الديمقراطية بين النظرية والتطبيق

بقلم: ايات غنيم

تختلف الديمقراطيًة ما بين النظريّة والممارسة في النظام السياسي، مما يؤدي الى خلق فجوة بينهما. فما هي أسباب هذه الفجوة؟ وكيف يمكن تجسير هذه الفجوة والسعي لتطبيقها بين الممارسة والاهداف المتوخاة؟ إن من شأن الإجابة عن هذه الأسئلة، في البداية يجب توضيح/ تعريف ما المقصود بالديمقراطيّة؟ وما المقصود بالنظريّة والممارسة؟. ومن ثم سيتم الإسهاب في ذكر أسباب الإفتراق بين الجانبين إن  كان هنالك افتراقًا فعلياً، وذكر طرق أو ممارسات يمكن من خلالها تضييق الفجوة بين الجانبين.

تعريف الديمقراطية

لا يقتصر مصطلح  الديمقراطية على معنى واحدًا فقط، ولا يوجد له تعريف واحد دقيق، حيث يختلف المصطلح بين كونه كلمة أم مفهوم. كما أنً مدلول الكلمة يختلف من وجهة نظر مستخدميه وبين تعريفها المعياري، ويختلف بإختلاف الحقبة الزمنيًة والمكان الجغرافي المستخدم فيه المصطلح. حيث أن البحث عن ماهيّة الديمقراطيّة يستلزم الرجوع الى تعريف الكلمة من منطلقات اجتماعيّة، سياسيّة وتاريخيّة. يتم تعريف الديمقراطيّة بأكثر الأحيان على أنها طريقة حكم الشعب نفسه بنفسه، وأيضاً حكم الجمهور/الشعب. بالاضافة الى ذلك على أنها عملية تداول السلطة بين الافراد والجماعات.

أما النظريًة تعني المعيار الذي يتم من خلاله قياس الممارسة للنظام السياسي، أو بمعنى أدق النموذج الذي يرغبون بالوصول اليه، بالتالي يكون هنالك درجات من الإبتعاد والإقتراب من النظريّة. فلكل نظام سياسي مجموعة من القيم التي تُعبر عنها مؤسسات المجتمع. بالتالي، إن الحكومات سواء أكانت ديموقراطيّة أم سلطويّة فإنها تعمل في ظل مجموعة من القيم التي يستند اليها النظام. اذاً إنً اشكالية الديمقراطيًة تأتي في المرتبة الاولى على الصعيد التطبيقي وليس على الصعيد النظري.

من هنا، بالكاد يكون هنالك افتراق بين النظريًة والممارسة. مثلاً فلنأخذ موضوع المساواة، إنً القانون (أي الجانب النظري) يساوي بالحقوق لجميع المواطنين، أي الحقوق التي يعطيها القانون يشترك بها الجميع ولا تختص بأحد، وليس لأحد نصيب منها أكثر من الأخر مثل (حق الاقتراع) لكن ببعض الأحيان يكون التمييز مجتمعي، لا يوجد مساواة في النفوذ والتأثير. أساس الديمقراطية هي المواطنة المتساوية أمام القانون بغض النظر عن العرق، اللون، المذهب والطائفة. القانون هنا لا يميز ولكن الناس فيما بينهم يميزون.

أسباب الفجوة بين النظرية والممارسة/التطبيق:

