“نظرية المؤامرة” ..أم.. مؤامرة النظرية؟

كثيراً ما تطرق أسماعنا عبارة “نظرية المؤامرة” :

فالبعض ـ وهم الأكثرية ـ ينكرون وجود شيء في السياسة اسمه ” المؤامرة” ويحاولون أن يبرهنوا على انعدام وجودها في الواقع، ومن ثم التبرؤ منها وعدم الإيمان بوجودها بشتى الطرق والأساليب.. ولهذا فهم دائماً يهربون منها ومن تبعاتها وكأنها جريمة خطيرة يعاقب عليها القانون!.

بينما البعض الآخر على العكس من هؤلاء، يحاول إثباتها والبرهنة على وجودها وينسبون كل المآسي التي عشناها سابقاً وما نعيشه اليوم وما قد نعيشه في قابل الأيام إلى تلك (مؤامرة جهنمية) التي حيكت ضدنا في الظلام..منذ قرون أو عقود!.

وقد كثر ترديد عبارة “نظريه المؤامرة” كثرة مفرطة :

وبشكل فج وماسخ وممجوج بعد احتلال الأمريكان للعراق تحديداً.. فأصبحت عبارة “نظريه المؤامرة” لازمه لكل حديث وندوه وبرنامج إذاعي أو تلفزيوني يجريها من يطلقون على أنفسهم صفه “محللين سياسيين أو إستراتيجيين!!” والذين تكاثروا ـ كخلايا سرطانية ـ كثره مفرطة في الفترة نفسها!.

فكانوا بعبارة (نظرية المؤامرة) يبدؤن حديثهم وبها ينتهون، فقد أصبحت هذه العبارة عند هؤلاء المحللين كـ (البسملة) في الصلاة أو الحديث النبوي الشريف أو تلاوة القرآن الكريم، ولا يصح عندهم حديثاً أو تحليلاً أو مقولة إلا إذا بدأها متحدثهم بعبارة “إني لا أؤمن بنظريه المؤامرة” والتبرؤ منها تماماً!!

وكثره ترديد عبارة “نظريه المؤامرة” :

بعد احتلال العراق مباشرة

تذكرنا بالمثل العربي الشهير: “يكاد المريب أن يقول خذوني” والذي يصف من يستبطن سراً لا يريد لأحد كشفه أو الاطلاع عليه ومحاوله إبعاد كل الشبهات عنه، وكثره ترديد هذه العبارة ـ في العراق خاصة ـ بمناسبة وبدون مناسبة هو المريب في هذا الموضوع!.

ويبدو أن موضوع “نظريه المؤامرة” هذه كانت (موظفه) لهدف أو لأهداف معينة، لا تخرج عن محاوله الأمريكان (تطبيع) احتلالهم للعراق في أعين العراقيين وتبريره أمامهم والقول لهم : بأن هذا الاحتلال لم يأتِ نتيجة لــ “مؤامرة” مسبقة على العراق والعرب أو على منطقه الشرق الأوسط بكاملها كما يشاع، إنما جاء هذا الاحتلال كأمر طبيعي وكقدر سياسي لا يرد، نتيجة لأخطاء وخطايا صدام حسين (فقط) ولم يكن بتخطيط مسبق من قبل الأمريكان أو غيرهم!!

*****

وبغض النظر عن كل هذا الهراء التبريري وعن صدام حسين وخطاياه وجرائمه، التي ساهمت فعلاً بوصول العراق إلى الجوف الأمريكي الذي لا يشبع، وأوصلت العرب والمنطقة العربية بكاملها معه إلى كل هذه النيران المشتعلة اليوم في كل مكان!.

وبعد كل هذا الذي قيل والذي يقال والذي سيقال مستقبلاً عن هذا الموضوع :

ألا يحق لنا أن نتساءل!؟

ألم يقم الأمريكان والبريطانيون والفرنسيون والغربيون جميعهم، باحتلال العراق وباقي الأقطار العربية وثلاث قارات من العالم الجديد، قبل أن يولد العراق الحديث نفسه وقبل أن تولد معظم الدويلات العربية الحالية، والتي كانت ولادتها بحد ذاتها عبارة عن “مؤامرة كبرى” على العراق والعرب جميعهم، وقبل أن يولد صدام حسين وأغلب الحكام العرب السابقين والحاليين بعقود طويلة.. وقبل جرائم صدام حسين وجرائم الحكام العرب جميعهم؟؟

