الفكرة العامة والأفكار الأساسية، المفهوم وآليات الاشتغال

مقدمة:

تثير تدريسية النصوص بالتعليم الثانوي بسلكيه، الإعدادي والتأهيلي، مجموعة من التساؤلات التي تتولد لدى بعض المدرسين، أثناء اصطدامهم ببعض المهارات القرائية التي يستشعرون صعوبتها وهم يحاولون الاشتغال بها على بعض النصوص المدرسية مع تلامذتهم، إذ تتحول هذه المهارات إلى عوائق ديداكتيكية تعرقل التفاعلات الصفية، وتعيق الانخراط الإيجابي للتلاميذ في بناء الدرس.. وتتبدى هذه الصعوبة في تنزيل بعض المفاهيم القرائية الأساسية، كالملاحظة والفهم والتحليل والتركيب والتقويم، وفي التمييز بين بعض المفاهيم المتجاورة، كالموضوع والمضمون والمحتوى والمغزى والفكرة وغيرها.

وسنركز خلال هذا المقال على مفهوم الفكرة العامة والأفكار الأساسية، باعتبارهما من أهم المفاهيم التي يرتكز عليها درس القراءة بالمرحلة الإعدادية، على اختلاف في المنهاج بين دولة عربية وأخرى.

إذن، فما المقصود بالفكرة العامة؟ وما الأفكار الأساسية؟ وما سبل تنزيلها لمقاربة النصوص؟

1. الفكرة العامة والأفكار الأساسية:

يتطلب الأمر قبل الوقوف على مفهوم الفكرة العامة والأفكار الأساسية، الإشارة إلى المدلول اللغوي كما ورد في مجموعة من القواميس العربية قديمها وحديثها، كلسان العرب والقاموس المحيط والمعجم الوسيط ومعجم الغني، للاستئناس به أثناء الانتقال من المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي.

1.أ. تحديدات مفاهيمية:

أولا. المدلول اللغوي لمادة ” فكر” في المعاجم العربية:

  • ورد في لسان العرب: الفَكْرُ والفِكْرُ: إِعمال الخاطر في الشيء؛ قال سيبويه: ولا يجمع الفِكْرُ ولا العِلْمُ ولا النظرُ، قال: وقد حكى ابن دريد في جمعه أَفكاراً. والفِكْرة: كالفِكْر، وقد فَكَر في الشيء (بابه ضرب كما في المصباح) وأَفْكَرَ فيه وتَفَكَّرَ بمعنىً…
  • وجاء في القاموس المحيط:
    الْفِكْرُ ، بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ : إِعْمَالُ النَّظَرِ فِي الشَّيْءِ ، كَالْفِكْرَةِ وَالْفِكْرَى ، بِكَسْرِهِمَا، ج : أَفْكَارٌ . فَكَرَ فِيهِ وَأَفْكَرَ وَفَكَّرَ وَتَفَكَّرَ ، وَهُوَ فِكِّيرٌ ، كَسِكِّيتٍ ، وَفَيْكَرٌ ، كَصَيْقَلٍ : كَثِيرُ الْفِكْرِ ، وَمَا لِي فِيهِ فَكْرٌ ، وَقَدْ يُكْسَرُ ؛ أَيْ : حَاجَةٌ.
  • وورد في المعجم الوسيط:
    الفِكْرُ : إِعمالُ العقلِ في المعلوم للوصُول إلى معرفة المجهول. يقال: لي في الأمر فِكْرٌ: نَظَرٌ ورويَّةٌ.
    وما لي في الأمْرِ فِكْرٌ: ما لي فيه حاجة ولا مبالاة. والجمع : أفكارٌ.
    فَكَّرَ : فَكَّرَ في الأمر: مبالغة في فَكَرَ، وهو أَشْيَعُ في الاستعمال من فَكَرَ. فَكَّرَ في المشكلة: أَعمل عقلَه فيها ليتوصلَ إِلى حلّها فهو مفكِّر.
  • وجاء في معجم الغني:
    فِكْرَة : جمع: فِكَرٌ. فِكْرَةٌ جَدِيدَةٌ : صُورَةٌ ذِهْنِيَّةٌ تَجُولُ بِالْخَاطِرِ يَسْتَخْلِصُهَا الإِنْسَانُ بَعْدَ إِعْمَالِ الْفِكْرِ.
    وينبغي الإشارة هنا إلى أنه قد شاع استعمال “أفكار” كجمع لفكرة، وقد أجازها القاموس المحيط والمعجم الوسيط، والصواب ” فِكَرٌ”، لأن أفــكار هي جـمع لـــ” فِكْر”.

ثانيا. مفهوم الفكرة الأساسية والفكرة العامة:

* مفهوم “الفكرة الأساسية”:

أجدني، ولأسباب ديداكتيكية صرفة، أبدأ الحديث عن مفهوم الفكرة الأساسية قبل مفهوم الفكرة العامة باعتبارها المدخل الرئيس لإدراك مفهوم هذه الأخيرة. وفي هذا الصدد يرى مجموعة من الباحثين ودارسي الديداكتيك أن الفكرة الأساسية نوعان: صريحة ومضمرة.