يمكن ارجاع السبب الرئيسيّ للفجوة الى كيفيّة تطور مفهوم الديمقراطيّة، لقد تطور مفهوم الديمقراطيّة خلال ثلاث قرون نتيجة مجموعة من الصراعات، وهذه الصراعات لم تكن باسم الديمقراطيّة إنما من أجل المصالح. تطور هذا النظام بسياقٍ تاريخي متواصل أدى الى تنوع في مكونات الديمقراطيًة. أشار الأكاديميّ وعالم الإجتماع السوري (برهان غليون)، في أحد كتاباته إلى مجموعة من الأسباب التي تقف وراء عدم تطبيق الديمقراطيّة. فكان منها أولًا، غياب القيادة السياسيّة وتشتت النخب الإجتماعية وتفرقها؛ فقدان الثقة الشعبيّة بالسلطة والفعاليّة السياسيّة. المقصود هنا، غياب جماعة متماسكة تتمتع بتربية مُستقرة ومعروفة وثابتة توحدها روح القيادة الجماعية؛ المحسوبية والفساد التي تنطلق من الحاكم الفاسد فهو صاحب القرار الأول وهو الذي يختار الطاقم السياسيّ الذي يعمل من خلاله، وربما يختاره حسب مزاجه ومصالحة، فإذا أصيب هذا الرأس بالفساد فإنه يهدد النظام جميعه بالإنهيار، أو اذا وجدت شخصية حاكمة غير قادرة على ملء المنصب، غير قادرة على ادارة المجتمع؛ استغلال المناصب لتحقيق المصالح الذاتية الناتج عن غياب روح سياسية، وتربيّة قياديّة قادرة على احتلال الفراغ، سواء فيما يتعلق بتوحيد أجهزة الدولة والسلطة، وفرض النظام عليها أو فيما يتعلق بخلق التواصل مع المجتمع والرأي العام وتأمين الإنخراط الطوعي والمطلوب للسلطة؛ أسباب اقتصاديّة تتمثل بتأثير رأس المال على النظام الديمقراطي، والتأثير السلبي لرجال الأعمال على بيروقراطية العمليات الإنتخابية من ناحية. ومن ناحية أخرى، تأثيرهم على المجموعات الفقيرة والضغط عليها من أجل التصويت لمرشحيهم من خلال اعطاءهم وعود لتحسين ظروفهم الإجتماعية والإقتصادية؛ الأسباب الثقافيّة والاجتماعيّة والتي تتمثل بسيادة روح القبيلة خصوصًا في المجتمعات العربيّة وهنا التصويت يتم عن طريق المعرفة والقرابة وليس حسب البرنامج السياسي، وفي الآونة الاخيرة انتشار التصويت تحت التهديد أو بإستخدام القوة. وشيوع الإتجاهات الإسلامية التي لعبت دورًا كبيرًا في تغيير تفكير معظم الناس من خلال رفع شعارات اسلامية متطرفة خالية من أي برنامج سياسي، وربما داعيّة الى مقاطعة البرنامج الإنتخابي وبالتالي الديمقراطي على أساس أنه برنامج دخيل يخضع لحاكميّة البشر في الارض التي تحل مكان الحاكميّة الالهية.

من المعروف أن عاكس الديمقراطيّة الأساسي للدول الديمقراطيّة هو النظام الإنتخابي، ولكن لا يمكن القول أن هنالك نظام انتخابي نقي/ شفاف مخض. فهنالك ما يسمى بمجموعات الضغط التي تضغط على النواب/ السلطة الحاكمة من أجل تمرير وجهة نظرهم وبالتالي تصبح عملية الإنتخابات شكليّة. عدا عن ظاهرة تزوير الإنتخابات لتجيير أصوات لمصلحة مرشح ما أو لسلبها من مرشح اخر. هنا تتضح أن المشكلة تكمن في الممارسة وليس في النظرية. بالإضافة الى ذلك، هناك ما يدعى “بهندسة الإنتخابات” من الدعاية الإنتخابية مصادر التمويل الى الإعلام المسيس، الذي ينحاز الى مرشح على حساب الأخر. على سبيل المثال، في “اسرائيل” الدولة التي تدعي بانها دولة ديمقراطيّة هندسة الإنتخابات بها تقضي بمنع ادخال اعضاء عرب الى الكنيست حسب تصنيفها للعرب على أنهم أعداء لها، أو بقيامهم لأنشطة معادية لها. أو كما حصل في انتخابات الكنيست الاخيرة حيث تم رفع نسبة الحسم الى (3.25%) محاولة لمنع دخول أي حزب عربي الى الكنيست.