ألم تحتل فلسطين ويشرد أهلها في كل أصقاع الأرض ويستوطن أرضهم الصهاينة، بــ “بمؤامرة” وجريمة بريطانيه صهيونيه غربيه متكاملة الأركان؟ .. أم أن الفلسطينيين هم الذين تركوا وطنهم طواعية، وتبرعوا بها للصهاينة؟ .. أم أنهم من هواة تضيع الأوطان وتهجير الإنسان عن أرض الآباء والأجداد؟؟

ألم يمزق الوطن العربي إلى قطع متناثرة بــ “مؤامرة” اسمها “اتفاقيات سايكس/بيكو” وتحويل كل قطعه أرض وبئر نفطية عربية منه، إلى دوله وعلم ودستور ونشيد وطني؟؟

ألم يعقد رئيس وزراء بريطانيا الأسبق (هنري كانبل) عام 1907″مؤتمر لندن” الشهير، والذي كان عبارة عن “مؤامرة طويلة ومعمره ومستمرة إلى اليوم، والغرض منها تدمير هذه الأمة وإيصالها إلى ما وصلت إليه اليوم من دمار شامل وضياع كامل؟؟

#(هنري كامبل) رئيس وزرا بريطانيا الأسبق .

وإذا أردنا أن نطلق لأنفسنا العنان ونستمر بتعداد جميع “المؤامرات” الغربية علينا وعلى غيرنا، فلن تكفينا لها مجلدات وأسفار كثيرة.. وسنجد أن هذه المؤامرات موجودة في الحاضر، كما كانت موجده في جميع فصول التاريخ الإنساني، وموجودة حتى في الكتب المقدسة، والتي نجدها تتكلم عن “مؤامرات” وخيانات واغتيالات كثيرة تنفذ جميعها تحت جنح الظلام!.

فالأعمال تقاس بالنتائج والخواتيم، وليس بالتوصيف الفني لها.. وبناء على النتائج والخواتيم التي نعيشها اليوم، يمكننا أن نقول: أن كل هذه الوقائع والفجائع والمواجع نتيجة مباشره لسياسات غربيه (سريه) حتى وإن لم تسمى بــ “المـــؤامــرة”!!

*****

لكن دعونا نبتعد عن “نظريه المؤامرة” وعن إثباتها أو نفيها وعن الإيمان أو الكفر بها .. دعونا نذهب إلى مكان آخر بعيد عن مفهوم “نظريه المؤامرة” وجدلها، ونفتش داخله عن (سياسات سريه) تتبعها أغلب دول العالم صغيرها وكبيرها وبأي حجم أو موقع كانت، لحماية أمنها القومي ومصالحها القومية!!

سياسة سرية

دعونا نقول: أن أيه (سياسة سرية) وحتى إن كانت علنية تتبعها دوله اتجاه دوله أخرى أو اتجاه دول أخرى، لتضمن بها مصالحها القومية في تلك الدوله أو في تلك الدول، فلابد لتلك السياسات السرية من أن تلحق أضراراً ـ بشكل من الأشكال ـ بالدولة أو بمجموعه الدول المعنية بتلك السياسات .. ألا تعتبر سياسات من هذا النوع عبارة عن “مؤامرة” على تلك الدولة أو على تلك الدول التي تقع ضمن نطاق مثل هذه السياسات السرية، حتى وإن سميت بأسماء غير اسم المؤامرة !!

دعونا نتكلم ضمن هذا المفهوم البسيط للسياسة :

ونرى: هل أن “المؤامرة” موجودة في السياسات الإقليمية والدولية وحتى المحلية أم لا؟

لنتأمل الموضوع من هذه الزاوية وحدها!!

*****

ورد في التوراة: سفر الجامعة / الإصحاح الثالث :

((لتفريق الحجارة وقت .. ولجمع الحجارة وقت))!!

ما تحاول أن تقوله التوراة هنا، هو عبارة عن (قواعد عمليه) لتنفيذ (مؤامرات سريه) على عدو أو مجموعه أعداء مفترضين لليهود..والحجارة المقصودة هنا تعني: جملة الأدوات التي ستستخدم في تنفيذ مؤامرات اليهود السرية على غيرهم من الأخرى!.

وتتمثل هذه (القواعد السرية) بجمله إجراءات.. فـ (جمع الحجارة) يتم في البداية و (تفريق الحجارة) وتجزئتها يتم في مرحله ثانيه، ثم الاستعداد التام لرمي الأعداء بهذه الحجارة الثقيلة، وبعدها يتم رميهم بها بكل قوه وعنف حتى إبادتهم أو استسلامهم الكامل!.

