أقصى مديات الاستغلال لتصفية جميع خصومه ومعارضيه السياسيين دفعة واحدة!!
والملاحظ وجود فترة زمنية على شكل متوالية تتراوح بين ست إلى ثمان سنوات تفصل بين انقلاب وآخر، وكل هذه الانقلابات قام بها الجيش التركي، بحجة الحفاظ على إرث أتاتورك وعلمانية الدولة التركية!!

****

إن ما امتاز به أردوغان على من سبقوه من المدنين ونجح فيه نجاحاً مبهراً هو:

أن من سبق أردوغان من الإسلاميين خصوصا، كانوا يركزون على الجوانب الإيديولوجية قبل السياسية والاقتصادية في خطابهم وتصرفهم السياسي ويصدمون بالجيش مباشرة، فيكتشفهم الجيش بسهولة ويتم تصفيتهم بسهولة أكثر!!

أما أردوغان وحزبه فقد سلك طريقاً معاكساً لطريق كل من سبقوه في حكم تركيا، فقد تجنب في البداية الخطاب الإيديولوجي الصريح والاصطدام المباشر بالجيش، وركز منذ البدء على الاقتصاد بالدرجة الأولى، وعندما حقق فيه نجاحات مبهرة رفعت من مستوى معيشة الشعب التركي ـ والفقراء منهم بالخصوص ـ كما أنها رفعت من مستوى تركيا كدولة احتلت المرتبة السادسة أو السبعة عشر من الاقتصادات العالمية، وكذلك تمكن من جعل سعر صرف الليرة التركية تقارب سعر الدولار الأمريكي، بعد أن كان السنت الأمريكي الواحد يساوي عشرات الليرات التركية!!

عندها فقط، وبكل هذه الانجازات الباهرة :

يكون أردوغان قد أمن نفسه وأحاطها بسياج فولاذي من الجماهير المنتفعة بسياسته الاقتصادية ـ خصوصاً الفقراء منهم ـ وهي القوة التي قامت على حراسة أردوغان وحمايته من الجيش وانقلاباته المعروفة، وكما ظهر جلياً في محاولة الانقلاب الأخيرة، وبهذه الجماهير وحدها تمكن أردوغان من الوقوف بوجه الجيش وشل قدرته على الفعل المباشر ضده، وتمكن أيضاً من تجريده من غطائه الدستوري المميز، وجعله جيشاً احترافياً لا يتدخل في السياسة!.

وكل هذا قد تم لأردوغان بغطاء دستوري، وبعد تعديله للدستور التركي على جرعات خفيفة لكنها متلاحقة، وكانت آخرها تعديل الفقرة التي تخص منصب (رئيس الجمهورية) فجعله ينتخب من الشعب مباشرة بدلاً من البرلمان!!

فحول بهذا منصب رئيس الجمهورية :

من (منصب شرفي) شكلي إلى (منصب فعلي) وتحول النظام التركي بموجبه من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، يجمع فيه رئيس الجمهورية أغلب السلطات العليا وكامل الصلاحيات في يديه وحده.. فكان أردوغان هو أول تركي بعد أتاتورك يجلس على كرسي هذا المنصب الرئاسي الفعلي الرفيع، وبكامل الصلاحيات!!

وبكل هذا يكون أردوغان :

قد صفا إرث أتاتورك وجميع مظاهر جمهوريته العلمانية الغربية المتزمتة، وبدأ بعده (عصر الجمهورية التركية الثانية) أي، عصر (جمهورية أردوغان) .. وهو عصر غير العصر الأتاتوركي الذي سبقه بأكثر من ثلاثة أرباع القرن، ومختلف عنه كلية بالمظاهر والظواهر والتوجهات جميعها!!

****

فبعد كل الذي قدمه وحققه أردوغان لتركيا وللشعب التركي، التفت إلى الدستور ولإيديولوجيته ذات الطابع الديني والتوجه العثماني، وبنكهة حداثية ومنهج برغماتي وقدم بهما إلى الشرق الإسلامي من جديد، بعد قطيعة طويلة معه دامت لسبعة عقود ونصف العقد!!

نظرية صفر مشاكل :

وكان توجه أردوغان وحكومته إلى الشرق تحت شعار: ((صفر مشاكل!!)) مع الجيران، وهي نظرية جاء بها رفيق أردوغان (أحمد داوود أغلو) الذي شَغَلَ منصب وزير خارجية ثم رئيس وزراء لتركيا لمدة قصيرة من عصر أردوغان.. لكن هذه النظرية لم تصمد طويلاً في سياسة أردوغان!!

فبعد مدة قصيرة تحولت السياسة التركية عن نظرية “صفر مشاكل” إلى نظرية “كتلة مشاكل” مع الجميع في داخل تركيا ومع الجوار الإقليمي وفي كامل إقليم الشرق الأوسط، وحتى مع كثير من دول العالم الخارجي!!

