عبد الحليم الغزي، طريق جديد أم انحراف خطير عن المنهج الحوزوي؟

الحوزة العلمية

دأبت ومنذ ولادتها على منهج ظاهري وهو الالتزام بالكتاب والسنة النبوية والنبوية ولعل الاختلاف الذي وقع في الماضي في فهم الامامة والخلافة و النصوص الشرعية أدى مؤداه إلى فتنة في صدر الإسلام أسفرت عن حروب بين المسلمين منذ وفاة النبي الاكرم ص إلى يومنا هذا.

ومن المفارقات الغريبة أن يتحول الكثير ممن اعتنقوا المذاهب إلى مذاهب أخرى ويتصدوا إلى قيادة المذاهب المخالفة لهم منذ وقت قريب فالإمام أبو حنيفة النعمان ابن ثابت كان زيديا يقول بامامة زيد الشهيد ابن الإمام علي زين العابدين ع ثم أسس له مذهبا جديدا ولعله الأكبر الآن بين المسلمين والذين يطلق عليه المذهب الحنفي وتبعه الشيخ أبو يوسف القاضي وغيرهم من فقهاء الاحناف.

كما ان الشيخ الطوسي كان شافعيا واعتنق المذهب الامامي ليؤسس مدرسة النجف الدينية الحوزة العلمية ليكون هو العمود الفقري من خلال كتبه وبحوثه وارائه وتنظيره للمذهب الامامي الجعفري الاثني عشري ومن هذه الإشكاليات ان الكثير من الكتاب والمعاصرين اتهموا قادة فكروا تحولهم السريع من معارضين إلى مؤسسي المذاهب واتهامهم بالتسنن والتشيع ونسوا بأن المنهج الإسلامي واحد ولم تكن هناك اجتهادات وفروع ومذاهب في زمن النبي الاكرم ص.

الشيخ عبد الحليم الغزي وإشكالاته على رجال الدين

وهذه مقدمة يسيرة لإلقاء الضوء على التداخل بالمذاهب والاجتهادات ولنأخذ مثالا واضحا الشيخ عبد الحليم الغزي وإشكالاته على رجال الدين والحوزات العلمية والأدلة وقبل الخوض بالحديث حول هذه الظاهرة لابد أن نعرف من هو الرجل وكيف نشأ عقله ومن أين أتى بهذه الأفكار الجديدة والغريبة.

على الأغلبية الشيخ عبد الحليم الغزي ينحدر من أصول جنوبية من مدينة الناصرية ومن الشطره تحديدا محامي درس القانون ثم انضم عام 1979 الى الحزب الإسلامي في العراق وهو حزب الدعوة والذي أسسه المفكر السيد محمد باقر الصدر ثم هاجر إلى إيران بعد ضغوط من قبل رجال الامن العراقي وحكم غيابيا بالاعدام لانتمائه للحزب المذكور.

التحق بمعسكرات حزب الدعوة داخل ايران، عمل خياطا في المعسكر وكان كثير القراءة والاطلاع، ذكي حافظ للنصوص والقران الكريم والتفسير الروائي وكان محاضرا في نفس المعسكر أستاذا للعقيدة الشيعية الاثنى عشرية. ثم تحول الى مدينة قم الإيرانية والتي تحتضن قبر السيدة الفاضلة فاطمة بنت الامام موسى ابن جعفر عليهما السلام والتي يطلق عليها عرفا اسم ( فاطمة المعصومة ع ) درس أصول العقائد متجردا عن الانتماءات فابدع في ذلك وصار له اتباع وطلاب ومريدين. بعد أن تتلمذ على يد الشيخ محمد علي اليعقوبي وبعض العرفاء الإيرانيين من مدرسة الشيخ حسين قلي الهمداني والذي يسكن مدينة مشهد والتي يضم قبر الامام علي ابن موسى الرضا ع ومازال حيا يقطن هناك بحث بجد عن العقيدة الإسلامية والامامية بعد ان استقر في قم وقويت شوكته حاربته الأحزاب الشيعية مثل المجلس الأعلى الذي يتراسه السيد محمد باقر الحكيم وحزب الدعوة الذي تراسه الشيخ محمد مهدي الاصفي وكلاهما من المدرسة الكلاسيكية التقليدية الأصولية وبدأت الاشاعات والحرب على هذا الشاب العراقي الجنوبي والذي أطاح بالكثير من الأفكار الأصولية والحزبية وكشف المستور من الأفكار الغريبة والتي هي اخوانية تسللت الى المذهب الامامي منها أفكار سيد قطب وحسن البنا مما جعله عرضه للتامر والاعتقال في مدينة قم الإيرانية وتلفيق قضية اغتيال الشيخ محمد مهدي الاصفي لاتباع الشيخ الغزي واعتقاله وطرده من ايران كي يستقر في لندن منذ عام 1995 وسجل له فيديو يعترف فيه على انحرافاته واساتذته وكيف خدع الكثيرين وكان هذا الفيديو هو ثمن اطلاق سراحه وهروبه عبر الباكستان الى المملكة المتحدة وقد صدم الغزي اغلب طلاب العلوم الدينية باشكالاته وافكاره الخطيرة على الوجود الديني في قم والنجف من خلال استقراء الروايات التاريخية والنصوص الروائية والتي تتعارض اغلبها مع المنهج الحوزوي العام الذي اسسه الشيخ الطوسي وسار عليه اسلافه وأتباعه.

