جيل الثورة

لم يخطر لنا يوما أننا سنقوم بفعل يوصف بالمعجزة، لم نكن نعلم أن الفجر سيولد من حناجرنا نحن الذين كنا كأننا ما رأينا الصباح يوما قبل ثوراتنا، كأننا ما سمعنا أصواتنا قبل الهتاف، كنا نولد مع كل ثورة جديدة، وكل أول يوم فيها ميلاد جديد لنا، وانبعاث آخر ما شعرنا أننا موجودون قبل ذلك.

الثوار بالشوارع يهتفون، ونظراتهم لبعض تختصر كل الكلام وتقول “لقد فعلناها” وآخر بدمعه يتساءل “أحقا فعلناها؟!” فيجيبه دمع الآخرين ” نعم فعلناها”، ومن خلف الشاشات ينظرون كذلك بصمت ونظرات عيونهم تقول”أحقا ما أرى؟”، والقلب يطرب على صوت الهتاف ويهتف

لقد رأينا وسمعنا بقلوبنا قبل عيوننا

وصرخ الجرح الساكن فينا، لم يكن الصوت المندفع من حناجرنا سوى همس وصدى خفيف لصراخ قلوبنا لإحساس الوجود الذي أغموه وظنوا أنهم قتلوه، وصحى كالمارد فينا.

حين تكون الفرحة مفرطة لدرجة لا يحتملها القلب، يبكي لدهشته، وما أدهش أن ترى معجزة الزمان، معجزة حلمنا كثيرا بما ستوصلنا إليه من نعيم ، لكن لم نكن نعرف الطريق لهذا النعيم، وها قد عرفناه، بعد أن صدقت عيوننا ما ترى وآذاننا ما تسمع، وسمعنا أصواتنا لأول مرة بدأ الحلم.

حلمنا بأوطان تبادلنا الحب بأوطان نفخر بها، حلمنا بوطن نملكه كما يملك قلوبنا نسكنه بحق كما يسكننا، وطن لا يعذبنا لأننا أحببناه، ويقتلنا لأننا أردنا له الخير والعلا ، لا غرف تحقيق ولا أعواد مشانق لا عذاب ولا آلام.

أخيرا سنرى الشمس

ولن يذهب كل معارض للفساد وراءها سنرى الشمس، وسنعيش بفطرتنا أن الاختلاف هو أكثر شيء طبيعي فينا، ومن يعارض بحق وعلى بينه لن يغيب عنه نورها، وله أن يتقدم الصفوف، حلمنا بالحياة بالحرية بالكرامة بالأمل بالحب بالرخاء بمواكبة المسير للعلا، والعودة للصدارة كسالف عهدنا.

كان الحلم ربيعاً أخضر وردياً مزهر ابيض نقي كصفاء قلوبنا حين اجتمعنا وقررنا أن نهتف، بل حين قرر الجرح الساكن فينا أن يصرخ بكل ما أوتي من قوة ليستفيق الحلم بالرغم من أنه حين استفاق نتج عنه ألم فاق كل وصف، لكن جرح الكرامة فينا كان مصراً على الصراخ مهما نتج عنه من آلام مبرحة حتى الموت ما دامت احتمالية الحياة موجودة، وصاحب الهتاف إما أن يموت كنتيجة لصراخه، وإما أن يشفى، وتتحقق حياته الحقيقية، وكلاهما فيه حياة، فان عاش سيحيا، وإن مات فله بمحاولته حياة الثائرين، ورسم بدمه خط سيٍرِ للباقين، أما الصمت فهو حياة كالموت بل هو موت فعلي لكن بالبطيء، وحين أطاعت عقولنا غير المدركة للحدث العظيم رغبة قلوبنا، وسارت بالطريق الذي له بكل قلب خريطة اجتمعنا دون أن نشعر، ودون قرارات مسبقة بنفس المكان، وقررنا أن نحيا، قررنا أن نعيش لنحيا لا أن نعيش ننتظر الموت، قررنا أن نحيا كراما.

