كرة القدم…الأوبرا التى يعزفها البشر جميعا

كرة القدم هى اللعبة الشعبية الأولى فى العالم، نجد أنفسنا فجأة متيمين بها ومتيمين بعشق أحد الفرق ولكن يبقى السؤال

لماذا نفرح لفوز الفريق الذى ننتمي له؟

ولماذا نحزن عند هزيمة فريقنا المفضل ؟

يقولون ان الشباب العربى لا يجد مايشغله ولاينتمى لقضية يدافع عنها لذلك لايجد غير الكرة ليهتم بها وفريقا يجد عنده بعض الانتماء.

لو افترضنا أن هذا صحيحا فماذا عن الأطفال والشيوخ وعشقهم للكرة !!

ماذا عن أهل فلسطين المحبين للكرة وغيرهم ذاقوا ويلات الحروب ألا يجدوا قضية تشغلهم .

وماذا عن الدول الأوروبية واللاتينية الغنية منها والفقيرة

كل هؤلاء لايجدوا ما يشغلهم ويبحثون عن بعض الإنتماء لشيء ؟

فلنطرح كلام هؤلاء الفلاسفة الذين لايجدون شيئا فعلا يشغلهم في الحياة فيمنون علينا ببعض أرائهم .

ولنبحث عن إجابة السؤال لماذا نعشق الكرة

في البداية أعتقد أننا نحب كرة القدم لأنها تشبه رواية جميلة لاتنتهي أحداثها

قد تصدمنا بعض فصولها وقد نشعر بالملل من فصول أخرى ولكن تظل الإثارة تطل برأسها من معظم فصول الرواية

كل فصل عبارة عن تسعون دقيقة من الجهد والعرق والكفاح وانتصار وهزيمة وانكسار وعزيمة

فرحة يشوبها القلق و فرحة هيستيرية

ترقب وحذر

كل تلك المشاعر قد تجتمع فى مباراة واحدة لكرة القدم

قصة حياة مصغرة نراها على الشاشة أو فى الملاعب كل مباراة

قصة حياة قد تمس مشاعر أحدنا

نرى المجتهد والملتزم ونرى المستهتر , نرى البطل النجم ونرى اللاعب المغمور المكافح

نرى التحول من الهزيمة إلى الفوز والعكس

لذا أعتقد أننا نحب الكرة لأنها تلامس مشاعرنا

تعطينا خليطا من المشاعر والأحاسيس الإنسانية فى ساعة ونصف هى عمر المباراة

نبحث فيها عن المساواة فالغنى مثل الفقير والكبير مثل الصغير

فلم تكن الكرة يوماً للأغنياء فقط

بالعكس فقد تعطي الكرة للفقير حتى لو لبضع دقائق إحساسا بالسعادة والرضا قد لايجده كثيرا فى الحياة

قد تعطينا الكرة إحساسا بالإنتماء إلى وطن يعانى

أو وطنا يتمزق من الاختلافات فننسى اختلافاتنا ونلتف حول الوطن والذى يمثله فى هذه الحالة منتخب كرة القدم

قد نفشل في عمل أو قصة حب ونجد عزاءنا فى مباراة لفريقنا المفضل

المهم أن الكرة تعطينا يوما ما شيئا نحتاجه في الوقت المناسب

لذلك يحب الأرچنتينيون مارادونا أكثر من ميسى فقط لأنه كما يقولون أعطاهم إحساسا بالسعادة فى وقت كانوا يحتاجون إليه

كما أن الكرة هى اللغة المشتركة المعترف بها عالميا فلا يهم أن أعرف الأسبانية لكي أشجع فريقا أسبانيا مثلا

كما أنك لن تجد للعنصرية مكانا فى كرة القدم إلا قليلا يذكر ولذلك نحب الكرة

ثم يجد كل منا نفسه منذ صغره متلبسا بحب فريق بعينه

قد نحبه لأننا رأينا الكبار يحبوه

أو لأننا أحببنا لاعبا فى هذا الفريق

أو لنختلف مع الآخرين على حب فريق آخر

أو لأن هذا الفريق لامس حالة من الوطنية فى يوم ما

أو وهذا رأي لأننا وجدنا فى هذا الفريق ما يمثلنا أو يمثل جزءا منا

المهم أننا نبدأ بحب فريق ما لسبب من الأسباب ثم يتطور هذا الحب إلى انتماء قد يفوق فى كثير من الأحوال الانتماء للوطن

ويتغلل هذا الانتماء ليصبح جزءا من كياننا

فنجد أنفسنا نتعصب لأننا نشجع جزءا منا ,ندافع عن رأينا

ندافع عن أخطاء قد نراها واضحة لنا ولكن لأنها تمثل جزءا من حياتنا نغض الطرف عنها.

وفجأة نجد أنفسنا نعيد ترتيب أولويات حياتنا وأيامنا على حسب موعد مباراة لفريقنا المفضل ونجد أن الحياة قد تتوقف فعليا لمدة ساعة ونصف فى احدى المباريات الهامة للمنتخب الوطنى ونجد أنفسنا نسرق من الزمن فرحة عارمة هيستيرية فى ليلة ما بسبب فوز المنتخب بإحدى البطولات.

ولذلك نحب كرة القدم كثيرا

وفى الأعوام الأخيرة وكأي شئ تحولت الكرة لصناعة واقتصاد وأداة فى أيدي رجال الأعمال وأصبح المال عنصرا أساسيا فى مفردات قاموس كرة القدم

ولكن يبقى حب الجمهور وشغف محبين الكرة هو المحرك الأساسي لتلك الصناعة

ويبقى دوما هذا الشغف هو السد المنيع ضد تحويلها لسلعة رائجة وقتية

ولانجد كلاما قيل عن الكرة أجمل مما قال الأدباء:

“فى كرة القدم كل شئ معقد مادام هناك خصم ” الفيلسوف والروائى الفرنسى جان بول سارتر

“كرة القدم قد تناسب النساء الخشنات ولكنها لاتناسب الرجال الناعمين” الروائى المسرحى الإنجليزى أوسكار وايلد

“إننى مدين بكل ماعرفته عن الأخلاق والالتزام لكرة القدم ” الكاتب الفرنسى الحاصل على جائزة نوبل ألبرت كاموس

“إن الحياة نفسها هى مباراة كرة قدم ” الكاتب الأسكتلندى والتر سكوت

“أغبياء أولئك الذين لايحبون كرة القدم إنها مثل القصة والرواية” الروائى والشاعر الإنجليزى الأمريكى الحائز على جائزة نوبل ت.س.إليوت

ولكن يبقى أجمل ماقيل بالنسبة لى هو ماقاله رئيس نادي برادفورد سيتي السابق “ستافورد هيجينبوثام ”

كرة القدم هى الأوبرا التى يعزفها البشر جميعا.

فيديو مقال كرة القدم…الأوبرا التى يعزفها البشر جميعا

أضف تعليقك هنا