قرار بقانون الجرائم الإلكترونية صفحة سوداء في السجل الفلسطيني

قيام دولة فلسطين على أسس ديمقراطية سليمة

إن الظروف الراهنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني إضافة إلى معركة إثبات هوية فلسطينية الدولة والتخلص من جرثومة الإسرائيلي مغتصب دولتنا، يحتم علينا أن نكون على قدر من الوعي بالآليات التي يجب أن تدار بها الفترة الراهنة، كما يجب علينا أن لا نغفل عن تذكير قادة هذه المرحلة بمراعاة أسس الديمقراطية السليمة واحترام حقوقنا كفلسطينيين حتى لا يصاب احدهم بعدوى امتهان الحقوق وانتهاج نهج المحتل، هذه إحدى الظواهر الصحية التي تبشر بقيام دولة فلسطين على أسس ديمقراطية سليمة.

على عكس هذا فإن إحدى الممارسات التي تخالف هذا النهج وتنم عن قلق إزاء البنية التشريعية في فلسطين هي إصدار قوانين تخالف الأسس والقواعد القانونية على المستويين الوطني والدولي بمخالفتها للمعايير العالمية، القرار بقانون الخاص بتنظيم الجرائم الإلكترونية أحد هذه القوانين، حيث أنه حديثا وبتاريخ 24/6/2017 صادق الرئيس محمود عباس على إقرار هذا القانون، وبالمقابل صدم هذا القانون بالرفض والكثير من التساؤلات والانتقادات، بداية من لحظة تمريرة لاحقا لظروف اقراره واخيرا لما تضمنه من نصوص نعتها الكثيرين بغير القانونية في حين اعتبرها آخرون سلاح موجه للنيل من حقوق كثيرة أهمها حق التعبير عن الرأي التي فرض أن سقفها السماء!

هل يراعي القانون أبسط النصوص القانونية؟

إن القرار بقانون سابق الذكر أثار غضب كثير من الجهات منها مؤسسات المجتمع المدني كذلك الفئات التي استهدفها القانون و شريحة النشطاء الحقوقيين والصحافة وأصحاب الرأي،حيث تفاوتت الآراء ولكن ما يتضح أن المتفحص لفحوى هذا القانون يستشف عدم مراعاته لابسط النصوص القانونية وهذا ما ينبغي الوقوف عنده، كما أن أهم الانتقادات الموجهة لهكذا قانون حجم النصوص والمصطلحات الفضفاضة التي هي بحاجة لتعريفها وضبطها، لما تحتويه من خطر التأويل والتوسع عند التطبيق ومسها بذلك لحقوق الانسان الفلسطيني أينما كان موقعه، كما أنه لا يراعي أحد أهم القواعد الجزائية عندما فرض عقاب لا يتناسب والجرم، كما أن هذا القانون تغول بحجم تشريعه لعقوبات تتجاوز مفهوم الجريمة الإلكترونية بتجريمه لأفعال لا ترقى لوصفها جريمة وتكراره بتجريم أفعال في الأصل مجرمة بقانون العقوبات سابق التنظيم.

كما أن اصدار قوانين على هذه الشاكلة يمكن أن يكون المرآة التي تعكس تغول أحد السلطات الثلاث على الأخرى في ظل الوضع السياسي الراهن، خاصة وأن إصدار القوانين منوط أصالة بالسلطة التشريعية وإن حالة الشلل التي ألمت بالمجلس التشريعي ومن خلال نص المادة(43) من القانون الأساسي الفلسطيني وحدها أعطت السلطة التنفيذية سلطة اصدار القرارات بقوانين، لكن نص المادة قيد هذا كله بوجود حالة ضرورية لا تستدعي الانتظار، وإن قانون الجرائم الإلكترونية وجملة قرارات بقوانين سابقه له نذكر منها قانون الضمان الاجتماعي لا تشكل حالة ضرورة بالشكل الكبير، كما أن اصدار قانون ليس بالعصى السحرية التي تلبي دائما الحاجه لاصطلاح خلل ما في المجتمع، كما أنه يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن هذه السلطه التي تصدر هكذا قرارات لا تملك الخبرة والدراية بصياغة القوانين، التي يجب أن تصاغ بطريقة توفر مزيد من الحماية للحقوق ومراعاة المعايير الدولية، أضف إلى ذلك أن الجهة التي قامت بتمرير هذا القانون لأجل اقراره هي النيابة العامة ممثلة بالنائب العام ولنضع خط تحت هذه الجهة فكيف لجهة لا تملك الاختصاص أن تقوم باقتراح هكذا قانون ألا تغدو الحالة هنا لتتضارب المصالح.