  • الفكرة الأساسية الصريحة: هي جملة يصوغها كاتب النص، وقد تقع في بداية الفقرة، أو في وسطها، أو في نهايتها، وتتضمن جل ما يريد الكاتب أن يقوله حول الموضوع، وما يتبعها من كلام أو يسبقها هو توضيح لها أو تفسير أو استمالة وتأكيد.
  • الفكرة الأساسية الضمنية: وهي جملة يصوغها القارئ بعد إدراك مضامينها في الفقرة، وينبغي أن تتضمن كل ما يقوله الكاتب عن الموضوع، لتبقى الجمل الأخرى شرحا لها أو تفسيرا أو تأكيدا.

* مفهوم “الفكرة العامة”:

بعد وقوفنا على مفهوم الفكرة الأساسية ونوعها، أصبح من اليسير تحديد مفهوم الفكرة العامة ونوعها، لأن ما ينطبق على الفكرة الأساسية في إطار الفقرة، ينطبق على الفكرة العامة في إطار النص. وهكذا يمكننا القول إن الفكرة العامة نوعان: صريحة ومضمرة.

  • الفكرة العامة الصريحة: هي جملة يصوغها الكاتب، وقد تقع في بداية النص، أو في وسطه، أو في نهايته، وتتضمن جل ما يريد الكاتب أن يقوله حول الموضوع، وما يتبعها من كلام أو يسبقها هو توضيح لها أو تفسير أو تأكيد…
  • الفكرة العامة الضمنية: وهي جملة يصوغها القارئ بعد إدراك مضامينها في النص من خلال تجميع الأفكار الأساسية التي توصل إليها، وينبغي أن تتضمن كل ما يقوله الكاتب عن الموضوع، لتبقى الجمل الأخرى شرحا لها أو تفسيرا أو تأكيدا…

1. ب. آليات اشتغال المفهوم:

  • آليات اشتغال الفكرة الأساسية الصريحة:
    للوصول إلى التقاط الفكرة الأساسية الصريحة لفقرة ما، ينبغي اتباع الخطوات الآتية:

    • قراءة الفقرة قراءة متأنية
    • طرح السؤال الآتي: ما هو الموضوع الذي يعالجه النص؟
    • هناك جملة تقع في بداية الفقرة أو في وسطها أو في نهايتها تعبر عن جل ما يريد أن يقوله الكاتب عن الموضوع. حددها مستدلا على صحتها من الفقرة.
    • إذن، ما هي الفكرة الأساسية التي تعالجها الفقرة؟
  • *. آليات اشتغال الفكرة الأساسية الضمنية:
    أما الفكرة الأساسية الضمنية، فيمكن تحديدها من خلال اتباع الخطوات الآتية:

    • قراءة الفقرة قراءة متأنية
    • طرح السؤال الآتي: ما هو الموضوع الذي يعالجه النص؟
    • أعد قراءة الفقرة، ثم سجل أهم ما يريد أن يقوله الكاتب عن الموضوع.
    • إذن، ما هي الفكرة الأساسية التي تعالجها الفقرة؟ صغ ذلك في جملة مفيدة اعتمادا على ما جمعته من ملاحظات.
  • *. معايير الملاءمة:
    • “الموضوع” يمكن تحديده في كلمة أو كلمتين أو أكثر، مثل: الحداثة، مداخل التنمية…
    • “الفكرة الأساسية” هي جل ما يقوله الكاتب عن الحداثة أو مداخل التنمية.
    • الفكرة الأساسية الصريحة يصوغها الكاتب، والضمنية يصوغها القارئ.
    • العبارات والجمل الأخرى تبقى مجرد أدوات للشرح والتفسير والتوكيد والإقناع.
    • نفس الآليات والمعايير التي تنطبق على الفكرة الأساسية، تنطبق على الفكرة العامة، مع اشتغال الأولى على الفقرة، والثانية على النص.

2. ورقة منهجية تطبيقية:

النص: الإسلام وحقوق الإنسان للأستاذ عبد الهادي بوطالب

1. كل بني آدم مكرمون من الله، من آمن منهم به، ومن لم يؤمن به، من أحسن منهم ومن أساء، والله في عطائه المتواصل لإسعاد البشرية لا يحرم من هذا العطاء المادي، لا كافرا ولا ملحدا ولا مذنبا، “كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ، وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا”…
1. موضوع النص هو: الإنسان و الإسلام.

**************
2. الفكرة الأساسية في الفقرة الأولى فكرة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: كل بني آدم مكرمون من الله.
3. باقي الجمل الأخرى والآية الكريمة هي شرح وتفسير وتأكيد لمضمون الفكرة.

