فقه الصداقة (8) الابتسامة الصادقة

 الابتسامة الصادقة  من أواصر المحبة

(أخبرني الصديق تشارلز شواب أنه ربح مليون دولار بواسطة ابتسامته …….. كانت ابتسامته أبرز عناصر شخصيته الناجحة ……. الابتسامة الصادقة ضرورة في الحياة فالناس تكره التصنع والمبالغة وهم يميزون بينها وبين الابتسامة النابعة من القلب وهي ابتسامة دافئة ……. يؤكد لنا أهل الصين القدامى وهم المشهورون بحكمتهم وتعقلهم : إن من لا يملك وجها باسما لا ينبغي له أن يفتح مشروعا تجاريا …….. فرانج أفرنج فلاتشر في إحدى إعلاناته عن منتجات شركة أوبنهيم  وكولتز وشركائهم تحدث عن قيمة البسمة حيث إنها لا تكلفك شيئا بل تجني من ورائها الكثير وهي وإن كانت تثري من يتلقاها فلا تفقر من يمنحها !!إنها تبعث البهجة في المنازل وهي توقيع ميلاد صداقة وهي راحة للإنسان المجهد وأمل للبائس وشفاء للمريض وهي بلسم للمجروح ونور أمام الذي يرى الدنيا ظلاما دامسا كما أنها مجانية لا تباع ولا يجوز شراؤها أو اقتراضها أو السطو عليها كن سخيا وامنحها للآخرين فإن أغلب الناس في حاجة إليها …………………….)   ديل كارنيجي

بهذه الكلمات اختتم ديل كارنيجي فصلا من كتابه القيم (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس ) وجعله بعنوان ( أسرع الطرق لكسب محبة الآخرين ) .

إن تلك البسمة التي تشفي القلوب مفتاح من مفاتيح الصداقة ، فكم من متعارفين ما تعارفا فمالت قلوبهما إلا بإشراقة وجهيهما الذين تقابلا فتجاذبا فتصاحبا فتصادقا………….

إن علماء التربية وفن التعامل بين الناس قالوا إن اللقاء الأول بين اثنين يؤخذ فيه سبعون بالمائة من الانطباع بين الشخصين ، فكن حذرا من اللقاء الأول ففيه ترسم ملامح شخصيتك الأولى عند من تلقاه فاعلم أن رسمك في ذهنه ألوانه البسمة الصافية والإشراقة الصادقة التي يقرر تلقاءها من يلقاك من أنت وهل تصلح لمزيد لقاء ومعاشرة  أم لا ؟

إن هموم الإنسان وتعبه  كثيرة في دنيانا

أعلم ذلك ولكن لا يمنعنك ذلك من ابتسامة عريضة عند أول لقاء فمن يراك لأول مرة لا يعلم ما بداخلك فليس له إلا الظاهر فإن كان ظاهرك الود والبهجة حسبك إنسانا اجتماعيا إلفا مألوفا وإن كان نقيض ذلك ظنك انطوائيا انعزاليا لا تحب الناس……………….

إن كلمة ديل كارينجي ( تثري من يتلقاها ولا تفقر من يمنحها ) لا تختلف كثيرا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ابتسامتك في وجه أخيك صدقة ) إنها منحة عظيمة يعرف أثرها من يحتاجها ولكنها منحة بلا مال ، فما أيسرها من صدقة وما أيسرها من باب للحسنات غفل عنها الواجمون العابسون الذين حملوا هموم الدنيا فوق رؤوسهم  فأعيوا أنفسهم وأعيوا من حولهم !!

قال أحد الكُتّاب :

( إن أجمل صورة في الكون هي وجه إنسان مبتسم ، ماذا تعني الابتسامة لصاحبها وماذا تعني لمن يراها ؟ ، الابتسامة هي الترجمة العضلية للإحساس بالحب .. هي الانسجام الكامل بين العقل والقلب والعضلات ،فهي الحركة التلقائية لصفاء العقل ونبضات القلب ، فهناك نوعان من الأعصاب يغذيان عضلات الوجه أعصاب إرادية يستطيع بها الإنسان أن يحرك عضلات الوجه لترسم ابتسامة زائفة وأعصاب أخرى غير إرادية لا سيطرة للإنسان عليها ، هذه الأعصاب تحرك عضلات الوجه تلقائيا لتخلق الابتسامة الصادقة ، إنها تخضع للسيطرة المباشرة من الفكر والوجدان ، لذا حين تبتسم نفسك يبتسم وجهك ، وما أعذب ابتسامة النفس ! ماذا تعني لصاحبها ؟ تعني الحب حب اللحظة الحاضرة وحب اللحظة القادمة ، حب اللحظة الحاضرة هو الرضا ، وحب اللحظة القادمة هو التفاؤل ، وماذا تعني لك الابتسامة حين تراها على وجه إنسان ؟تعني أن صاحب الابتسامة يوجه لك رسالة حب ، رسالة تقول إنك صديقي ، بك ومعك أشعر بالرضا عن حاضري وبالأمل في مستقبلي  ……. ألا تشاركني يا صديقي أن أجمل صورة في الكون هي أن تجد الحب مجسدا ، أن تجد الحب قد تحول إلى لوحة تصنعها عضلات الوجه ………………..)

إننا هنا لسنا بمعرض كيفية اكتساب الأصدقاء أو سمات الشخصية الناجحة

ولكن كان لا بد من تنويه عن أهمية البسمة في حياتنا لنسقطها على الصداقة  ………………….

