محاربة الفقر والقضاء عليه

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده، وبعد…

آفة الفقر

لا شك أن الفقر آفة خطيرة يترتب عليها كثير من الأمراض الاجتماعية، والنفسية، التي تصيب كثيرًا من الأفراد والمجتمعات؛ فتؤثر عليهم تأثيرًا سلبيًّا في كل جانب من جوانب حياتهم.

ولذا فالإسلام لا يعتبر الفقر دلالة على عظم التدين أو أمارة على والزهد والتقشف، بل هو في نظر الإسلام أمر جلل؛ تعوذ منه نبينا صلى الله عليه وسلم قارنًا بينه وبين الكفر لخطورته؛ فقال: “اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر” أخرجه الإمام أبو داود في سننه، كتاب: (الأدب)، باب: (ما يقول إذا أصبح)، (ج٤/ ص(٣٢٤)، حديث رقم (٥٠٩٠)، حسنه الإمام الألباني. لقد أخذ الإسلام على عاتقه محاربة الفقر والقضاء عليه، وحث أتباعه على بذل كل ما في وسعهم ليكونوا أغنياء.

ولذا فالأمر يستدعي من أفراد المجتمع ومؤسساته الهِمَّة العالية والسعي الدؤوب للوقوف في وجه الفقر؛ درءًا للمخاطر التي تترتب على أفراد المجتمع بسبب شيوعه. إن العمل على حَلِّ مشكلة الفقر والقضاء عليها والتقليل من نسبها يتطلب من أفراد المجتمع اتباع الخطوات الآتية:

حلول للقضاء على مشكلة الفقر 

أولًا: كفالة المعوزين والمحتاجين من الأقارب والأرحام

لقد أمر الإسلام بكفالة المعوزين والمحتاجين وخاصة إذا كانوا من الأقارب والأرحام، بل حَثَّ على مَدِّ يد العون لهم، وإنقاذهم من مهالك الفقر والحاجة، وإغنائهم عن ذُلِّ السؤال، ورَغَّبَ في حمل ضعافهم، والعطف عليهم، والشَّدِ من أزرهم، ومساندتهم، قال تعالى: “وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ” سورة الأنفال، جزء من الآية: (٧٥)، وقال أيضًا: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى” سورة النحل: جزء من الآية: (90)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ، وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ، وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ، أَدْنَاكَ”. (الحديث أخرجه الإمام النسائي في سننه، كتاب (الزكاة)، باب (أيتهما اليد العليا)، (جـ5 / صـ61)، رقم (2532). قال الإمام الألباني: صحيح).

فالصدقة تبدأ بالنفس، ثم الأهل، ثم ذي القرابة، قال رسول الله : “ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا” (الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب (الكسوف)، باب (الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة)، (جـ2 / صـ692)، رقم (997).

لقد حث الإسلام المسلم على أن ينفق أول ما ينفق على ذوي قرابته؛ لأن الصدقة على القريب يتضاعف ثوابها؛ ويربو أجرها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ” (الحديث أخرجه الإمام النسائي في سننه، كتاب (الزكاة)، باب (الصدقة على الأقارب)، (جـ5 / صـ92) ، رقم (2582)، قال الإمام الألباني: صحيح).

فالشرع الحنيف يحث المسلم على البذل والعطاء، والجود والسخاء، وخصوصًا في حق الفقراء والمحتاجين من الأقارب والأرحام، وهذا البذل لابد وأن يُرَاعَى فيه احتياجات القريب التي تعمل على حمايته من التسول والإجرام.

إن كفالة المعوزين والمحتاجين من الأقارب والأرحام تُعَدُّ وقوفًا في وجه الفقر ومحاصرة له.

ثانيًا: إعطاء الزكاة لمستحقيها

لقد أمر الإسلام بإيتاء الزكاة لمستحقيها من الأصناف الثمانية الذين ورد ذكرهم في قوله تعالى: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” سورة التوبة، الآية: (60)، وجعلها ركنًا أصيلًا من الأركان التي بُنِىَ عليها، قال تعالى: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ” سورة البقرة، جزء من الآية: (43)، ولأهميتها جاء الأمر بإيتائها للنساء -بصفة خاصة- رغم دخولهن في الأمر مع الرجال، قال تعالى: “وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ” سورة الأحزاب، جزء من الآية: (33).

