لماذا التضامن مع فلسطين؟

هل ستقوم هذه الاحتجاجات بتغيير فعلاً؟

لاشك ان الحدث الأخير المتمثل في اعتراف أمريكا في شخص ترامب بالقدس عاصمة المسماة “اسرائيل” اثار ضجة كبيرة في ساحات الرأي العام بمختلف البلدان الاسلامية، بطرق متنوعة، بما في ذلك مواقع التواصل الإجتماعي و والوقفات الاحتجاجية لعدة هيآت على مستوى شوارع هذه البلدان، مما يستدعي التساؤل عن ما الغاية من امثال هذه الردود؟ وهل ستقوم فعلاً هذه الاحتجاجات بتغيير وإن كان محتشماً وطفيفاً في مجرى الحدث؟

لا تمر ساعة في اليوم إلا ونسمع نقاش مآل القضية الفلسطينية مثاراً بينما نحن مارين بالشوارع العمومية المزدحمة او خلال تصفح صفحتنا على الفيسبوك، وبين هذا وذاك ، نجد من جهة حركات اجتماعية ذات خلفية اسلامية تتعاطف مع القضية باعتبارها قضية الامة الاسلامية والعرب بطريقة من الطرق، ومن جهة أخرى التيارات اليسارية التي تعتبرها قضية انسانية تستحق التضامن المبدئي واللامشروط، بينما نجد طرفاً ثالثاً لا يعترف بأحقية الشعب الفلسطيني في هذه الأرض أصلاً.

بعبارة اخرى، فالحركات والجماعات الاسلامية تفاعلت مع الأمر لاعتبارهم أن المساس بالقدس هو مساس بأحد مقدساتهم، بمعنى آخر، الارتباط التاريخي منذ واقعة الاسراء والمعراج، ثم فتح القدس على يد عمر بن الخطاب.. وتوالي الأحداث إلى أن جاء الانتداب البريطاني و”سلمها للكيان اللقيط، وهو الكيان الصهيوني (وعد بيلفور)”، وخلال نقاشنا مع احد المسؤولين في أحد هذه الحركات، أكد ” أن القضية ذات طابع وجودي ، وذلك ان المعركة بين المسلمين واليهود أزلية في اصلها، والدليل على ذلك ما جاء به القرآن الكريم”. كما اشار إلى النبوءة التي تقول بالمعركة الاخيرة التي ستحدث بين المسلمين واليهود.

ما الذي غيرته الاحتجاجات التي خرجت في الربيع العربي؟

وليس هذا فقط، وإنما يجيب على السؤال الذي طرحناه سابقاً عن الغاية من امثال هذه الردود والتضامنات ب” تبرئة الذمة امام الله وامام التاريخ. الى جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان على الاقل، ثم توعية العامة بالقضية الفلسطينية” وانتهى بطرح سؤال مفتوح ” ما الذي غيرته الاحتجاجات التي خرجت في الربيع العربي؟”

وفي قالب السؤال هذا يتساءل آخر:” ماذا ستقول لله عندما يسألك لماذا لم تنكر المنكرات التي تراها حولك، على قدر طاقتك في الانكار، ولماذا لا تنصر اخوانك قدر وسعك؟؟؟”

ولربما هكذا اقتنع هذا الاتجاه للوقوف الحقيقي بكل قوة مع الشعب الفلسطيني المقهور المظلوم الذي صودرت حريته في ارضه ابتداءً من سنة 1948.

القضية الفسطينية قضية ذات أبعاد إنسانية كبرى

ولكن من جهة ثانية، تفاعل نشطاء حقوقيون مع القضية لكونها في نظرهم قضية انسانية بمعزل عن الغلاف الديني، لذا نجد تعاطف أي انسان “نبيل يكره الظلم ويكره الاستعمار ويحب العدل” فتعاطف مع القضية الفلسطينية شخصيات غير عربية ولا اسلامية او مسيحية، بل وشخصيات يهودية ترفض الصهيونية بكل اشكالها وترفض قيام دولة “اسرائيل”.. اذ نجد على سبيل المثال وليس الحصر جماعة ‘ناتوراي كارتا’. والتاريخ هنا كافي ليتبث احقّية الشعب الفلسطيني في ارضه، ونستشهد هنا بقول الدكتور محسن صالح في كتابه ‘الحقائق الاربعون عن القضية الفلسطينية’:

” إن القضية الفسطينية قضية ذات أبعاد إنسانية كبرى، إذ تمثل صرخة المظلوم في وجه ادعياء حقوق الانسان وتكشف المعايير المزدوجة وسوءات النظام الدولي الجديد”

هذا يجعلنا نتساءل بإحباط، أين الحكام العرب خاصة والمسلمين عامة من كل هذا؟ والى متى سيظل الصمت حلهم الوحيد والاوحد؟

للتدقيق في الأمر، يمكن القول. أنه بالرغم من الصمت الذي يُسيِّج أفواه المؤسسات الكبرى في العالم (العربي) الاسلامي إلا ان الشعوب من خلال تحركها ابانت عن وعيها بالقضية وساندت بطريقة او بأخرى الشعب الفلسطيني، ويبقى نموذج الدولة التركية الصورة اللامعة هنا شعباً ومؤسسات وحكومة..

ويعبر عن هذا الشرخ بين مؤسسة الدولة والشعب، قول -احد المشاركين في المسيرة المليونية بالعاصمة المغربية الرباط-:

” نعتذر لك يا قدس لكن فوالله ما باليد حيلة ومالنا غير حناجرنا، فقد جبنا كل الشوارع داعين لك بالنصر و كلنا حرقة وقلوبنا تنزف، وسيشهد التاريخ أن حكام امتنا خذلوك وتركوك وحيدا”

ولكن بالرغم من كل هذا وذاك نجد تياراً ثالثا يحتج على التضامن مع القضية الفلسطينية، اذ يقول احدهم

“من أراد التغطية على قضايا الفساد والفقر والاستبداد والأمية وكل كارثة ومصيبة في الوطن العربي، فليذكر قضية فلسطين”

كما انا من بين آلاف التدوينات التي تصب في هذا الاتجاه نجد تساؤلا يقول “بم نصرتم فلسطين اكثر من تغريدات وتغيير صورة لبروفيل؟”

غير اننا نرى أن امثال هذه التفاعلات غير متحيزة وموضوعية، ولا تستحضر البعد القيمي والتاريخي وحتى الواقعي للقضية، ولربما تكون المبادرة في هذا التيار انتاج صهيوني مستعرب او ناقم على فلسطيني “تهاوش” معه، او ساذج التفكير. والاصل القول “ان فلسطين قضية الشرفاء”.

وختاماً نستحضر قول أحد الناشطات في أحد هيئات المجتمع المدني أثناء حديثنا معها جزمت

” إن تحرر فلسطين رهين التحرر الفكري للشعوب الأخرى وانتشار الوعي. إلى جانب تخلص بعض الحكام من جبنهم وخوفهم الهستيري”.

فيديو مقال لماذا التضامن مع فلسطين؟

أضف تعليقك هنا