ومن الإشكالات التي ذكرها كانت كثيرة جدا سنستخلص منها المهم والمقتضب وهي كمايلي :

1- لاتوجد نصوص واضحة على التقليد والذي هو بمعنى القياس العقلي البعيد عن الروايات لان فيه استحسانات عقلية وقواعد لم يذكرها اهل البيت ع بشكل واضح كما نص عليها الحديث الوارد في التقليد او الاتباع ( من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه ) وهذا الحديث ان صح او الرواية فانها مبتورة لم يكملها علماء الاجتهاد والمراجع لان فيها تتمة وهي ( وان من الفقهاء من هم اشد على شيعتنا من جيش يزيد ابن معاوية لع )

2- لاوجود لنصوص الخمس المختص بالمراجع المستأثر به في زمن الغيبة للامام المهدي عج وما قامت به المرجعيات من عبث وتصرفات طائشة هم واولادهم وذراريهم ولم يكن لعامة فقراء الشيعة فيه نصيب علما ان هناك روايات تبيح الخمس للشيعة بشكل مطلق ولا توجد رواية واحدة ان الخمس يجب ان يدفع لمن يقلده العوام من أمور دينهم وغاية مالهم بيان الاحكام من خلال الروايات فقط كما جاء في النص الواضح والصريح ( فارجعوا فيه إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله )

3- ن الأدلة العقلية لايمكن ان تصلح لاستنباط او استخراج الاحكام الشرعية لانها عقلية مجردة عن التسليم للنص والاطاعة لله في الكثير من النصوص والتي تبدو بظاهرها مخالفة للعقل المجرد ولم يامرنا النبي وال بيته الكرام بالاعتماد على الأدلة العقلية المجردة بل الى رواة الحديث واشكل عليه بان الاحاديث قطعية الدلالة ظنية الصدور فعليه لابد من التأكد من صدور الاحاديث من خلال الرواة الثقاة كما ان القران الكريم كتاب الله قطعي الصدور ظني الدلالة فتوجب البحث عن قواعد التعارض والناسخ والمنسوخ والاستحسانات العقلية او ادلة العرض فاعرضوه على كتاب الله فما خالفه فاضربوا به عرض الجدار او دعوه لاهله وقت ظهور الامام عج.

4- واما اشكاله الخطير فالحوزات العلمية الان ومناهجها تدرس الفروع للدين والماخوذة من المخالفين واشكل على الشيخ الطوسي وافكاره المتاثرة بالمدرسة الشافعية وانها موافقة لمدارس المخالفين للشيعة الامامية وعليه فالمنهج المشهور الان تحت مسمى الشيعة ليس شيعيا خالصا بل هو من تاليفات رجال تأثروا بالمدارس الأخرى غير الإمامية فلا يمكن ان يتبعوا مطلقا لانه ليس منهجا اماميا واضحا بل هو عبارة عن خلط أوراق ومغالطات ومناهج بعيدة كل البعد عن اهل البيت ع وما أرادوه من سنة حقيقية فاعتبارهم عدل القران الكريم كما قال رسول الله ص ( اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )

وماذكره عبد الحليم الغزي من إشكالات انما هي مردودة من قبل الحوزات العلمية كمنهج التقليد والأصول والفروع والخمس والاذان والشهادة الثالثة وخلافات كثيرة لايمكنني استعراضها في هذا المقال ولكن الكلام هو لماذا ظاهرة الغزي وياسر الحبيب وحسن الله ياري وغيرهم ويبدو ان هذه الظاهرة نشات مع التطرف السلفي للمذاهب المخالفة وبالمقابل نشات قنوات صفا ووصال وقنوات أخرى ويبدو ان المشهد للافكار الإسلامية ترعرع ونشأ سريعا وأدى إلى صدامات عسكرية مسلحة ابتدأت من الاخوان المسلمين الى العرب الأفغان ثم القاعدة وداعش والنصرة.