أثر القانون على حقوق الفلسطينيين 

إن هذا القانون وبالنظر لنصوصه الموضوعية والإجرائية يشكل خطورة على الكثير من حقوقنا كفلسطينيين وعلى رأسها الحق في حرية الرأي والتعبير من خلال السيطرة على الفضاء الالكتروني، كما أنه يقيد حرية العمل الصحفي بضرورة الافصحاء عن مصدر معلوماتهم بدلا من توفير مزيد من الحماية وتحسين بيئة عملهم، كما أنه ينتهك حق الفلسطيني في الوصول للحقائق ويفضح خصوصيته من خلال إجبار الشركات المزودة للانترنت بحظر العديد من المواقع وعلاوة على ذلك الاحتفاظ بمعلومات المشترك لتسهيل الوصول إليها عند الحاجة، إلا أن هذه الممارسات تفقد ثقة الفلسطيني المستفيد من هذه الخدمات بهذه الشركات.

لا يمكن الاستهانه بحجم هذه الانتهاكات خاصة وأن هذه حقوق ذات أهمية كبيرة تطلب منا مزيد من الحماية، وأن المتأمل لخصوصية شخص الفلسطيني يجد بأنه شخص عنيد مقاتل عنيف للنيل من كل من يحاول انتهاك حقوقه، ويعاب علينا كفلسطينيين القبول بإقرار قانون يحد من حقوقنا اتباع سياسة تكميم الأفواه ألا أنها سياسة محتل وليس ابن الوطن على أخيه!

الغاية من القانون

يبقى هنا التساؤل حول الغاية التي أصدر بهدفها هذا القانون، على خلاف توفير مزيد من الحماية للمواطنين من الجرائم الالكترونية التي عالجتها الاتفاقية الدولية(بودابست) والاتفاقية العربية لمكافحة حرائم تقنية المعلومات والقرصنه، حيث تناولت جلها جرائم الاتجار بالأطفال واستغلالهم وجرائم قرصنه المعلومات، بعيده كل البعد عن محاولات السيطرة على الفضاء الالكتروني وتقييده ومحاولات طمس الحق في حرية التعبير وتقييد حق الوصول للمعلومة واختراق خصوصية المواطنين!

وإن الحل الأمثل لاعتبار اصدار قانون يجرم الأفعال التي تحدث عبر الفضاء الالكتروني واعتباره انجاز للجانب التشريعي في فلسطين وبهدف تحسين المرحلة الانتقالية، هو إعادة اصدار قانون لمكافحة الجريمة الإلكترونية وفق اسس القانون السليمة، كما أن اتاحة الفرصة لمشاركة هذا القانون مجتمعيا ومناقشته مطلب أساسي، وإن الإمتثال للاتفاقيات الدولية خلال صياغة نصوصه وكذلك غيره من القوانين التزام يحتم على فلسطين القيام به، وان التزامنا كافراد في دولة لا زالت تقاتل لنيل حقها في تقرير مصيرها والتخلص من الاحتلال، يحتم علينا احترام كافة أشكال حقوق الإنسان ويعاب علينا كشعب واعي لحقوقه انتهاك حقوق بعضنا البعض فهذة بيئة غير صحية ولا تدل على قيادة سليمة لدولتنا مستقبلا، وإن إدارة الوضع الراهن يتطلب الالتزام بالقوانين وتطبيقها بشكل سليم وبأقل الخسائر واجراء انتخابات عامة و بذلك إعادة ترتيب البيت الفلسطيني واعطاء الدور التشريعي للجهة التي أنشأت من أجله.

فيديو قرار بقانون الجرائم الإلكترونية صفحة سوداء في السجل الفلسطيني

 

أضف تعليقك هنا