انتفاضة ” كوميرا ” … تاريخ المغرب الدامي #المغرب

بقلم: عثمان العرابي

وضع المغرب في الثمانينات

مع مطلع الثمانينات من القرن الماضي كان المغرب لا زال يعرف صراعا حول السلطة أو بدرجة أقل انعكاسات الصراع على السلطة بعد الاستقلال ، كانت الدولة تنهج سياسة أمنية مطلقة للسيطرة على كل محاولات زعزعة النظام السياسي للبلاد ، وكل اهتمامات الملك الحسن الثاني آنذاك هي الحفاظ على الملكية كما ورثها عن أبيه السلطان محمد الخامس في غياب تام للسياسات الاجتماعية وكان القصر لا يزال يعيش على وقع عدم الثقة وذلك بعد محاولات الانقلاب العسكرية ، كان أبرزها انقلاب الصخيرات سنة 1971 حيث نجى من الإغتيال بأعجوبة، حظ الملوك لم يخن صاحبه في في أكثر من مرة .
الدار البيضاء تعيش على وقع بداية الزحف القروي كما باقي المدن الأخرى لكن الدار البيضاء شكلت الاستثناء في تلك الفترة نظراً لكونها القطب الإقتصادي الأول في المملكة ، ومع تزايد النزوح القروي إلى المدينة نتيجة عدة عوامل أبرزها تراجع المجال الفلاحي وضعف البنية التحتية بالبوادي خصوصا وأن تدريس الأطفال أصبحت ضرورة تفرض نفسها على القرويين ، الهجرة القروية إلى المدينة لم تكن عامل أساسي في الاحتقان الشعبي لكن ساهمت بشكل أو بآخر في تفشي ظواهر اجتماعية كالبطالة والفقر والأحياء الهامشية على أطراف كازا بلانكا .
وفي ظل هذه الأوضاع ومع تفشي ظاهرة البطالة وازدياد حدة الفقر مما أدى لتدهور القدرة الشرائية للمواطنين أصبح الحصول على لقمة العيش وفقط ُتأرق مضجع الشعب .

اضراب الشعب بالمغرب

وفي الوقت الذي ينتظر المواطن المغربي المغلوب على أمره حل لمشاكله الاجتماعية التي تزداد تفاقما مع كل دورة تدورها الارض حول نفسها ، قابلته الحكومة بزيادات في معظم المواد الاستهلاكية على رأسها الدقيق والحليب والزبدة والزيت انضافت هذه الزيادات إلى زيادات سابقة سنتي 1979 و 1980، وكأن الحكومة تحاول حل مشكلة بمشكلة أكبر وكان هذا القرار بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس مما دفع بعدة هيئات نقابية للتحرك أبرزها الكونفدرالية الدمقراطية للشغل التي أعلنت يوم 18 يونيو من سنة 1981 عن دعوة لإضراب عام تقرر إجراءه يوم 20 يونيو من نفس السنة ، وهو ما استجاب له المواطنين بكافة شرائحهم من عمال وموظفي القطاعين العام والخاص رغم عدة تهديدات من وزارة الداخلية للمواطنين لعدم المشاركة في هذا الإضراب ، الإضراب الدي كان سببه الرئيسي هو الزيادات في المواد الاستهلاكية .

