إسلام فنتا والطبقة الأرستقراطية

غريب أمر الحرية

تحولنا جميعا إلى مجموعة من المتنمرين على أخلاقيات وسلوك خلق الله جميعا، فما من هذا الرجل الحر إلا أن يجلس متكئا على أريكته الوسيرة ويخرج علينا بلسانه الجميل ويشتم ويسب فيما يريد وفيمن يستحق السب أو لا يستحق، فنحن في مجتمع حر.

ندوة ثقافية عن الفن ومؤشرات الابتذال

وبعيدا عن السياسة التي أصبحت أَمل منها وأجذع من تطوراتها القذرة التي سوف تودي بمتابعيها إلى مشانق الانتحار الوشيك، ذهبت إلى ندوة في إحدى قصور الزمالك العريقة لأحضر ندوة ثقافية عن الفن ومؤشرات الابتذال، من العنوان شعرت أنني مُقبل على قوم من مُرتدي الطرابيش الحمراء وحاملي النشاشات المصنوعة من شعر حيوان منقرض حديثا، لذا لم تعد النشاشات بدورها موجودة.

وجدت نفسي ميالا للذهاب إلى هذه الندوة لما أعانية من فراغ محدق وروتين قاتل فالأيام متشابهات، فلا فارق بين الإثنين والأربعاء فكلها تمر بنفس الخطوات الهادئة كأنها الإعادة، الندوة كانت في السابعة مساءا يوم الثلاثاء الماضي، في يومها كان لدي دراسة في الصباح وعمل متراكم على يجب أن يسلم خلال أيام قليلة لكني أريد أن أهرب من كل الضغوط وتغيير وتيرة الواقع المزيف المحيط بي والحاضن لأفكاري العاهرة والمختلة كما يظن البعض.

ذهبت إلى الندوة لأجد عددا لا بأس به يملؤ القاعة، الأعمار تترواح بين العشرين والثمانين والغالبية ما فوق الأربعين، هنالك موسيقى هادئة في الأجواء، أعتقد انها سيمفونية موتسارت الحادية والأربعين، الإضاءة خافتة على الجمهور ساطعة على المتحدثين من فوق المنصة ،ناقدة فنية شابة تتحدث عن حقبة أفلام المقاولات في الثمانينيات واستمرار هذه الظاهرة حتى الآن ولكن اختلفت العباءة التي تحتضن العمل الفني من الثمانينيات حتى الآن .

جلست في آخر القاعة وأجهز نفسي كي أغط في نوم عميق أو حالة من السرحان الوجودي خلال الندوة المعادة والمكررة كثيرا قبل ذلك، فكلنا نعرف سينما المال والهدف من وجودها فأي مقاول هدفه الربح أيا يكن المُنتج الأخير، نظرت إلى السيد المحترم المجاور لي فوجدته ينظر في مكان آخر غير مصدر الصوت لأجد مصدرا أخرا وهو مصدر الصورة حيث تجلس فتاة جميلة بشعر أصفر طويل وذراعين لا يشعران بالبرد، فابتسمت وأخرجت هاتفي لأجعله صامتا كي أنام في أريحية، فليس هناك جديدا يُقال .

يجب أن نعيد تأهيل قاطني العشوائيات فهم السبب فيما نحن فيه من تأخر وابتذال وإسفاف، هكذا خرجت الجملة من فم إمرأة أرستقراطية من ملابسها الباريسية وطريقة حديثها عرفت مدى الرفاهية التي تعيشها هذه الحسناء بفعل مساحيق التجميل، وبدونها سوف نفاجأ بتأثير العمر قابعا في تجاعيدها، لا أعرف لم شعرت بالضيق من هذه الجملة الطبقية المستفزة، فسبب هذا الهياج الشامل من هذه المرأة والكثير من الطبقيين أمثالها كان بسبب تطرق الناقدة الفنية إلى موضة المهرجانات الشعبية السائدة الآن .

أنا أحد المتيمين بفيروز آنا توجهت دندناتها

ولكن هذا لا يعني أنني أقارن بينها وبين المهرجانات التي أيضا أستمع إليها فهذه حالة مزاجية وهذه حالة أخرى، لي صديق يجلس معي على المقهى يحب الموسيقى الشعبية ويفضلها على الكلاسيكية فهذا رأيه وذوقه ولا أسفه منه ولا أجبره على سماع فيروز معي، ولكن يحكمنا مبدأ الخصوصية وسماعات الأذن، باب النقاش مفتوح داخل القاعة وأغلب الآراء ساخطة على موسيقى المهرجانات ومن يسمعها، وإنما وصل الأمر إلى التحقير من مُريدين هذا الإتجاه الشعبي، ليطلق أحد الجالسين مُسمى أبناء عدوية _نسبة إلى أحمد عدوية_ على كل المغنيين الشعبيين وأصحاب موسيقى الخبط والهبد “المهرجانات” .

حصلت على الكلمة بعد مجهود مضن في رفع يدي ووجهت الكلمة للجميع وليس لقائدة الحوار فقط حيث أشرت إلى اختراع الريموت كونترول فمن لا يعجبه شئ لا يستمعه، وليس من حق أحد أن يسفه من الآخرين أو يقلل منهم، فلكل شخص ذوقه الخاص الذي يفضل به الأشياء المشكّلة لشخصيته، وعلى الرغم من ذلك نحن نحاول أن نكون ديكتاتوريين في جعل الجميع يستمع إلى الموسيقى التي نفضلها، وكم هو الآخر جميل فنطوى على موسيقاه ولم يفكر في إجبارنا عليها.

الموسيقى الشعبية

لاقى كلامي استحسانا من القليلين ولكن ظلت الأغلبية عند مبدئها المُعادي لهذه الموسيقى ،وفي نهاية الجلسة القصيرة نسبيا وجهت لي احدى الصديقات سؤالا جميلا حيث أكدت أنها تستهوي الموسيقى الشعبية في بعض أوقات الجنون ولكن هذه الموسيقى تفتقر إلى الخيال والجماليات وبالتالي لا تعتبر اتجاها موسيقيا يمكن الإعتراف به، فجاوبتها أن هنالك ما يسمى “بالمعاناة” حيث تتجسد في قلب الإتجاه الشعبي ومضمونه الراسخ في الكلمات قبل اللحن الخجول الذي يحاول أن يخفي فقره في الصراخ فوق النوته والقواعد الموسيقية ، أخذت قلما وورقة وقلت لها سوف أقول لكِ مجموعة من العبارات المُغناة في أحدى المهرجانات وأنتِ اصدري حكما .

وكتبت لها كلمات مهرجان الشاب إسلام فنتا “صباح بوغاشا” الذي أحفظ أغلب جمله، وبعد أن قرأت قلت لها هذا شاب يعاني من الحياة البائسة والضيق المادي الذي يفرضه الواقع الذي يعيشه، والفن هو نتاج المعاناة ولكن الادوات التى يملكها هذا الشاب هي التى أخرجت المضمون بهذا الشكل النهائي قد يكون صراخا كما يُقال، ولكن حينما يفيض الكيل بكِ في هذه الحياة، فإنكِ تصرخين .

فيديو مقال إسلام فنتا والطبقة الأرستقراطية

 

أضف تعليقك هنا

عبدالرحمن حسين يادم

عبدالرحمن حسين يادم