شهيّة الحياة

بقلم: يسرى الصبيحي

شهية الحياة بالفطرة

للحياة شهية ، أنها تشبه تماما شهيتنا للطعام ، فتارةً نرتشف الكثير من الطعام لسد ثغرة تركتها أوضاع سيئة ارغمتنا على خلقها ، وعلى الجانب الآخر هناك من يبتعد عن الطعام خلال أوضاعه النفسيه السيئة ، وقد نلتهم الكثير لأننا سعيدون لذا نحاول أن نشعر بتلك السعادة عن طريق التهام المزيد ، فالطعام عند الكثير يشكل طقسا من طقوس الشعور بالسعادة ، ويعتبر البعض بشكل طفولي أن الطعام هو السعادة بعينها !

الحياة أيضا كذلك لها شهية ، نلتهم منها الكثير بسعادة عارمة ثم ننزوي على أنفسنا لنعيش أشبه بالموت ببطء على قيد الحياة ، لإيماننا أن إنطوائيتنا تخلق نوعا من المورفين المسكن للألم ، أو كقطرات معقمة للجرح، أو كضماد لتلافي خطر كبر منطقة الإصابة إن أضحى مكشوفا للعيان ، وما أراه هو أن هذا أصبح سلوكا شائعا ذائع الصيت بين الكثير ، أصبحنا كثيرا ما نعيش لحظات الانطوائية هذه ، أصبحنا نتخبط في كافة جوانب الحياة تارة شمالا وأخرى جنوبا لنجد أنفسنا أننا اضعنا الطريق وشاب بوصلتنا الارتباك !

لكن يوجد حالات الانطوائية….

حالات الانطوائية هذه ليست سوا مزيجا من مشاعر مكبوتة داخلنا ، من لحظات جمى تراكمت لتكوِّن سورا شاهق يمنعنا من رؤية الحياة حولنا يحصرنا مع أنفسنا لمدة ، وخلالها تختلف قدرات كل منا فهناك من يتسلق السور دون أن يفكر في حل جذري إن كان سيقع ثانية! وآخر يحفر حفرة يجتاز بها السور كي يهرب منها كلما أوقعته نفسه في قوقعتها الئيمة !

قالت لي إحداهن أنها تهرع إلى الكتب كي تعيد تلك الشهية المفقودة ، تحظى بالقليل فقط من الساعات التي تتمتع فيها بعدها بشهيةٍ رائعة للحياة ، ثم تعود مجددا إلى طقوسها المبعثرة ، وحياتها التائهه ، ولا شك إن أسوأ شيئ أن يضيع الإنسان من نفسه ، أن تختلس نفسه منه ، أن يتجرد من حياته ، من الزمان ليعيش تائها يبحث عن انتماء ، لكن هل فكرنا يوما ما ، أين تختفي نار الشموع فجأة ؟ أين يهب الضوء فجأة عند إطفاء المصباح ؟ أين تختفي الطيور لتترك السماء جرداء مقفرة ؟ وهل فكرنا أين تذهب شهيتنا للحياة ؟ لا شك أنها تنزوي في مكان غائرا في الروح ، مكان يصعب علينا أن نعرفه ، تلك الأشياء المتراكمة تحجب عنا الشعور بالحياة إنها تتفوق على تلك البهجة فتسحقها ، تحيلها أشلاء متفرقه في كل جزء تختفي أشلاء متناثرة ، فنعبث بالوقت لتجميعها ، بينما نترك تلك القوة السوداء متراكمة كما ولو أنها بريئة لم تقم بشئ ..

شهيتنا للحياة عويصة الفهم

إن شهيتنا للحياة عويصة الفهم ، صعبة الإدراك ، قد يدرك شخصا ما أن للحياة شهية ، ويخالفه آخر لم يسمع بهذا المصطلح قط ، إنها تُفقد حين ينقسم الإنسان فتضيع اشلاءها المبهجة متناثرة ويملأ الجسد بالمنتصف ركام من أشياء سوداء لم يفكر قط في الخلاص منها فهو يجهل كونها السبب ، وتعاد حينما تعاد الأشلاء إلى مكانها ، حينها تلتحم بعضها ببعض ، وتحتضن البهجة نفسها المتناثرة وقد أعيد جمعها فتخلق روحا مُبهجة ، إننا نحتاج إلى الخلاص من تلك القوة المتراكمة فما هي إلا مزيج لحظات تافهه اودعناها جل الاهتمام ، وتفكير يفوق حجمها المتناهي في الصغر ، إنها هيّ من يقف عائق امام تمتعنا بشهية للحياة تدوم لفترةٍ أطول ، ومن المؤسف القول إن شهية الحياة بحد ذاتها مؤقته ، إنها تنتظر فرصة أخرى لتنقسم مجددا ،، إنها لا تبقى إلى الأبد ، مادام ركامنا المرير يقاسمها الجسد ، ما دامنا نهب تلك السخافات والترهات أهمية في حين أنها لا تستحق ، والجدير بالذكر أيضا أن بين كل فقدان لشهية الحياة يوجد أجزاء تموت ، أجزاء لا يعود بناءها إلا على مدى ً طويل ، كغصن شجرة وافاه الأجل ، فذبُل وانكسر ، أو بالأصح فقدان شهية الحياة يترك بعض الشئ شئ من آثار فقدان شهية الطعام ، تماما كطعام ظل مكشوفا ولم يتناوله صاحبه ، فانتهاء صلاحيته رهنٌ بمدى تركه مكشوفا أو تغطيته، وهكذا نحن اغصاننا لن تموت لن ننكسر لن نذبل حين الإنطواء ، عند مداواة جروحنا بسريةٍ تامة ، عند البقاء بعيدون حتى نحيل ذاك الركام إلى نبتة مزهرة تنفث فينا روح وشهية للحياة ، وحب الحياة .

بقلم: يسرى الصبيحي

أضف تعليقك هنا