الفلسفة المجتمعية (الغريزة و المنطق ) 1

بقلم: محمد علي محمد دقنيش

تعلمت صغيراً أن الله قد خلق البشر جميعاً و ميزهم بالعقل عن سائر الخلق، و أن ما نراه من الحيوانات هي تصرفات غريزية بعيدة كل البُعد عن القيم الفكرية و لهذا نحن دائماً ما نأتي في المرتبة الأعلى في هذا الكوكب الضئيل.

الإنسان حيوان ناطق مفكر

ثم تقدمت بي السنوات حتى أسمعني أحد أساتذتي مقولة أن الإنسان حيوان ناطق مفكر و قد تعجبت حينها من قوله الفج، بالطبع كنت جاهلاً عن أرسطو و معاني كثيرة في هذه الحياة مقيداً ضمن عالم محدود، فكيف له أن يأتي بقول يُعارض منهجية الخلق و أن الله قد خلقنا أعلى من الحيوانات من طين غير ذي نسل الحيوان بصفاتنا و مجموعتنا التصنيفية؟ حتى وإن واتتني نظرية التطور التي وضعها الخواجة داروين .. فكيف لنا بكوننا حيوانات مميزة؟

فالنطق و التفكير هما مميزات أضيفت للحيوان علي حسب قوله و إن تنحى النطق عن الساحة فالببغاء طائرٌ ناطق هو الآخر .. و حتى وإن تذكرت داروين فنحن قد مررنا بما يسمح لنا بالانفصال عن هذه الكائنات في الصفات و غيره فنحن البشر الذين خطت أقدامنا على أقمار و بنينا ما اخترقنا به السحاب وما وصلنا به إلى الأعماق ….

الأمر محير

فلماذا سيتعارض اثنان علي حقيقة إلاهية ..إلى أن قابلتها ..تلك الغريزة التي دائماً ما تُعارض الواقعية و الأرقام , ما تمثل حزباً معارضاً للجبهة الفكرية و الحق يُقال أن من حين لآخر قد كانت هذه الغريزة علي صواب …شهوة و نزوات , خوف و يقين و إيمان ….أنت لم تحصل يوماً على البيانات اللازمة التحليل لتستنج حبك أو خوفك من شئ ما .. و لم تملك ترف الفكر حينما كنت صغيراً تتأمل وجه أمك و تلتمس فيه الحنان ..فذلك الصراع الممتد بين الين و اليانج في الإنسان  , بين غريزته و عقله ــ يمكنك أيضاً أن تدعوه بالقلب و أن تسميه ما شئت _.

هو أشبه بين صراع بين الأصل الحيواني و فكر المدنية الحديث و الذي ترى في مجمتعنا قوة الغريزة التي تسيطر على ما تبقى من فتات بشرية هشة، فأحياناً يُعد التخلي عن الفكر هو أكثر الحلول الباعثة على الراحة في خِضَم الأعباء الدنيوية التي لا يهدأ لها بالاً دون تقاذفنا بين أمواجها العاتية، فهي محاولة من محاولات الهروب العديدة التي يلجأ إليها العقل البشري و هي شبيهة بالغمامة التي لا تكاد تبين لنا الأحقية بين الكثير من الأكاذيب التي نحياها ….

أيقدر المحب على الوقوع في حبه بلا غريزة ؟!

أحقاً نحن حيوانات تفكر أم أن غريزتنا قد استمدها الإنسان الأول و هو يتأمل الحيوانات في البرية قديماً بين الأحراش العالية و الخطر الذي يهدده فاستطاع أن ينجو , حتى و إن نظرت للأمر من منطلق الأحاديث الدينية فقديماً أرادت غريزة قابيل زوجة هابيل و على الرغم من عقله الذي واجه واقع هزيمته لحق الزواج منها إلا أن غريزته لم تستلم فآل به لقتل أخيه …أياً كانت الأقاويل و الروايات فيظل الواقع هو الصراع الدائم بين الرغبات الغريزية و المنطق الفكري فتتساءل إن كانت هذه الغريزة هي نقمة أم نعمة ؟! هل يتمكن الصبي الصغير من التعرف على وجه أمه و أبيه بلا غريزة ؟! أيقدر المحب على الوقوع في حبه بلا غريزة ؟!

بقلم: محمد علي محمد دقنيش

أضف تعليقك هنا