فاعلية التنظيم وتأثرها بالقيم الاجتماعية للموظف في منظمة الأعمال

بقلم: زبير سحنون

القيم الاجتماعية

يعتبر موضوع القيم الاجتماعية من الموا ضيع التي نالت القدر الكبير من اهتمامات جهود علماء الاجتماع وذلك قصد جعلها إحدى المواضيع الهامة في محاور النظرية السوسيولوجية، وهو ما يظهر في الإنتاج العلمي لهؤلاء العلماء من تراكم علمي نظري يحتم أن يجعل منها موضوعا أصيلا من مواضيع علم الاجتماع التي تتبع منهجه ومجاله الخاص في تناول العلوم الاجتماعية الإنسانية.

لكن وبالرغم من كل الصراعات والتحديات المختلفة لهؤلاء المنظرين من أجل جعلها موضوعا يخضع لمناهج العلوم الاجتماعية إلا أن أنه يلقى في المقابل المعارضة وعدم قبولها بصفتها حقيقة سوسيولوجية لعلم الاجتماع، لأن هناك من يرى أنها ذاتية تخص النفس البشرية، ومن يرى أنها حقيقة وموضوع فلسفي أخلاقي أي أنها تقع خارج الدراسة السوسيولوجية، وهكذا بقي الأخذ والرد في هذا الموضوع إلا أنه مؤخرا تم قبولها من طرف علماء الاجتماع المحدثين والمعاصرين، وأصبح هناك فرع خاص من فروع علم الاجتماع ويسمى علم اجتماع القيم، وأصبحت هناك نظرية تعرف بنظرية القيمة متشكلة من تداخل عدة محاور إنسانية بجوانب مختلفة منها الاقتصادي، الاجتماعي، النفسي، الانثروبولوجي إلى غير ذلك، وبما أنها تخص الأفراد داخل المجتمع بحد ذاتهم أصبحت تنال القسط الكبير من التناول السوسيولوجي لها، فأصبحت تصنف الجهود المختلفة لمنظرين في هذا الموضوع على أنواع وتصنيفات متنوعة فمثلا نجد من العلماء من يعتبرون القيم خاص بذات الفرد (الفعل) وأن الأفراد هم المصادر الأصلية لإنتاج القيم، ومن يعتبرها أنها جماعية مصدرها المثل العليا في المجتمع وهي نابعة من المجتمع وتنقل إلى الأفراد، أما الاتجاه الثالث المناصف بين هذين الاتجاهين من يرى أن القيم تخضع لتدخل الفرد والمجتمع في آن واحد أي أنها تحظى بالتبادل بين الأفراد والمجتمع.

وهكذا حاول علماء الاجتماع عرض أهم محاولتهم لإعطاء القيمة العلمية لهذا الموضوع رغم الاختلاف والتخالف على المستويين العلمي والتطبيقي.

مسؤولية المؤسسات الاجتماعية

وتزيد المسؤولية على عاتق المؤسسات يوما بعد يوم، وذلك أصبح أمرا ضروريا في ظل المعلومات والتكنولوجيا المتسارعة في تطورها لأنه بات من الضروري على هذه المؤسسات أن تواكب هذا التطور السريع في مختلف المجالات وذلك ضمانا لتحقيق أهدافها في جميع المستويات.

ومن مجموع هذه التغيرات السريعة هو التغير في النسق القيمي الاجتماعي، الذي هو عبارة عن المحيط الخارجي الذي تتواجد فيه تلك المؤسسة، وبما أن أفرادها هم أفراد وأشخاص متواجدون بالمجتمع، فحتما يتأثرون بهذا التغير الاجتماعي وذلك على مستوى ما يحملونه من قيم اجتماعية ويمارسونها في حياتهم اليومية، وقد تنتقل هذه القيم إلى داخل المنظمة وتصبح ذات تأثير على فعاليتها وربما قد تصبح مرهونة بنسق أفرادها.

