يونيو لا يأتي في الشتاء..!

يونيو لا يأتي في الشتاء..!

بقلم/ محمد أحمد فؤاد

شتان الفارق بين أصل الشئ وصورته، وحديث الصيف لا محل له حين يسود الشتاء.. لذا فأنا أحسب أن بين يناير 2011 ويونيو 2013 مسافات شاسعة وحواجز من الصعب اختزالها في كلمة “ثورتان”..!  يقيني أن يناير هو الثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. أما يونيو فهو مد ثوري تحتم حدوثه، وربما لم يكن ليحدث إلا مع ظهور الغث الكثير الذي اختزنه وطننا المريض على مدار عقود.. وها هو قد صار مجال لحكايات وقصص عن أحداث ربما تخطت المنطق في حبكتها..!

كنت واحداً ممن رأوا وعاينوا اللحظة.. 

رأيت جيل من الشباب الرائع المتفتح المستنير، قرر الخروج ببراعة من عباءة الصمت التي ارتداها أسلافه لعقود وقد فعل، جيل تخلى عن إرث أصنام حكمت وتحكمت في مقدرات هذا الوطن وحاصرت أبنائه بالبلادة والبؤس والشقاء.. ما حدث كان خارج التوقعات، وربما ابتعد كثيراً عن حسابات الزمن الاعتيادية..  لأن الحرية كانت الكلمة، والتطلع للأفضل كان الهدف، فتحررت الأصوات المكتومة، وتجاوزت العقول حدود المتاح، وهرب الخوف من النفوس.. وتجلت روح الخلود مع صعود روح  كل شهيد سقط من أجل رفعة هذا الوطن وتحريره من فاشية نظام الحكم وطغيانه..

وحدث الصدام الحتمي، واختلطت التوجهات وتباينت، وكان لابد من أن يتخلى الثوار عن الحذر في مقابل الاحتفاظ بالميدان رمز الصمود إلى أن يسقط الطاغية مبارك وتتفتت حاشيته.. لم تكن هناك قيادة أو ملهم أو زعيم، وربما كان هذا من حظ الثورة..  كان الشعب بكل أطيافه، وكان الوطن هو الهم الشاغل للجميع، عدا المنتفعين والخونة بالطبع.. حتى هؤلاء وجدوا طريقهم إلى داخل الميدان حيث ساحة الشرف الذي بسببهم لم يسلم من الأذى.. لن أخوض كثيراً في تفاصيل ثورة يناير 2011 الخالدة، فما زالت أعتقد أن الوقت مبكراً بالرغم من تسارع وتيرة حملات التشويه التي تلاحقها من كل حدب وصوب.. حديثنا هنا سيكون عن يناير 2018، وحصاد مُر أبعد ما يكون عن الهدف الذي تمناه ثوار يناير الشرفاء..

سقط الإخوان

رسوب فادح ومستحق هذا الذي لحق الإخوان المسلمين في أول اختبار حقيقي لهم.. وبعيداً عن مزايدات البعض، أحسبه جاء فقط بفعل الرفض الشعبي المدوي الذي عبر عنه مد يونيو الثوري، سقط الإخوان بالرغم من قدراتهم التنظيمية الهائلة، ومع توافر التمويل السخي، وكذا وجود مساحة كبيرة نوعاً من التأييد الدولي لصعودهم الذي غالباً ما اقترن بتحالفات تآمرية مشبوهة..  لم تكن تلك السقطة لتحدث لو توافر لهؤلاء ذرة مصداقية أو انتماء بحق تلك الأرض التي أضمروا لها الشر، وأرادوها فقط مطية تصعد بهم إلى حلم الخلافة الوهمي.. وفي ظل غياب منظومة إدارة متعافية داخل الدولة المصرية نتيجة للتجريف المستمر الذي طال الحياة السياسية والحزبية على مدار عقود، نجحت من جديد الآلة العسكرية والدولة العميقة في مصر في استعادة زمام الأمور بعدما احتكمت إلى التدثر بالتأييد الشعبي الجارف وجحافل المواطنين الذين خرجوا في مسيرات مليونية غير مسبوقة تعلن عن رفضها القاطع لحكم جماعة متطرفة أشبه ما تكون بعصابات العصور الوسطى..!

صعود جديد للحكم العسكري في صورة مستترة، ويتقدم للحكم المرشح ذو الخلفية العسكرية، لكنه يعلن انحيازه للمدنية.. بل ويقبل بكل ما من شأنه إقصاء بقايا جماعة الإخوان من المشهد، حتى ينجح بصورة كبيرة في تحجيم خطورتهم بإبعادهم عن مفاصل الدولة وسلطاتها التنفيذية والتشريعية..  وما أن يستتب الأمر وتعود الحياة نسبياً إلى معدلاتها الطبيعية، حتى تبدأ جموع الشعب في السؤال عن ما سيكون..؟ فتظهر من جديد إرهاصات التحديات والصعوبات، وتتراجع الشفافية وتبدأ أعراض التهرب من المسؤولية في الظهور على أغلب من تصدروا المشهد من مسؤولين حكوميين ومحافظين ونواب ورجال أعمال..!

محصلة يونيو 2013

محصلة يونيو 2013 بالرغم من بدايتها المبشرة والبراقة، صارت درب من المصاعب وسماء ملبدة بالغيوم.. بين سياسة الاستدانة والخضوع لشروط البنك الدولي وتحكم الدول المانحة فقدت مصر الكثير من هيبتها وتراجعت مكانتها على أصعدة كثيرة أهمها الصعيد الإفريقي لدرجة وصلت إلى تهديد الحق التاريخي في مياه النيل وإدارة هذا الملف بعشوائية مفرطة..  وفي المقابل يأتي توجه الإنفاق غير المُجدي والدفع بعشرات المليارات للتطوير الشكلي فقط وليس الجوهري، في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة فيه لتطوير منظومة التعليم والتوعية بدلاً  من الاعتماد على جهاز إعلامي مختل يضاعف أرباحه على حساب تجهيل الشعب ..  وعلى صعيد إدارة الدولة نجد أن التداخل بين السلطات قد وصل إلى أسوأ صورة ممكنة مع تراجع دور السلطات الرقابي، والتغول الفج على استقلال القضاء والعصف ببنود الدستور وإهدارها لصالح قرارات السلطة التنفيذية الخاطئة..

ويتحول المشهد بغرابة إلى مجموعة ألغاز يستعصي على أعتى المحللين السياسيين تفسيرها.. لكن الأمر بات جلياً مع بوادر ترشيحات الإنتخابات الرئاسية المصرية 2018..  الرئيس الحالي يعيد الكَرَّة ويعلن ترشحه لفترة جديدة، ويدخل على نفس المسار رئيس الأركان ونائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في منافسة تشوبها تساؤلات عدة خصوصاً بعد الانسحاب المبكر والمثير أيضاً  لعسكري آخر خدم بتفاني في بلاط الطاغية مبارك وترأس آخر حكوماته..  وعلى الجانب الآخر من المشهد يناضل المحامي الحقوقي ممثل التيار الثوري في معركة غير متكافئة، لكن يكفي إصراره للتدليل على أن ثورة يناير مستمرة، ولن يتم اختزالها أو تهميشها.. فالثورة التي سقط في سبيلها مئات الشرفاء من أبناء هذا الجيل الحر المستنير لم تكن لتقبل أبداً بما آلت إليه الأمور بشعب مثابر يسعى للتحرر..!

فيديو مقال يونيو لا يأتي في الشتاء..!

 

أضف تعليقك هنا