    كيف يمكن تضييق الفجوة:

لا يمكن أن تقوم ديمقراطية حقيقة دون تأمين ممارستها في المجتمع فهناك ضروريات في المجتمع يجب الإهتمام لها من قبل السلطة الحاكمة كالتغلب على الفقر والبطالة الظاهرة والمقنعة، وتخفيف الفروقات الطبقية والفئويّة والجندرية بين (الرجل والمرأة) وتامين الخدمات والضمانات الإجتماعية والعمل وتكافؤ الفرص للجميع دون تمييز والمساواة امام القانون وازالة الحواجز التي تمنع  او تحد من قدرة الناس على المشاركة الفعالة في جميع نواحي الحياة كما تشتمل العدالة الاجتماعيّة على تأمين العمل والتعليم والمعالجة الصحية وتشجيع المنافسة والانتاج. ان مثل هذه العدالة ضرورية من اجل القضاء على التمييز بين الأغنياء والفقراء ولكن للأسف تعتبر غائبة كليًا عن الساحة العربية.

يمكن القول أن الأساس لسد الفجوة يكن من خلال توفير استراتيجيّة كاملة تعمل على النهوض بالمجتمع من كافة النواحي. أي لا تكون الديمقراطيّة مجرد وجود شكلي، لا توجد فائدة فعلية منه غير الاسم “حكومة ديمقراطيّة”، لذلك يجب البدء من الدستور الذي يضمن حقوق الاقليّة العدديّة، وأية أقليات اخرى داخل الدولة، أن لا يتعدى على الحدود الدستوريّة كحقوق المواطنة المتساويّة للجميع أو لأية حقوق أخرى. وتنظيم علاقة مؤسسات الحكم مع الجماهير على أساس رابطة المواطنة المتساويّة للجميع بغض النظر عن اللون، العرق، الجنس، الطائفة وغيرها.

لا بد من توافر مجموعة من الإجراءات التي من خلالها يمكن تضييق هذه الفجوة:

  1. سيادة القانون، حيث لا بد من سيادة للقانون الذي يتم من خلاله تحقيق الديمقراطيّة، بحيث يكفل تحقيق للأمن والإستقرار، وتحقيق للعدالة والمساواة تحت حكم القانون، عن طريق خضوع الحاكم والمحكومين للقانون الموضوع عبر الأطر التمثيليّة التي تكون عبر البرلمان.
  2. المشاركة الفعالة من خلال أخذ جميع وجهات النظر في وضع السياسات، حتى يشعر الجميع بالرضى عن السياسة وعدم الشعور بالغبن والتمييز. والمساواة في التصويت بحيث يكون لكل عضو فرصة متساويّة للإدلاء بصوته. من الضروري ان يكون الناس واعين وأن يكون لديهم فهمًا مستنيراً. السيطرة على جدول الأعمال بمعني السيطرة على الأعمال النيابيّة، وترتيبها حسب الأولويّة والأهميّة. يجب أن يكون لجميع البالغين او أغلبهم على الأقل الحقوق الكاملة التي تشير اليها المعايير الأربعة انفة الذكر في الانتخاب والترشح.
  3. وجود اَليات للمحاسبة والمراقبة، من قبل المواطنين لممثلين في الحكم من خلال تقييم/ الإطلاع على أدائهم وكيفيّة قيامهم بإستخدام السلطات الممنوحة لهم، يتم ذلك عن طريق اطلاع المواطنين على أداء الممثلين عن طريق تزويدهم بالمعلومات دون أي تزييف. الأمر الذي يتطلب عرض جلسات البرلمان أمام المواطنين الأمر الذي بات في منتهى السهولة في عصرنا الحالي بما فيه تطور الكتروني، وحرية صحافية، أو عن طريق بثها عبر التلفاز.
  4. وجود أحزاب سياسية تقوم على القيم والمبادئ الوطنية، قولًا وفعلًا. لا تحتكر السلطة وقبولها للإنتقال السلميّ للسلطة، وتعتني هذه الأحزاب بحقوق الإنسان السياسيّة والاجتماعيّة إضافة الى قبول التعدديّة، على الحاكم أن يوجه النظام السياسي طبقاً لمبادئ الديموقراطية، مع امكانية تبديله ومحاسبته اذا تطلب الأمر، أما على الشعب فيجب أن تتوفر لديه حرية النقد، وأن يكون لهم الحق في كافة الممارسات السياسيّة الدخول الى الأحزاب دون وجود قيود تعيق ذلك.

بقلم: ايات غنيم

أضف تعليقك هنا