فعلى المنظمات الحالية أن تراعي هذا التطور الحاصل في القيم الاجتماعية وما يحمله الموظف في سلوكه، لأن فهم الإطار الاجتماعي والثقافي للمنظمة يساعدها على فهم نسق اجتماعي لموظفيها وللقيم التي يحملونها مثل قيمة الوقت، الإنجاز والصدق، إن هذه القيم تمثل عوامل نجاح وتحقيق الأهداف المنشودة، وبالتالي فإن هذه القيم تختلف بحسب المنظمات وبحسب الموظفين المتواجدين فيها.

فالقيم الاجتماعية تختلف من مجتمع لآخر، ومن حضارة لأخرى، وهذا راجع إلى اختلاف مؤسسات التنشئة الاجتماعية لكل مجتمع، إضافة إلى عوامل أخرى منها اقتصادية، اجتماعية، سياسية وتاريخية.

فالفرد يسلك في حياته ممارسات وأفعال مختلفة وفق مجموعة من المعايير والمبادئ التي صاغها المجتمع، هنا يتحدد للفرد ما هو مرغوب فيه، وما غير مرغوبا فيه.

وذلك ما يظهر من عملية الثواب والعقاب، وغيرها من المعايير التي تقوم بتحديد اتجاهات الفرد وكذلك معتقداته في الحياة منذ أن كان طفل إلى غاية أن يصبح فاعلا اجتماعيا، وبهذا كله يصبح النسق القيمي ومجموع تلك القيم عبارة عن ” انعكاس للطريقة التي يفكر بها أبناء المجتمع، والثقافة المشتركة الواحدة.

وبالتالي تصبح المؤسسة من إحدى الوسائل المتأثرة بنسق القيم المختلف الموجودة في المجتمع برمته، وهنا يتضح دور الإدارة في مجابهة هذا التغيير الذي أصبح يمارس داخل التنظيمات من خلال الفاعلين الموجودين فيها، فلهذا على إدارة المؤسسة أن تفهم نسق فاعليها في بيئتها الداخلية، وذلك للوصول إلى كيفية تفسير هذه المشكلات والظواهر التي أصبحت عائقا أمام فاعليتها التنظيمية، وهذا نظرا لاعتبار المنظمة نسق مفتوح يؤثر ويتأثر بالبيئة الخارجية للمجتمع، والفرد هو الناقل لهذه القيم داخل المؤسسة في التنظيم.

فكل هذه القيم تصبح مصدر تأثير على القيم التنظيمية وسلوكيات المدير المختلفة داخل المنظمة، وذلك من خلال علاقته مع رؤسائه ومرؤوسيه وزملائه في العمل، وقد تكون هذه القيم عائقا أمام الفعالية في المؤسسة، كما قد تكون ايجابية ومدعمة.

احترام قيمة الوقت

كما تأثر قيمة احترام الوقت وقيمة الولاء على فعالية التنظيم بالمؤسسة الاقتصادية من خلال اعتبار أن هناك هوة بين القيم الاجتماعية (الوقت، والولاء) التي يحملها الموظفين داخل محيط العمل و باعتبار فعالية التنظيم هدف تسعى الإدارة إلى تحقيقه، فإن الموظفين يقومون باحترام الوقت نتيجة للرقابة المفروضة عليهم من طرف الإدارة ويبدون الولاء التنظيمي للعمل نتيجة الإجراءات والتنظيمات الصارمة التي يتعرضون لها من قبل المؤسسة، و على اعتبار أن القيم تتعلق بالأفراد الذين هم متواجدون في المجتمع العمل، وفي أي مكان، هذا يعني أن اكتساب القيم يكون ناتج عن عدة مصادر منها الأنظمة الاجتماعية المختلفة، وكذا الخبرة وجماعة العمل، بينما فعالية التنظيم هي عبارة عن هدف تسعى أي مؤسسة لبلوغه في ظل الإجراءات وتطبيقات القانون الخاص بها، لكن المفارقة هنا أن المورد البشري هو الأولى بتحقيقها كما أنه الأول في التخلف عن تحقيقها، وبهذا يصبح التنظيم هنا بين حلقتين وهي حلقة القيم الاجتماعية التي يحملها الأفراد وحلقة التنظيم التي تناضل من أجل البقاء التنظيمات بواسطة بمختلف أساليبها، وهكذا الفرد يطغي بقيمه التي يحملها على التنظيم والتنظيم يصارع بقواعده و إجراءاته من أجل البقاء مدة أطول في دورة حياة المنظمة، لكن عمليا فإن القيم عبارة عن هيكل مثالي يشكله الفرد في شخصيته لتصبح له إحدى الأطر التي يستمد منها مختلف التصرفات كما أنها تتصف بالذاتية للأفراد، لهذا من المستحيل التحكم في سلوك الأفراد داخل التنظيم، حتى ولو في ظل القواعد والإجراءات الإدارية.

