هل يُعد هذا حلاً لأطفال الشوارع!

كـ عادتي أحب أن أبدأ يومى بـ نسيم الصباح العليل فـ أنزل باكرََا مع أمي لـِ تتكئ عليّ ونتمشى سويََا فى طريقها إلى العمل. الصباح فى شارعنا هو موعدُُ حافل بالكثير من الأحداث .. فـ ها هم عمال النظافة ينتشلون فضلاتنا وينظفون شارعنا لـِ يُضفي عليه روح الجمال وتبدأ نسمات عبيره العطرة أن تهلّ، وها هم باعة الجرائد والصحف ينادون بأصواتِِ عالية “ أهرام .. أخبار .. جمهورية”. أحب شارعي كثيرَا ..لكن مع أمى .. أو عندما أشاهده من النافذة وأنا أحتسي فنجانََا من القهوة عصرَا متصفحةََ بشغف أحداث صديق جديد لي.

لقاء صادم

إذ أنا وأمى نتناول أطراف الحديث مرددة سؤالها المعتاد لتثير غضبي “ هناكل ايه النهاردة -“يا لها من امرأة مصريّة أصيلة- فـ يتسارع لأسماعِنا صوت أنين ..لا نعلم حقََا ماهيته .. أهو لـ قطة أو لحيوان صغير ، لكن جَلّ ما نعلمه أنه صوت كـ صوت وترِِ حزين لآلة موسيقية مهترئة. أسرعت أمي الخُطى لتبحث عن مصدر هذا الصوت الذي اخترق قلوبنا قبل أسماعنا ، فإذ بالمصدر يختبئ تحت أوراق جرائد قديمة وأكياس قمامة متسخة فأمسكت أمى بمنديل نظيف وتقدمت نحو هذا الهرم من الأوراق والأكياس المتناثرة و أزالت عنه الستار برفق فإذا بها تصرخ “ حبيب أمك “ من أتى بك إلى هنا ؟.. وأنا أقف على بعدِِ خائفة أتمتم “ يا لكي من أمِ شجاعة! ..
لكنّها لم تكن هي بل “عاطفة الأمومة” التي تسارعت نحوه لتُمسكه من يديه وتُبعد عن ملابسه البالية ما علق بها من إثر نومه على هذه الأرض القاسيّة التي تأكل في جسده الهزيل، وما أن لمحت عينيه الصغيرتين التي اغرورقت بدموع لم أشهد لها مثيل فـ يختلف الجميع عليها أهى لؤلؤُُ أم حبات ندى على وجهِ ملائكيّ يملؤه الشجن ! وها قد نطق هذا الملاك أولى كلماته .. ليُعيد على مسامعنا كلمات أمى فى تلعثم
“ حـ بيب ..أمـ..كـ “
ليصفعنا بقلم على وجوهنا بعبارة قد أصابت أمي فى مقتل!
“أنا ليس لى أم”. لأجد دموع أمي قد انهمرت فقد انتزع قلبها هذا المخلوق الصغير المليئة عيناه بليالى شتاء ماطرة قارصة البرودة و أيام صيف حارقة لـ جبينه الرقيق.
و أنا أرقب النظرات حولنا فى قلق .. أخشى أن تكون مصيّدة لنا بطفلِِ صغير كى يتم اختطافنا .. تذكرت سريعََا أننا فى منطقتنا والكل يعرفنا وأن ما هي إلا هلاوس قد اجتاحت عقولنا مما نسمع ونرى كل يوم

بداية الألفة

فقتُ من هذه التخاريف لأسمع أمى تعزمه على غداء معنا اليوم فى بيته الجديد و أنا ممسكة بعباءتها مُستاءة “ أمى.. ماذا تفعلي .. أى غداء فى بيتنا” ، وكعادتها لا تكترث عندما تكون منهمكة فى شيء هام ; لأرى الشمس قد أشرقت على وجهه وتهللت أساريره وفى غير تردد أومئ برأسه معلنََأ الموافقة فى فرح غامر وأخبرته أنها ستمر عليه بعد عملها لـ تصطحبه فى يديها إلى منزلنا.. ولكن من وقتنا هذا إلى أن تعود أملت عليه بعد التعليمات “ كـ عادتها “ لا تقف فى الإشارة ولا تتحرك فى الشمس وسوف أرسل لك إفطارَا شهيََا بكل ما تحب، أدارت وجهها فى حدة وقالت لى “ ألن تسلمى على أخيكِ .. معاذ”.
رفعت حاجبيّ فى دهشة فلقد فاتني الكثير من حوارهم وأنا أتخيل أفلام رعب سوف تحدث ..ولحقت نفسى مصافحة يديه الصغيرتين فـ أقبل عليّ يعانقني، قلب صغير يلامس دقات قلبى .. قد أسر كل جوارحي ..تمنيت ألا أتركه حينها لكنه قد حان وقت عمل أمى .. فودعنا بـ إبتسامة وقالت أمى “ على موعدنا ..لن أتأخر عليك”.