إن ابتسامة الصديق لصديقه حين يلقاه هو الشيء الذي ينتظره الصديق بعد طول فراق ، فماذا يلطف همومه ومشاكله بعد عناء طويل أكثر من ابتسامة صافية صادقة من وجه صبوح محب ؟؟…………

إن الصديق الدائم العبوس القنوط من الدنيا و من رحمة الله لقاؤه غم وهم على صديقه ، وهل يرتجي الصديق لقاء صديق اسودّ وجهه وذبلت ملامحه من كثرة العبوس وترك الابتسام…………..

قال إيليا أبو ماضي يصف فلسفته في سعادته مع الحياة :

هشّت لك الدّنيا فما لك واجما ؟         و تبسّمت فعلام لا تتبسّــــــــم

إن كنت مكتئبا لعزّ قد مـضــــــى         هيهات يرجعه إليك تنــــــــــــدّم

أو كنت تشفق من حلول مصيبة         هيهات يمنع أن تحلّ تجهّـــــــــم

وإن تلك الإشراقة بتلك البسمة لا يشترط لها وجه جميل الخلقة متفتق الحسن أبيض كالقمر حتي يدخل عليك السعادة والبهجة ؛ فالجمال جمال القلب والروح لا جمال الوجه

قال أحمد شوقي

رُبَّ صَديقٍ عَـبدِ       أَبيَضُ وَجهِ الـــوُدّ

ِ        يَفديكَ كَالرَئيسِ       بِالنَفسِ وَالنَفيــس

 إن ابتسام الخدين في وجه خدينه سجية لا تكلف !!

فالبسمة لا تكون إلا لفرح ونعمة وانظر للموضع الوحيد في القرآن الذي ذكر فيه الابتسام  حين سمع سليمان حديث النملة تحذر أصحابها من جيش سليمان الجرار ( لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون . فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ) فتذكر النعمة كان سببا في ابتسامته ، وحين يلقى الصديق صديقه هل من نعمة تساوي ملء عينيك وإشباعهما برؤية حبيبك رفيق دربك ؟! لا جرم أن الابتسامة ستكون نابعة من قلبك لا يشوبها كدر تصنع ،       وإن ظمأ صدري من الأرذلين        فرؤية وجهك لي كالنهــل

وإن لم تجد ذلك مع صديقك فاتهم نفسك ولتشكّ في أصل صداقتك وروح إخائك !!

عبوس المحبّ

 إن البسمة علامة من علامات المحبة ، ونظرة الصديق لابتسام صديقه تجدد ثقته في حب صديقه له ، خلا أن الصديق الدائم الابتسام قد تعتري ابتسامته لمسة من فتور فتصير ( الابتسامة الفاترة ) وهي ابتسامة لا يميزها كل الناس وإنما يعرفها جيدا الصديق المقرب الذي يحفظ ملامح وجه صديقه عن ظهر قلب ، فأي تبدل أو تغير في ملامح صديقه يلاحظه ويفهمه ويدرك جيدا أن هناك خطرا لا بد من معرفته وهذا التغير منشؤه سبب من اثنين لا ثالث لهما إما سبب متعلق بالصداقة وإما سبب آخر متعلق بهموم الدنيا  ، وهنا تبرز حقيقة الصدق بين الأصدقاء فالبوح بالأسرار والهموم – وسيأتي مفصلا – سمة بل ركن من أركان الصداقة ، ومفتاحه تغير البسمة وتبدل ملامح الوجه فحين تجد صديقك قد تغير فستسأله مبادرا ما بك ؟؟  لا أجدك على حالك المعهود هل بدر مني شيء أغضبك ؟؟ هل أنت مريض ؟ هل هنالك ما يزعجك من شؤون الحياة ؟  وهنا ينهار الصديق أمام صديقه ويبوح بكل شيء فيجد السلوى والراحة والطمأنينة في سعة صدر صديقه إن لم تكن المشورة والرأي السديد …………

وأما إن كانت الأخرى فسيعاتب صديقه على خطإ أخطأه بحقه أو تقصير في حق الإخاء وهنا نجد الصديق الآخر يسارع  إلى الاعتـــذار والأسف ويبدي دموع الندم وأنه لم يكن له ليفعل ما يغضب حبيب قلبه وشق نفسه ، ويقول بلسان حاله كيف لي أن أغضبك وأنت جزء مني  كيف لي أن أسيء إليك وأنت منار طريقي وسلوى همومي ؟؟…………

هذا هو حال الأصدقاء ………. أما من تغير وجهه وتبدلت ابتسامته فسأله من يظن نفسه صديقا له عن السبب فيتهرب من الإجابة أو ينفي التغير إما لأنه لا يثق به ولا يريد أن يشاركه مشاكله وإما لأنه غاضب منه ويقينه أن بوحه بالمشكلة لن يحلها فهنا يكون ابتداء الشقاق ، حين تنهار الثقة بين الأصدقاء ويخفي الصديق عن صديقه أسراره وشئونه  فيتحير الصاحب بين لسان صاحبه ولسان حاله فتبدأ المشكلات وتنهار الصداقة وتتحطم على صخرة عدم الثقة وهنا يأتي العبوس…………..

وفي ختام حديثنا عن دور البسمة في الصداقة نقول إن الأصل في الصديق أن يكون مبساما  مهما كانت أحواله من صفاء أو بلاء والابتسامة الفاترة عارضة – والعبوس لا مكان له في الصداقة وإنما هو علامة على نهايتها –  شأنه كما قال ابن الرومي :

أرْيَحيٌّ بمثلهِ يُبْتـــــــــنى المجـــدُ      وتسمو به فـــــروعُ البنـــــــاء

ِ باسطُ الوجهِ ضاحكُ السن بسَّامٌ      على حين كُـــرْهِهِ والرّضـــــــاء

فيديو مقال فقه الصداقة (8) الابتسامة الصادقة

أضف تعليقك هنا