كان هذا الاجتماع العظيم هو أعمق نقطة بالحلم بمعانية، وإن كان فعلياً هو بداية الحلم، كانت بداية موفقة، بل بلغت من التوفيق الإلهي درجة المعجزة التي قلبت قوانين الرياضيات والهندسة، والكيمياء، والمنطق، وحتى قوانين الموسيقى التي من نتائج الاجتماع كان أن ابتكر المجتمعون ألحانا أجمل من كل ما غني وعزف بتاريخ الموسيقى، وكانت هتافاتهم هي الموسيقى التي تفرض عواصف من المشاعر المتداخلة ببعضها داخل سامعها ومغنيها، وكان الاجتماع مختلفا حيث كسر قانون الرياضيات القائل أن واحد زائد واحد يساوي اثنان بل جعل أي عدد مهما كبر يساوي واحد من حيث المكنون القلبي، وجعل الواحد يساوي قوة أي عدد كبير من حيث العزم، وحين الاشتباك، وتلك المساحة الهندسية التي يحتاجها الفرد للوقوف باتت تتسع لشخصين وأكثر، فالذي يهتف ورافعه، والمصاب ومسعفه، والشهيد وحامله، وتراص صفوف تحفها الرغبة المشتعلة على أن تكن النهاية كذلك موفقة، وذاب الجميع بالجميع، وتجاذبت العناصر وانصهرت داخل الجمع رغم أن بعضها منطقيا غير قابل للانصهار.

لم يكن معظمنا يعلم أن الثمن باهظ  لهذا الحد

لم نكن نعلم أن أحلامنا مكلفة لهذه الدرجة، بل أن حلمنا من الكبائر المحرمة بنظر الكابوس الواقعي الذي أحال واقعنا أسوء من أسوء كابوس لأننا حلمنا، وزاد كابوسنا سوادا فرقة في الصف بحت أصواتنا بالدعوة لسدها، بالرغم من انه وللإنصاف جله تمحيص رباني، إلا انه أيضا لا ينكر ذو بصيرة فرقة بين الأشقاء ستلتئم بإذن الله لو صدقوا.

هذا الكابوس الذي انقض كوحش مفترس وأراد بكل ما أوتي من شراسة أن ينهي أحلامنا، وظن إذا ما الرصاص اخترق صميم الحالم فسيموت الحلم، وكلما كان صوت القذائف أعلى قضت مضاجع الحالمين بشكل أسرع فيستفيقوا، وينتهي الحلم، فأشعل الساحات نيران، وأمطر علينا الرصاص والقذائف، وبالفعل اضطر الحالمون للنهوض مفزوعين من كم بشاعة الكابوس الذي اخترق أحلامهم، لكنهم استفاقوا لينهضوا، لينهضوا بوعيهم وإدراكهم وعلمهم فأحلامهم لن تحقق بالحب، وأوطانهم لن تعمرها الأمنيات، والتي بفعل الكابوس تغيرت عند البعض، والحب لم يكن صادقا عند الجميع، والكابوس بقدر ما كان بشعا ومدمرا كان كذلك منحة، وحافزا لان يعي الحالمون الطريق الصحيح نحو أحلامهم، وكفيل بأن يعرف من هم الحالمين الحقيقيين.

حلمنا والحلم مستمر، و للحلم بقية

سنحلم وسنحقق الحلم، وأجسادنا هي الجسر الذي سيعبر عليه البقية لفضاء النصر والحرية.

نعم نحن جيل الثورة ، نحن طلائع الفجر، نحن جيل الثورة برغم ما قيل وسيقال وسنبقى باكورة صبح هذه الأمة، والروح التي بعثها الله لتبعث الحياة فيها من جديد بعد السنين العجاف، ومن رحم آلامنا سيولد الفجر، وللميلاد مخاض وللمخاض ألم وهذا هو الذي نراه وسيتمخض عنه الميلاد الجديد لأمتنا.

نحن جيل الثورة

وإن لم يكن الوصول بأيدينا فنحن من بدأ الطريق رغم إصرارنا على إكمال المسير لان التوقف عن الحلم والثورة و نسيانهم أمر فوق طاقتنا جميعا لان الثورة وأحلامنا ترفض أن تموت، ونحن لن نقتلهم بالتناسي لان هذه أمر يفوق قدراتنا البشرية .

نكتب ليعلم من سيأتي بعدنا أننا والله لم نأل جهدا، ولم ندخر شيئا خفية عن الثورة، اجتهدنا فأخطئنا وأصبنا ، وأننا فعلنا كل ما بوسعنا وكل ما يمكن، بل حتى المستحيل بنظر الكثير، وهو الثورة ذاتها، وأننا والله ما أردنا سوى رفعة هذه الأوطان وأهلها، وبما أن حجم الفساد اكبر من كل محاولات الإصلاح التي لم تتح لنا أصلا، فكان آخر العلاج الكي، فثرنا، والثورة مستمرة.

فيديو مقال جيل الثورة

أضف تعليقك هنا