الإعداد لاصطحاب الصبي

واصلنا سيرنا فى طريق العمل وبدأنا نتحدث فى ماذا سـ تفعل دون أن نلجأ إلى الحكومة ودور الرعاية ، نتناقش فى صلاحياتنا فى التعامل مع أطفال الشوارع والمشردين ..
– هل يحق لنا أن نستضيف هؤلاء الأطفال فى بيوتنا أشهر وسنوات إلى أن يكبروا و يشقوا طريقهم بأنفسهم؟
– هل لنا أن نحتويهم وأن نكون السكن والأمان لهم ونكون أحن عليهم من برد الشارع ومأمن لهم من كلاب الطرقات،
أقل شيء فى أيام الصيف الحارة و ليالي الشتاء القاسيّة؟
– هل حل أمي لهذه المشكلة يعد حلَا مؤقتَا أو سيجلب لنا الكثير من المتاعب !
حل أمي العفويّ .. قادني إلى التفكير فى كينونة دورنا بعيدََا عن دور الدولة .. ماذا علينا أن نفعل ؟ و راودتني أسئلة كثيرة، هكذا الحال مع طفل صغير .. فكيف الحال مع شاب مراهق كبير .. هل سـ تُجدى نفعََا مثل هذه الحلول؟ ام ما وراءها من مشكلات لا يُحمد عقباها سيدخلنا طويلَا في دوائر من الحيرة.
قاطعت أمي حبل أفكارى مرددة “ نفسه يأكل من كنتاكى “ أمي إن ما تفعلينه ليس بالهين وإن كان حلََا لمشكله اليوم فهو بابُ لمشكلات كثيرة لنا غدََا لـ تصفعنى للمرة الثانية اليوم و تخبرنى أنها لن تترك محتاجََا قط وإن كان رسولنا الكريم – صلّ الله عليه وسلم – قال “ لا ترد السائل “ فكيف بمن لا يسأل ولا يملك حق السؤال وليس له صوت!
أعلنت استسلامي لقرار تلك المرأة الحديدية بعد أن أخبرتني أنها ستتولي أطفال شارعنا وستنشر الفكرة فى كل البيوت و لن تجزع
ها هو عمل أمي قد أقترب لـ تقاطعنى مرددة بل آمرة لي “ هناكل النهاردة من عند كنتاكى “
استعدى بُنيتى لنقاش طويل وعمل شاق أيامنا المقبلة
.. فلن أنتظر الحل من الدولة ولا من أحد

حلول لانتشال الأطفال من الشوارع

أريد منكِ أن توافينى بأفكارك عن كيفية انتشال هؤلاء الأطفال ودمجهم فى بيوتنا ليس فقط مجتمعاتنا.. سنبدأ نحن والبقيّة سـ تتبعنا “وأن ليس للإنسان إلا ماسعى ..”
بداية الانفراجة لأطفال الشوارع مننا-نحن- وليس الدولة
إن أول الحلول وأهمها هو أن نحتوي هؤلاء الأطفال في بيوتنا و لا نجعلهم ينفرون مننا ويوقنون أننا نعاملهم كـ جنس أدنى منا، ليست المشكلة في أنهم بلا مأوي ولكنها فينا حيث أننا لا ندخلهم مأوى قلوبنا و نعوضهم حرمان المأوى.
إن الحلول من عندنا كثيرة ولا يمكن لدولة أن تستمر في الدعم أو أن تصل إلى كل الأطفال المحتاجين حقََا لمساعدتها، رأيت مشروعََا رائعََا لـِ عربة مجهزة بكل الرفاهيات وأدوات التعلم من أفلام ووسائل تعليمية حديثة جدََا، تجوب أنحاء مدينة ما وبها أخصائيين واستشاريين ومتطوعين يتحاورون مع الأطفال ويعطوهم كل ما يحتاجون من نُصح ومحبة ويقضون معهم أيامََا كاملة لـِ يستزيد كل منهم فيها من العلم والتقويم لنفوسهم.
تكلم معنا أحد القائمين على المشروع وفهمنا منه أنهم يقدمون الدعم الدائم والكامل لهؤلاء الأطفال وأن منهم من هو في الجامعة ومعهم منذ سنوات يرافقونه حتى يجدون له مأوى و يدعمونه ماديََا ومعنويَا وتربويََا.
هؤلاء قد تحركوا من أنفسهم بلا دعم مادي من أحد ولا بسلطة حكومة أو بأوامر دولة، لم يدفعهم سوى إنسانيتهم ومحبتهم لـ الخير.
لم تكن أمي فقط من لبى نداء الأمومة ولكن داخل كل منا نداء الإنسانية والمحبة لكل المخلوقات الضعيفة الذي يجب أن يُلبى.

فيديو مقال هل يُعد هذا حلََا لأطفال الشوارع!

أضف تعليقك هنا