نحن أحفاد الفراعنة

لي صديق كان دائم الترديد بأن الفراعنة قد انتهي نسلهم من زمان. وان المصريين الحاليين ليسوا أحفاد الفراعنة. كنت اصدق كلامه هذا إلا أن قمت مؤخراً بزيارة للمتحف المصري وأثناء التجول في المتحف فوجئت بأن احد الفراعنة يشبه لحد كبير احد أقاربي، عندها أعدت النظر في كلام صديقي. من أن نسل الفراعنة قد انتهي، وبمزيد من التركيز في حياتنا اليومية وجدت تشابه كبير بين حياتنا اليوم وحياة أجدادنا الفراعنة زمان. ليثبت لي بما لا يدع مجال للشك أننا نحن أحفاد الفراعنة بلا جدال.

مفردات الفراعنة

في البداية هناك الكثير والكثير من الكلمات التي نرددها في حياتنا اليومية وهي من أصل فرعوني. خد عندك: (بص) تعني انظر، و(أر) بمعني حسد، و(كوّش) بمعني أخد كل حاجة، و(صهد) بمعني لهيب، و(باش) بمعني داب وطري، (زي) وتعني مثل، (زن) تعني طنين. وعندما تمطر نهتف ونقول يا مطري رخي رخي. ورخي تأتي من كلمة (رخ) وتعني ينزل، وعندما تقول لشخص جاك (اوا) وهي تعني الويل والحسرة. وعندما تصف شخص سيء بأنه (سو) وهي تعني سوء وشؤم. عندما نصف حالنا هذه الأيام بأننا لايصين، و(الليص) يعني الطين. أي أن أحوالنا مطينة والحمد لله. وإذا ما فقد شخص عقله وصفنا عقله بأنه (تراللي).
كاني وماني ودكان الزلاباني، الكاني هو العسل والماني هو السمن أما الزلاباني فهو صانع الفطير، ونحن نطلق علي الكبابجي الحاتي و(حاتي) يعني اللحمة، وكمان عندما يقال فلان نزل علي الأكل حتتك بتتك. أي أكل اللحم والعظم. وكلمة مم أصلها (موم) وتعني كل، وكلمة امبو واصلها (امبمو) وتعني اشرب، وكلمة (كخ) يعني قذر، وكلمة واوا وتعني وجع، الكثير من الكلمات التي بقيت معنا، وتسربت بعض تلك الكلمات إلي أغانينا لتصبح بوس الواوا، والسح الدح امبو.

عادات فرعونية

نحن حتى الآن مازلنا نحتفل بالسبوع، وأربعين الميت حيث كان التحنيط ينتهي بعد مرور أربعين يوم علي الميت، ليكون التحنيط قد انتهي وتستطيع الروح المغادرة إلي العالم الآخر، ومازلنا نرتدي الدبلة التي هي عادة مصرية قديمة وكان يطلق عليها (حلقة البعث)، ومازلنا نحتفل بالأعياد الفرعونية وفاء النيل وشم النسيم. ومازلنا حتى اليوم نأكل نفس الأكل الذي كان أجدادنا الفراعنة يأكلونه في ذلك اليوم البيض الملون رمز الحياة والفسيخ رمز الموت. ولأن أجسامنا علي مر العصور قد اكتسبت مناعة قوية ضد كمية السموم الهائلة الموجودة في الفسيخ لم يحدث لنا أي شيء فأعدتنا علي أكل الفسيخ والتلذذ به. بينما لو أكل أجنبي قطعة صغيرة – هذا إذا تجاسر واقترب من قطعة الفسيخ – لمات في الحال. ومن الأكل الفرعوني أيضا الفول المدمس، وكانوا يطلقون عليه (متمس) ويعني المدفون، والبصارة المشتقة من كلمة (بيصورو) أي الفول المطبوخ.
وإذا كان أجدادنا الفراعنة قد شيدوا المسلات ونقشوا عليها انجازاتهم. فقد ابتكرنا نحن الخوازيق التي هي نموذج مصغر للمسلات. ولأنه تعد من أسرارنا الخاصة لم نقم بعرضها في الأماكن العامة، فقد اكتفت الحكومة بأن تهدينا كل فترة وأخري بأحد الخوازيق، وتطالبنا بألا نتكلم. وأن يظل هذا الأمر سر بيننا وبينها. عملاً بالأغنية الشهيرة: ما تقولش إيه آدتنا مصر.
نحن أحفاد الفراعنة الذين قدسوا الفرعون ظل آمون علي الأرض وتعلمنا نحن منهم الانحناء أمام حامل صولجان الفرعون ومنافقة كل صاحب منصب مع أن كل هذا يأتي علي رؤوسنا دائما بالمصائب إلا أننا ما نزال نحافظ علي تقاليد أجدادنا العظام.. وقال يا فرعون إيه فرعنك؟!

الفراعنة قديما و الفراعنة الآن

نحن أحفاد الكاتب المصري القديم الجالس القرفصاء من سبعة آلاف سنة، ولكننا لم نرث من جدنا الكاتب القديم سوي الآم المفاصل وتخشب الظهر من طول جلسة القرفصاء. كما أن المخ تصلب ولم يعد قادر علي العمل بكفاءة. ويكفي أن تذهب إلي أي مصلحة حكومية حتى تري أحفاد الكاتب المصري القديم جالسين القرفصاء فوق أوراق معاملات الناس.
نحن أحفاد الفلاح المصري الفصيح الذي ما أن سُلب حقه حتى ملئ الدنيا شكاوي مطالباً بحقه المسلوب، حتى استجاب إليه الفرعون وأعاد إليه حقه المسلوب. ولذلك حذونا نحن حذو جدنا الفلاح الفصيح وملئنا الدنيا شكاوي وصراخ، ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد مات الفرعون منذ سبعة آلاف سنة. وان كان بعضنا لم يدرك هذا بعد. إلا أن البعض منا قد فهم الأمر مبكراً فاستخدم مهارات الفلاح الفصيح لا في الشكوى، ولكن في التملق والمداهنة والنفاق والتي ثبت بما لا يدع مجال للشك أنها سلاح العصر الحديث في نيل المطالب والمكاسب، بعد أن مضي زمن الشكوى وولي مع جدنا الفلاح الفصيح.
وتحولت ريشة معت ربة العدالة التي كانت تزن بها القلوب في الحياة ألآخري إلي علامة ورمز فوق رؤوس المحظوظون أصحاب الواسطة والمحسوبية المسنودين والواصلين، فالشخص الذي علي رأسه ريشة هو شخص غير قابل للمس، يفوت في الحديد. وكل واحد وواسطته. ولا عزاء لربة العدالة معت وريشتها.
شيء واحد اختلفنا فيه للأسف مع أجدادنا الفراعنة وهو أنهم استطاعوا بغطاء الرأس الذي كانوا يلبسوه فوق رؤوسهم أن يغطوا رؤوسهم وقفاهم، فيسير الواحد منهم في اعتداد وهو مطمئن لأنه يحمي رأسه وقفاه، بينما فشلنا نحن في تغطية القفا فصار عرضة للتلطيش.

فيديو مقال نحن أحفاد الفراعنة

أضف تعليقك هنا