وعمليه (رمي الأعداء) بتلك الحجارة المدمرة يمكن أن يكون علنياً أو شبه علني لإرهاب العدو، وإن كان يفضل أن تكون جميع العمليات بما فيها عمليات (رمي الحجارة) سريه أيضاً، حتى لا يعرفك عدوك ويثأر منك أو يكون مستعداً لك في المرة القادمة!!

والأهم والأفضل في هذا الحالة وفي كل الحالات، أن تكون مجهولاً لعدوك ولا يعرفك بها ولا يتعرف عليك وعليها أحد، وأولهم عدوك الذي ترميه بحجارتك التي تعبت بجمعها وتفريقها ورميها عليه، كي يبقى عدوك ضعيفاً ولا يعرف من أين تأتيه صفعاتك الشديدة، وكي تستمر بصفعه وإضعافه دائماً دون أن يكتشفك أو يعرفك من أنت!!

المهم والأهم أن تكون مجهولاً لعدوك ويبقى كل ما يتعلق به، تنفذه بحرص شديد وبسريه تامة!!

وهذه الــــســـريــة الــتــامـــة هي أهم أركان “المؤامرة” أيه مؤامرة تجري في العالم.. وبأي مستوىٍ كانت!!

*****

ويبدو أن السياسة الدولية والسياسات عبر التاريخ :

كانت تتبع هذه القواعد التوراتية، وأن الساسة الأمريكيون الآن وقبلهم أساتذتهم البريطانيون، كانوا يتصرفون وفق هذه الحكمة التوراتية العتيدة، ويتخذونها قاعدة أساسية ثابتة لاستراتيجياتهم في العالم أجمع، وفي مقدمته منطقتنا العربية والإسلامية!.

وربما تكون هذه قاعدة اتبعتها عبر العصور، جميع الدول الكبرى وحتى الدول الإقليمية التي يقع أمنها القومي ومصالحها القومية خارج حدودها السياسية!!

فالدول الكبرى كأمريكا وصنوها الاتحاد السوفيتي السابق مثلاً، وقبلهما بريطانيا وفرنسا والصين حالياً، وجميع الدول الكبرى الأخرى يقع أمنها القومي ومصالحها القومية دائماً ـ بحكم اعتبارات عديدة ـ خارج حدودها السياسية، ويشمل بلدانا كثيرة وفي بعض الأحيان يشمل بلدان العالم بأجمعها تقريباً.. ولهذا فإن هذه الدول الكبرى تضع دائماً إستراتيجيات كونية ـ وسرية غالباً ـ تشملها جميعاً !

أما الدول الإقليمية الأقل شأناً :

كإيران وتركيا والكيان الصهيوني في منطقتنا العربيةً، فإن أمنها القومي يقع أيضاً خارج حدودها السياسية، ويشتمل جميع بلدان إقليم الشرق الأوسط ويتداخل معها تداخلاً عضوياً .. ولهذا فإن هذه الدول الإقليميه تضع هي الأخرى (استراتيجيات إقليمية سرية) لحماية أمنها ومصالحها الإقليمية، وتسوقها داخل كامل الإقليم تحت مختلف الواجهات والشعارات السياسية والدينية: شيعة ، سنة ، دروز ، مسيحيون ، مظلومية….الخ!

وتتطلب حماية المصالح القومية للدول الكبرى وكذلك الدول الإقليمية في بعض الأحيان، اتباع سياسات واستراتيجيات سرية قد تصل إلى حدود (المؤامرة) على تلك البلدان، التي تقع داخلها مصالحها القومية وحدود أمنها القومي، فتلحق هذه الاستراتيجيات بتلك البلدان أضراراً بالغة، قد تؤدي إلى اضطرابات داخلية وفقدان للأمن وتدمير للنسيج الاجتماعي، وربما تتُفتت بتأثيرها تلك البلدان وقد تُقسم اجتماعياً وسياسياً وحتى جغرافياً!!

*****

وواحدة من أهم وسائل حماية الأمن القومي :

والمصالح القومية لبعض الدول والتي تؤدي إلى خلق أوضاعاً خطير كهذه، هي وجود جماعات وأطراف اجتماعية وإيديولوجيات ـ قد يكون وجودها طبيعياً وأصيلاً في بلدانها ـ لكنها في بعض الأحيان تشكل امتدادات عضوية لتلك الدول الكبرى أو الإقليمية داخل مجتمعاتها.. فتستغلها هذه لحماية مصالحها وأمنها القومي، وتشكل منها (الحجارة الكبيرة) التي تحمي بها نفسها وترمي بها أعداءها في تلك البلدان، لتحمي أمنها ومصالحها القومية!.

