ما لم نُحط به خبرًا

“السؤال”

منهج غريب فرض نفسه وقبلناه في محاولة لـ “تريح الدماغ” ثم ومع الوقت أصبح من الموروثات حتى أنه صار يندرج تحت قائمة الممنوعات بل إن أردت لوصفته في بعض الأحيان بأنه حرام ألا وهو السؤال.

الأسئلة التي لطالما شغلتنا جميعاً

كثيرا ما ينهر الوالدان أبناءهما لكثرة أسئلتهم مبررين رغبتهم في “تريح الدماغ” بأن تلك الأسئلة مازالت كبيرة لن يستطيعوا فهمها، أو أنها أسئلة لا يعرفون إجابتها، وفي أحيان كثيرة يحرمونها كالأسئلة عن وجود الله وأين يوجد فيتعاملون معها كما قال الفنان محمد شرف “احنا من أمتى بنسأل الأسئلة دي ياكلاوي؟” تلك الأسئلة التي لطالما شغلتنا جميعا وأخذت من ليلنا الكثير ولكننا أجبرنا على الصمت الذي كان خارجيا فقط ولكن داخلنا مازال يبحث عن إجابات لكل تلك الأسئلة التي أرقت نومنا طويلا.

نَمت الأسئلة داخلنا وكبرنا لنجد أن ذلك المنهج لم يكن فقط  حكرا على والدينا، بل هو نهج دولي عام، فتأتي لتنتقد ذاك ينهوك في إشارة لوقاحتك، تشير بأصابع الاتهام لذاك اللص صاحب السلطة يدينوك أنت، تسأل عن سياسات هذا يخبروك بأنك مازلت صغيرا على فهم سياسات الدولة الكبرى وتلك المؤامرات الكونية التي تحيط بنا وكأننا المطمع الوحيد لمجرة درب التبانة بأكملها، تتهم فلان بالتلاعب بالدين لأجل مصالح شخصية يكفرونك ولو استطاعوا لأقاموا عليك حد الردة فمن أنت حتى تتهجم على علمائنا الأجلاء المنزليين!.

هل الأسئلة والرأي والنقد، حرام وتسيء لصاحبها؟

وقد تكون الحقائق والأدلة واضحة أمامهم وضوح الشمس لكنهم تربوا على تلك المناهج التي ركلتها أنت وضربت بها عرض الحائط، هم تعلموا أن الأسئلة والرأي والنقد حرام تسئ لصاحبها وتحط منه، وأن أولئك أصحاب المناصب هم ملائكة منزلون معصومون من الأخطاء يعلمون دائما بما لا نعلم ويحيطون بما لم نحط به خبرا.

نظرية التقديس تلك والفرعون الذي نصنعه في كل منصب ومكان وننزهه عن كل خطيئة، كل أولئك الفراعنة الذين صنعناهم بأيدينا وانقلب السحر على الساحر لم يكونوا درسا كافيا يعلمنا، لم نتعظ أبدا أو نقف قليلا لندقق ونتحقق أن أولئك ما هم إلا بشر مثلنا يصيبون أحيانا ويخطئون أحيانا أخرى لهم زلاتهم كأي بشر، لم يتوصلوا حتى يومنا هذا إلى أن النقد والسؤال ليسوا أساليب هدم بل بناء، فلا وجود لغد أفضل إلا بتحليل ونقد اليوم وإلا سنبقى كذاك الذي أمضى عمره يدور في ذات الدائرة مرتكبا نفس الأخطاء صانعا فرعونا جديدا في كل دورة، فكم من زويل صغير ماتت أحلامه بموت أسئلته وتهميش انتقاداته، كم من فكرة أطفئت أنوارها، بل كم من مشكك في الدين صار اليوم بيننا لا لشيء، فقط لإهمال وتحريم أسئلته المشروعة عن خالقه.

هل فعلا مازالت هناك شريحة كبيرة مقتنعة بحرمانية السؤال والنقد؟

النقطة الأهم هنا هي، هل فعلا مازالت هناك شريحة كبيرة مقتنعة بذات المنهج وبحرمانية السؤال والنقد أم أن تلك الأفكار ما هي إلا تطور طبيعي لـ “تريح الدماغ”، هل تلك الأفكار نابعة من أناس لم يريدوا البحث أو الإزعاج، أم هي أكبر من ذلك وتصل إلى حد سياسات دولية متأصلة لدحر أي محاولة للتفكير؟، كل تلك أسئلة أخرى تحتاج لإجابات وستأخذ من ليلنا الكثير ومن تفكيرنا معظمه.. أو تستطيع بكل سهولة أن “تريح دماغك”.

فيديو مقال ما لم نُحط به خبرًا

أضف تعليقك هنا