وعُنِىَ الإسلام بالزكاة عناية فائقة؛ فبين قدرها وجعلها حقًا معلومًا ومحددًا في أموال الأغنياء، قال تعالى: “وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ – لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” سورة المعارج، الآيتان (٢٤،٢٥)، وجعل الله أول هدف من أهدافها إغناء الفقراء عن السؤال ومدِّ اليد.

وحذرت الشريعة من منع الزكاة، وتوعدت المانعين لها بالعذاب الشديد يوم القيامة، قال تعالى: “يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ” سورة التوبة، جزء من الآية: (٣٤)، وقال أيضًا: “وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” سورة آل عمران، جزء من الآية: (١٨٠)، وقال رسول الله :”مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ” (أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب (الزكاة)، باب (إثم مانع الزكاة)، (جـ2 / صـ106)، رقم (1403).

فلو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم، وزروعهم، وثمارهم، وتجارتهم، وذهبهم، وفِضَّتهم، لما وجدنا في المجتمع الإسلامي فقيرًا، ولا مسكينًا، ولا سائلًا، ولا محتاجًا؛ لأن كل حق وصل لصاحبه فأغناه عن مد اليد، وإظهار الحاجة والعوز.

ثالثًا: إيجاب الإسلام لبعض الكفارات والفِدَى

لقد أوجب الإسلام بعض الحقوق التي تقلل من شيوع الفقر في المجتمع، بل وتقضي على نسبة كبيرة منه؛ وهذه الحقوق تتمثل في؛ الكفارات، والفِدَى التي شرعها الإسلام، وأمر بصرفها للفقراء، والمساكين، والأرامل، والمحتاجين، والأيتام، والمعوزين، ومن على شاكلتهم.

لقد تعددت الحقوق التي أوجبها الإسلام، وتَعَدُّد هذه الحقوق يُنْبِئُ أن الإسلام لا يحب الفقر، ولا يحب من أتباعه أن يكونوا فقراء، ومن ثَمَّ فرض بعض الحقوق التي تقضي على الفقر، وتعمل على إزالة آثاره السلبية والخطيرة في المجتمع.

لقد فرض الله كفارات متعددة؛ ككفارة الظهار، والجماع في نهار رمضان، والحنث في اليمين، وارتكاب محظور من محظورات الإحرام في الحج، والقتل الخطأ، وما شاكل ذلك من كفارات تصرف للفقراء والمعوزين ، فتعمل على سَدِّ الفقر والعوز الشائع بين كثير من أبناء المجتمع الواحد، وتعمل كذلك على حلِّ كثير من مشاكل الفقراء.

وكما فرض الله كفارات لسد العوز والحاجة، فرض كذلك فدى متعددة؛ كالفدية التي يدفعها الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمريض مرضًا مزمنًا، وما شاكل ذلك.

فالفقر كمشكلة خطيرة تفشت في كثير من المجتمعات تستدعي أهل الفضل التدخل لحلِّهَا حلًّا جذريًّا؛ وحلها الجذري لا يكون إلا من خلال اتباع تعاليم الإسلام في توزيع الزكاة، وصرفها لمستحقيها، بل واتباع الإسلام في كل ما أمر وخصوصًا في جانب الكفارات والفِدَى.

رابعًا: إدراك بعض الحقائق المتعلقة بالمال

إن حقيقة المال وطبيعته في الإسلام تكمن في أنه مال الله، وأن البشر مستخلفون فيه، وأنه وسيلة لسير حركة الحياة. فلو أدرك الأغنياء حقيقة المال، وهدف الشرع من وراءه، لحُلَّت جميع المشاكل والأزمات التي تنزل بكثير من الأفراد والمجتمعات.

وفي النهاية عن محاربة الفقر أقول:

لو التزم المسلمون بتعاليم الإسلام وطبقوها في حياتهم تطبيقًا عمليًا صحيحًا لم وجدنا في المجتمع نسب الفقر الخطيرة التي ترتفع يومًا بعد يوم؛ لذا لابد من العودة إلى دين الله وتنزيله على أرض الواقع نبراسًا للأمة في كل مجالات الحياة.

فيديو مقال محاربة الفقر والقضاء عليه

أضف تعليقك هنا