وهذه (الحجارة البشرية) تُجمع وتصنّع دائما، داخل البلدان التي تقع فيها المصالح القومية للدول الأخرى، وعادة تتكون من أهل البلاد الأصليين وليسوا من الغرباء عنها.. وهئولاء هم الاحتياط الذي رمزت إليه (التوراة) بـ ((لجمع الحجارة وقت))!.

في الماضي كان يطلق على مثل هؤلاء اسم (عملاء أو خونة) لكنهم في حقيقة الأمر، هم مجموعة من المغفلين تستغلهم الدول الأخرى لحماية مصالحها القومية وأمنها القومي، وتغويهم بشعارات دينية أو سياسية أو إيديولوجيات عابرة للانتماءات الوطنية!!

و(الحجارة) الثقيلة التي نُرمى بها اليوم :

من كل الاتجاهات الدولية والإقليمية، تتمثل بمجموعات من هؤلاء المغفلين، وبعضهم من المرتزقة والمأجورين!.

ولا حاجة بنا للبحث كثيراً عن هؤلاء لاكتشاف هوياتهم، فهم يعلنونها صراحة أنهم جماعات الإسلام السياسي بشقيه: الإرهابي التكفيري والمليشياوي التدميري.. وبمختلف مسمياتهم الدينية والطائفية والاعتقادية!!

ولابد أن لهذه الحجارة الإسلاموية الثقيلة التي نرمى بها اليوم من تاريخ طويل، حتى أصبحت بهذه الطبيعة المدمرة!.

فقد تم تجميعها وتصنيعها على مدى سنين وعقود وأجيال متعاقبة.. ولابد أيضاً أنها قد استغرقت نفس هذه المدة الطويلة كي تستقر في هذه الأيدي الهمجية، بعد أن تفاعلت (كيميائياً) مع (مواد أولية) داخل معتقداتنا ومجتمعاتنا، فغيّرت كيميائها الطبيعية واستبدلتها بهذه الكيمياء الدموية!!.

*****

وتاريخياً أطلت علينا هذه (الحجارات الدموية) :

بوجهها الجديد هذا بعد احتلال الأمريكان للعراق، والأصح بدأ (جنينها) بالنمو ومن ثم النضوج والتكامل أثناء وبعد حرب ما يسمى بالمجاهدين الأفغان، أما قبل هذا التاريخ فقد كان أغلبنا يجهل وجودها، لأنها كانت شبه معدومة!.

لكن المؤكد أن ملكية هذه الحجارة الصرفة، تعود لجماعات الإسلام السياسي بشقيه: المسالم والعنيف .. وبفرعيه الأزليين: (السني والشيعي)!!

ومما لا شك فيه أن جماعات الإسلام السياسي بشقيه وفرعيه، تستغفل الجماهير دينياً وعاطفياً، وتتبادل على حساب دمها وحياتها المنافع والمكاسب مع القوى الكبرى والإقليمية والأمريكية منها بالخصوص، والأدلة على هذا أكثر من أن تحصى:

فالأمريكان مثلاً: بفضل هؤلاء الإسلامويين قد احتلوا المشرق العربي بكاملة، وفتحوا أغلب البلدان الإسلامية بذريعة “مكافحة الإرهاب” الذي يمارسه نصفهم (العنيف)!!

بينما نصفهم (المسالم!!) :

قد استلم السلطة بمساعدة أمريكية واضحة، في كل من مصر وتونس وليبيا والعراق ومعظم البلدان العربية والإسلامية الأخرى.. ولولا هذه المساعدة الأمريكية الفعالة، ما كان بإمكان هؤلاء الإسلامويين الوصول إلى حكم هذه الأقطار العربية المهمة!!

فبهذه (البرغماتية) وعلى (الطريقة الإسلامية) يتبادل الأمريكيون والإسلاميون المنافع والمكاسب دائماً.. ولهذا توحدت دوافعهم وتشابكت مصالحهم واستمرت علاقاتهم لأجيال متعاقبة.. وأصبح كل منهم وكأنه الوجه الثاني للآخر!!

[email protected]

فيديو “نظرية المؤامرة” ..أم.. مؤامرة النظرية؟

 

أضف تعليقك هنا