2. وللإسلام تجاه حقوق الإنسان تنظير خاص، فهو يعتبرها حقوقا للبشرية، وحقوق الله أيضا. إن تخويلها لعباده كافة وبدون تمييز بينهم ولا تفريق، ممارسة من الله لحقوقه. يكفل الإسلام حقوق الإنسان منذ تصوره جنينا بجسد وروح في بطن أمه. وقد منع الإخلال بحقوقه التي يصبح مستمدا لها منذ التكوين. وتبتدئ بحقه في الحياة وهو جنين. فإجهاضه حرام. وكذلك وأد البنات. كما منع الإسلام الانتحار احتراما لحق الإنسان في الحياة…
2. الفكرة الثانية فكرة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: للإسلام تجاه حقوق الإنسان تنظير خاص.

3. وضمن الإسلام حق الحريات بجميع أنواعها، ومن بينها حرية العقيدة، “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (سورة البقرة، الآية256). وأمر تبعا لذلك أن يبقى كل من يوجد في ديار الإسلام على دينه إن شاء، لأن الإسلام يعترف بالديانات السماوية كلها…
3. الفكرة الثالثة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: وضمن الإسلام حق الحريات بجميع أنواعها.

****************

4. ومن حقوق الإنسان التي أسسها الإسلام الحقوق المتصلة بالسلام والحرب، فمهما أمكن الوصول إلى السلام، تحرم الحرب التي لا تشن في الإسلام إلا لرد عدوان بمثله: “وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (سورة البقرة، الآية 190)، كما حث الإسلام المسلمين على الأخذ بخيار السلام كلما أظهر العدو جنوحا إليه…
4. الفكرة الرابعة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: من حقوق الإنسان في الإسلام، الحقوق المتصلة بالسلام والحرب.

***************

5. وأنصف الإسلام المرأة وكرمها وخولها حق المساواة بالرجل في الأحكام، فجميع أحكام الشريعة في القرآن والسنة موجهة إلى الرجل والمرأة بدون تمييز بينهما. ويقول الرسول ﷺ في ذلك: “النساء شقائق الرجال في الأحكام”، وقد مارست المرأة في الإسلام حقوقها الدينية والسياسية والاجتماعية، فكانت مفتية في أمر الدين، ومفسرة للقرآن، وراوية للحديث، وضابطة شرطة، ومشرفة على تدبير شؤون السوق وشؤون الحسبة.. وكانت عائشة زوجة رسول الله ﷺ في ذلك أصدق مثال.
5. الفكرة الخامسة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: أنصف الإسلام المرأة وكرمها وخولها حق المساواة بالرجل في الأحكام.

***************

6. وناهض الإسلام العنصرية وأبطل التمييز العنصري عندما أعلن الرسول ﷺ أن لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود، وعندما استعمل لوظيفة الأذان، وهي من أهم الوظائف الدينية، عبدا حبشيا أسود هو بلال بن رباح…
6. الفكرة السادسة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: ناهض الإسلام العنصرية وأبطل التمييز العنصري.

******************

7. فالإسلام منظومة متكاملة يمكن إطلاق اسم شريعة حقوق الإنسان عليها، وقد أصبحت تفاصيلها معروفة ومسلما بها، وهي تدخل في نظام التحرير العالمي الشامل الذي جاء به الإسلام.
7. الفكرة السابعة صريحة، وهي:الإسلام منظومة متكاملة يمكن تسميتها بشريعة حقوق الإنسان.

**************

يستخلص من هذه الأفكار الأساسية أن الفكرة العامة للنص تمثلها الفكرة الأساسية الأخيرة، وهي فكرة صريحة تقع في نهاية النص، وهي:الإسلام منظومة متكاملة يمكن تسميتها بشريعة حقوق الإنسان.

خاتمة:

كانت هذه محاولة لتقريب المدرسين من مفهوم الفكرة العامة والأفكار الأساسية كآليات لمقاربة النصوص بالمرحلة الثانوية، وقد حاولنا الوقوف خلال هذا المقال على المدلول اللغوي والبعد الاصطلاحي لهذه المفاهيم، إضافة إلى رصد آليات الاشتغال ومعايير الملاءمة، مع الاستئناس بنص للباحث المغربي عبد الهادي بوطالب، اتخذناه وسيلة لقياس مدى إمكانية الانتقال بهذه المفاهيم من المستوى النظري إلى المستوى التطبيقي.

المراجع:

  1. – ابن منظور، لسان العرب، طبعة جديدة ومحققة، دار المعارف، القاهرة، المجلد الخامس، الجزء: 46، ص: 3451
  2. – الفيروزبادي مجد الدين، القاموس المحيط، دار الحديث، د.ط، القاهرة، ص: 1260
  3. – مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط، ط4، القاهرة 2004
  4. – عبد الهادي بوطالب، مجلة عالم التربية، العدد 15، 2004، ص: 50 – 52 (بتصرف)
  5. – معجم الغني، موقع إلكتروني
  6. – موقع إلكتروني باللغة الفرنسية: https://www.k12.gov.sk.ca/docs/francais/fransk/fran/elem/stratl/stratl9.html

فيديو مقال الفكرة العامة والأفكار الأساسية، المفهوم وآليات الاشتغال

أضف تعليقك هنا