 قيام المظاهرات

ومع مطلع يوم السبت 20 يونيو 1981 خرج الموطنين في تظاهرة حاشدة قدرت بالآلاف وهو ما شلَّ الحركة في المدينة ، فعندما تطغى الحكومة يكون الإضراب الحل الأقرب إلى ردع كل القرارات الجائرة ، لكن الدولة لم تستصغ أن ينجح الإضراب بهذا الشكل فقابلت المتظاهرين بالقوة حيث وقعت اشتباكات بين رجال الأمن والمتظاهرين مما أدى إلى وقوع فوضى وأعمال شغب ، تطور المواجهات دفع السلطات المحلية إلى الاستعانة بوحدات الجيش، حسب شهادات من عايشوا تلك المرحلة من تاريخ المغرب ، فبدأ إطلاق الرصاص الحي من طرف الشرطة والجيش بطريقة عشوائية على المتظاهرين ، حيث تحولت شوارع أكبر مدينة مغربية إلى حمام دم، وأزهقت أرواح كثيرة، وتضاربت أرقام عدد الضحايا بين الرواية الرسمية، التي قالت إن عددهم وصل إلى 60 قتيلا وهم الأشخاص الذين قاموا بأعمال شغب ، فيما تحدثت الهيئات الحقوقية عن ما يزيد عن 1000 قتيل.
ومن بين الأسئلة الملحة، التي طرحت آنذاك وما زالت تطرح إلى اليوم، مصير الجثت التي خلفتها الأحداث الدموية، حتى أن هنالك رواية شائعة تقول إن العشرات ممن هلكوا دفنوا تحت ثكنة الوقاية المدنية بالحي المحمدي وسط مدينة الدار البيضاء.
كما تم اعتقال واختطاف أزيد من 25 ألف من المتظاهرين
ما بين 20 و 22 يونيو ، خاصة الفاعلين منهم داخل النقابات، التي خاضت الإضراب، وتم غلق صحيفتي “المحرر” و”ليبيراسيون” التابعتين لـ”حزب الاتحاد الاشتراكي”، الذي كان من أبرز أحزاب المعارضة آنذاك.
ووزعت المحاكم قرونا من السجن على الأبرياء، حيث أن غرفة جنائية واحدة وزعت ما مجموعه 1400 سنة سجنا.

هيئة التحكيم المستقلة

وبعد الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإغلاق عدد من مراكز الاعتقال السرية في بداية التسعينيات، جاء إنشاء هيئة التحكيم المستقلة التي تأسست سنة 1999 باقتراح من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وأنهت نشاطها في 20 نوفمبر 2003، بعد أن اتخذت قرارات لتعويض عدد من الضحايا وعائلاتهم.
واستكمالا لعمل اللجنة، أنشئت هيئة الأنصاف والمصالحة في أفق مقاربة أكثر شمولية وعمقا لسنوات الرصاص في إطار تسوية غير قضائية، تقوم على إرساء الحقيقة وجبر الضرر الفردي والجماعي.
وحاولت عائلات وضحايا أحداث البيضاء الضغط على الدولة من أجل معرفة مصير جثث أبنائها وأسسوا لهذا الغرض جمعية “20 يونيو 1981″، التي سعت لوضع الملف على طاولة “هيئة الإنصاف والمصالحة” .

“شهداء الكوميرا”

و بعد انتظار دام 35 سنة، حصل، ضحايا الأحداث الاجتماعية لـ20 يونيو 1981بالبيضاء، والذين لقبهم الراحل إدريس البصري، وزير الداخلية حينها، بـ”شهداء الكوميرا”، على مقبرة، تحفظ ذكراهم ، ،حيث أشرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم 5 شتنبر 2016 على إحداث المقبرة وافتتاحها، في إطار تنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ذات الصلة بحفظ الذاكرة عن مآسي سنوات الرصاص وذلك بحضور عائلات الضحايا .
اشتهرت الأحداث، التي وقعت في البيضاء باسم “انتفاضة الكوميرا”، وهو وصف أطلقه وزير الداخلية السابق إدريس البصري على من قضوا في الأحداث.
وتعني “الكوميرا” في الدراجة المغربية نوعا من “الخبز الفرنسي”، عمودي الشكل يتم تناوله غالبا خلال وجبة الإفطار ، وهذه التسمية أعطت شرعية أكبر لهذه الانتفاضة بحث تؤكد أن الخروج للشارع كان سببه الرغيف ليس إلا .
رحم الله شهداء انتفاضة 20 يونيو 1981 بمدينة الدار البيضاء المغربية .

بقلم: عثمان العرابي

أضف تعليقك هنا