ونظريه “كتلة مشاكل” هي نظرية غير معلن عنها، لكنها تمارس بفظاظة على أرض الواقع من قبل لأتراك، وكانت لها آثار مدمرة على الاقتصاد التركي وعلى مستوى المعيشة للشعب التركي وعلى سعر صرف الليرة التركية، كما أثرت على كل ما أنجزه أردوغان للشعب التركي ولعلاقات ومكانة تركيا الدولية!!

فنظرية “كتلة مشاكل” الغير معلن عنها : 

على مستوى الجوار العربي مثلاً:

قد ابتدأت بالعراق قبل وبعد احتلاله من قبل الأمريكان، وتمثلت بالدخول العسكري الفض في شمال العراق والتدخل بغطرسة في شؤونه الداخلية، وإيواء الهاربين والمطلوبين للعدالة، وإيواء الإرهابيين ومساعدتهم وتدريبهم وجعل تركيا مقراً وممراً وملاذاً آمناً لهم، بالإضافة إلى القصف اليومي لمناطق شمال العراق بحجة محاربة إرهاب “حزب العمال الكردستاني”، ثم احتلالهم لمنطقة “بعشيقة” وبناء معسكر ثابت لهم فيها، بالرغم من احتجاج العراق الشديد حكومة وشعباً وسخطهم وغضبهم وغير هذا كثير جداّ.. وإن تحسنت علاقاتهم مع العراق مؤخراً بعد “استفتاء” برزاني!!

وما عملته سياسة أردوغان في العراق :

عملت أكثر منه في سوريا، بدءاً من إيواء وعبور الإرهابيين إليها والمشاركة الفعلية في الحرب ضدها، ثم دخولهم الأراضي السورية عنوة واحتلالهم لأجزاء واسعة من الأرض علناً…….الخ .

وكما تدخلت تركيا الأردوغانية في العراق وسورية عسكرياً ولوجستياً وسياسياً تدخلت في ليبيا، وتدخلت أيضاً في شؤون مصر الداخلية بعد عزل الرئيس المخلوع محمد مرسي، ووترت العلاقات مع مصر وأوصلتها إلى حد القطيعة الكاملة بين البلدين.. وأخيراً تدخلت حتى في الأزمة الخليجية القائمة حالياً بين قطر ومصر وبعض دول مجلس التعاون!!

وبقول مجمل:

ليس هناك مشكلة عربية إلا ودست تركيا الأردوغانية أنفها ويدها فيها، وأضافت مشاكل جديدة إلى المشاكل القائمة، ولو أردنا أن نمر على جميع المشاكل والتعقيدات التي خلقتها العقلية الأردوغانية في تركيا وجوارها والعالم، فلن تكفينا مجلدات!

فتركيا الأردوغانية :

قد أصبحت المقر الرئيسي للـ (التنظيم الدولي للإخوان المسلمين) وهذا التنظيم الدولي ـ وكما هو معروف ـ له أجندة دولية تشمل العالم الإسلامي برمته.. وكما هو معروف أيضاً، فإن قيام (تنظيم الإخوان المسلمين) قبل ما يقرب التسعين عاماً، كان عبارة عن ردة فعل على إلغاء (الخلافة الإسلامية) ، فانصب جهد الإخوان على إعادة نظام الخلافة الإسلامية بروحها العثمانية إلى الحياة الإسلامية مجدداً.. ولما كان أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” فرعاً من فروع تنظيم الإخوان المسلمين الدولي وعثمانيون بالعنصر البشري والتفكير والإيديولوجي، فقد التقت عندهم الروح العثمانية بالفكرة التنظيمية الأخوانية، وأصبحت هي (مشروعهم القومي) لبعث الإمبراطورية التركية العثمانية من جديد!!

ولهذا فإن الأتراك قد أصبحوا مركز الثقل الدولي لمشروع الإخوان، وأصبح أردوغان (خليفتهم العثماني) المتوج سراً عندهم.. وما دام وضع تركيا الأردوغانية والإخوان معها بهذه الصورة المعشقة بالعثمانية، والتي تحولت إلى (مشروع دولي)

يقوده الخليفة رجب طيب أردوغان، فإن المشاكل التي خلقها وسيخلقها هذا (المشروع العثماني) للمنطقة وللعالم الإسلامي برمته، سوف لن تنتهي أبداً!.

وهناك أسئلة تطرحها تركيا الأردوغانية علينا اليوم كعرب..هي: من كان أفضل لنا :

تركيا العثمانية : التي جثمت على صدورنا بشرورها أربعة قرون متواصلة، وأورثتنا التخلف الحضاري والطغيان السلطوي؟

أم تركيا الأتاتوركية العلمانية : التي كفتنا شرها أكثر من سبعة عقود متواصلة؟؟

أم ـ تركيا الأردوغانية الأخوانية العثمانية : وريثة دولة بني عثمان وصولجان الإخوان؟؟

[email protected]

فيديو تركيا الأتاتوركية..وتركيا الأردوغانية!!

أضف تعليقك هنا