وبالمقابل نشوء نتوءات منها كثيرة تأدلجت تحت عنوان الأحزاب الشيعية منها حزب الدعوة وحزب التحرير ثم الأحزاب المدعومة إيرانيا من فصائل الحشد الشعبي إلى اتباع مقتدى الصدر والكل لهم ذات النظريات مع تكفير الاخرين ولكن عبد الحليم الغزي اشكل على طريقة التدريس والبناء الفكري فقال لابد ان تدرس بشكل مغاير وجديد ومعاصر لان الغزي طرح أفكارا لم يعتنقها أحدا وهي شيء جديد على الساحة والوجود الشيعي والذي أثبت إطاعته لمرجعية السيد السيستاني في فتوى الجهاد الكفائي وتطهير العراق من داعش والإرهاب لكن الإشكالية فكرية وسيبقى بالرغم من استعداد مقلدة المراجع على الصعيد النفسي لمواجهة وقبول الحقيقة وان كانت مرة وبعيدة عن اهل البيت ع ومنهجهم الحق والتحمل لأقصى غاية وتحمل قساوة الأحكام التي تصدر من المعابد في الانفراد بالحقوق والبذخ الحوزوي ودراسة الكتب القديمة والعقيمة والتركيز على فروع الدين والدماء الثلاثة والإماء والعبيد وتفاهات لا تقدم ولا تؤخربل هي ضياع جهور وعقول وتسطيحها كما ان هناك الحلقات الخاصة المقربة للمراجع واولادهم واحفادهم ومعيتهم من الحواشي السقيمة وعادة هؤلاء جهلة وابواق دعائية فقط تراهم كانهم يعرفون كل شيء وماهم الا معاقين عقليا وفكريا كما انه لايمكن قبول اختزال كل المذهب والفكر الديني باشخاص مترفين بعيدين كل البعد عن المنهج الإسلامي او الامامي المعتدل فقد طرح عبد الحليم الغزي الموضوع بشكل واضح وبين لايخفى على ذي عينين واراد ان يقول ان الكل يخضع لدراسة فاحصة وتدور حوله الشبهات مادام هو غير معصوما وان كان مرجعا او مفتي او كاهن اعظم فلابد ان نبدا بنظرية الشك حولهم لننتهي باليقين اما الفسق والانحراف واما التقوى والخوف من الله والعدالة وتحقيقها في اعلى حلقات ما يسمى بالمرجعيات الدينية.

كما ذكر ان المراجع لابد ان يكبحوا جماح الهوى على الأقل تجاه أسرهم وأصهارهم وان يكونوا حقا عدول حسب الرواية المشهورة صائنا لنفسه مخالفا لهواه ؟ ويكفينا اننا الان ننام على وسادة محشوة بحقائق تكفي الواحدة منها لان يتشظى المرء غيضا وكمدا وحسرة في حين هناك من يروج ويدجل للاخطاء ويعتبرها بطولات اسطورية غريبة لانه من القسم الصامت المستفيد وبين منهج الغزي الإصلاحي وشبهاته الجديدة يبقى الصراع وتنعدم الثقة بين المنهج القديم واتباعه الفقراء والمساكين من عامة الناس الذين يتبركون بالصور ويضعون الحناء عليها وهي صور سرقت أموالها من حقوقهم واعتاشت على دمائهم في حين هم يعتبرونها المخلصة لهم يوم القيامة من نار جهنم ولم تدرك هذه الشريحة ان الانسان سيدخل باعماله اما جنة عرضها السموات والأرض او نارا خالدين فيها فلا واسطة ولا انساب بينهم يوم القيامة كما ورد في قول الامام جعفر الصادق-ع-

( من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، ولا تنال ولايتنا إلا بورع واجتهاد وعفة وسداد ).

وبين الحوزة العلمية وفهمها الخاطئ للنصوص واستغلالها لعامة الناس وبين إشكالات عبد الحليم الغزي تبقى فراغات وأسئلة خطيرة سيكشفها الزمن وبمرور الوقت سندرك الحقيقة وان كانت مرة وسنتقبلها لأننا عقلاء وسننبذ الخطا من أي كان فلا عصمة ولا كمال الا للنبي وأهل بيته الاطهار ع قوله تعالى

( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ).

فيديو مقال عبد الحليم الغزي، طريق جديد أم انحراف خطير عن المنهج الحوزوي؟

أضف تعليقك هنا

د. صلاح الفريجي

د. صلاح الفريجي