الكوميديا السوداء مسكّن ألم

تعريف بالكوميديا السوداء

إذا اشتبهَتْ دموعٌ في خدود , تبيّن من بكى ممّن تباكى

لقد كان المتنبي سيدّ الكوميديا الشعرية السوداء , وكان عزيز نيسن أمس أفضل كتّاب الكوميديا السوداء .

فألمك الداخلي يدفعك إلى الضحك عندما تقرأ ( آه منّا نحن معشر الحمير ) , إذ مازال ذلك الحمار يُقنع نفسَ يأنّ مايراه ليس ذئباً رغم رؤيته لذلك الذئب , فتعطّلت لغة الحمرنة لديه ليحلّ النهيق مكانها نتيجة الخوفِ الشديد , ورغم كلّ الأدلّة ظلّ ذالك الحمار يُقنِع نفسه بأنّ ما ينهش ظهره ليس ذئباً .

الكوميديا السوداء هي لون حدادٍ مُتحرّك , لونٌ فعّالٌ إيجابي ذو جرأةٍ أدبيّة في تعرية الواقع من أجل لباسٍ أفضل وحليةٍ أحلى يليق بموقعنا على التراب وفيه .

أمثلة على الكوميديا السوداء

عبد اللّه عبد من كتّاب الكوميديا السوداء وهو يبحث عن عالمٍ يُولَد من جديد في جثّة عالَمٍ يموت , لا ننسى ( الضحك في آخر الليل ) ” ذاك الرجل الذي يعمل في المرفأ محاولاً أكل لقمة عيشه بالحلال ويعود إلى منزله مُنهك القوى في اشتياقٍ إلى الراحة مع كأسٍ من الشاي
وعادت به الذكرى إلى إغرائه بالمال من قبل رجال السوق السوداء كي يهرّب لهم من المواد التموينية الواصلة إلى المرفأ وكيف رفض  , وكيف كان يرى الهدر في تلك المواد وخاصة مادة السكر الذي يتدفق من الأكياس على الأرض والأقدام تدوسه إلى أن قطعت زوجته عليه تلك الذكرى حاملة إبريق الشاي  وبعد تجهيزه يتفاجأان بخلو منزلهما من السكر فيرسل ضحكة تحمل آلامه في آخر الليل ” , أليس ذلك هو ( الضحك المُبكي ) ؟!!!

وشخصية ( سلّوم ) أليست وصمةُ عارٍ في خدِّ الإنسانية ؟! نحن مفجوعون بسلّوم .

سلّوم يعيش في حظيرةٍ مع الدّجاج وعفش البيت المُهترئ , غضب عليه (معلّمه) فطردهُ من الحظيرة ليسكنَ على مرمى صوتٍ من الحظيرة , وفجأةً يتعالى صراخُ المعَلّم فهرع سلّوم يسابق رجليه فإذا بأفعى سوداء في الحظيرة , وبدأ الصراع بين سلّوم والأفعى وانتهى بانتصار سلّوم على الأفعى فأعاده ( المعَلِّم إلى الحظيرة …

هل نضحك أم نبكي بسحريةٍ أشدّ من العلقم مرارةً أم أنّنا نقول : لا وألف لا هذه سموم تثير تمرّد الشعوب الصامدة ؟!!!!

الكوميديا السوداء بروفين لمختلف الضغوط

الكوميديا السوداء أيّها السادة أخرجت مافي الحلوق من غصّات بطريقة لا شعورية , إذ جمعت القسوة بالدعابة والمرارة بالنكتة حاملة المسكّن للمشاهد أو القارئ , مسكّن الألم من الضغوط التي يعاني منها الإنسان  , فهذه الدعابة قوّمت ما كان معوّجاً من طباع البشر ومنحرفاً من ممارسات وشاذّاً عن العادات والتقاليد , وهذا المزيج ما بين الجِد والدعابة من السمات التي يحتاجها الإنسان الاجتماعي لتكملة مسيرته الحياتيةدون تأثير الضغوط السياسية والاجتماعية والإقتصادية .

إذاً لا يمكن أن نصفها بأنّها سمّ من السموم ومن يصفها هكذا فو يجهل الكوميديا السوداء وأثرها على القارئ أو المشاهد  غير قارئٍ لما بين تلك السطور وغير مُدركٍ عن حاجتنا الضرورية لعنصر الكوميديا السوداء فهي بروفين لمختلف الضغوط

فمن يبكي ليس كمن يتباكى أيّها السادة

فيديو مقال الكوميديا السوداء مسكّن ألم

أضف تعليقك هنا

نيرودا سليمان

الكاتب الدرامي أ. نيرودا سليمان