نجاح التنشئة الاجتماعية في المجتمع

لهذا، فإن نجاح المنظمات في تحقيق فعاليتها الإدارية حتما هو ناتج عن “النجاح التنشئة الاجتماعية في المجتمع”، إن كان بالإمكان القول ذلك من منطلق أن الأفراد هم أحد الأنساق الفرعية للنسق الكلي وهو المجتمع، فإذا كان المجتمع ناجحا ويسعى إلى تحقيق النجاح الحقيقي والموضوعي في كل شيء فحتما الأفراد هم الذين يمثلون نسقه الفرعي سيكونون ناجحين حتما.

لهذا فالنجاح الحقيقي للتنظيمات المختلفة والمنظمات الاقتصادية وغيرها هو ووليد النجاح الاجتماعي، الذي يترجم من خلال نجاح القيم الاجتماعية التي يحملها الأفراد تجاه العمل، الذي ينتج لنا في المحصلة فعالية التنظيم في المؤسسة وإذا كان المجتمع يحبذ ويشجع قيم روح العمل فإن المؤسسات تتأثر بالجانب الإيجابي للقيم التي يحملها الموظفين، اتجاه التنظيم وأهدافه.

و مما لا يجب التغاضي عنه هو أن القيم تؤثر على فعالية التنظيم إما بالسلب أو بالإيجاب وعلى الأهداف التي تسعى أي منظمة لتحقيقها، وذلك متوقف على التأثير من الأفراد أنفسهم (الذاتية أو الفردية) والمجتمع كله (الضمير الجمعي للقيم)، وهنا يحصل النجاح أو فشل التأثير بالسلب أو الإيجاب.

في الأخير

يمكن الخلوص إلى أن موضوع القيم الاجتماعية التي هي عبارة عن هيكل مثالي يمتلكه كل شخص وفق اتجاهاته واهتماماته ومعتقداته الخاصة، بالرغم من أن المجتمع يحدد الهيكل العام لها، وبالتالي يكتسي ذلك الهيكل الصبغة الاجتماعية للأفراد، فإنه موضوع تتداخل فيه مختلف الدراسات السوسيولوجية السابقة التي شغلت اهتمام علماء الاجتماع منذ فترة طويلة، وقد تحدد كل اهتمام وفق بحث علمي نظري ذا جهود موجهة نحو التنظير للقيم الاجتماعية.

لكن إسقاط هذا الموضوع على متغير فعالية التنظيم للمؤسسة، يجدر القول إنه من الصعب دراسة سلوك موضوع يخص الموظف كفرد اجتماعي داخل المؤسسة، وكعامل أو فرد يحقق الفعالية في التنظيم، إلا أنه ليس بإمكاننا أن ننفي تماما عدم القدرة على التحكم في هذا السلوك لكن بتطبيق القوانين والإجراءات التنظيمية قد تتحقق هناك نوعا من الجدية في العمل وتحقيق فعالية تنظيمية محكمة في المؤسسة.

وبالرغم من كل هذا، فموضوع القيم الاجتماعية يبقى موضوعا يتطلب المزيد من الأعمال التنظيرية العلمية التي تبعث فيه حقا معنى لفهم كيف أن هذه القيم تنظم سلوكنا وتتحكم في موضوعات إنسانية أخرى تخص الأفراد، وهذا يخص الباحثين الذين حقا يطلقون العنان لمواصلة البحث بفكر صحيح وعلم متين وذات رزينة ليغوص في مثل هذه المسائل.

بقلم: زبير سحنون

 

أضف تعليقك هنا