أحكام السبي .. بين التشريع الإسلامي وسوء التطبيق الداعشي

أحكام السبي .. بين التشريع الإسلامي وسوء التطبيق الداعشي

قضية #السبي

من أكثر القضايا الشائكة في عصرنا هذا قضية #السبي والتي كان البعض ممن ينكرها يتذرع بأنها ليست من قضايا زماننا وأمور فاتت واندثرت؛ حتى أشعلت داعش في غزوها للإيزيديين الكورد في شمال العراق وقامت بسبي بعض نساء ذلك البلد، مستعينين بآيات وأحاديث وأدلة شرعية ….

هنا الخطأ ليس خطأً داعشياً فحسب…

بل هو خطأ لعلماء ودعاة الأمة ومناهج التعليم التي لم تضبط هذه المسألة؛ وتعاملت معها كما لو أنها قضية منسوخة أو حكم ملغيٌّ من أحكام الإسلام، فجاء من فُتِنَ بالدنيا وفتحت له مخابرات الغرب الباب نحو مدنيين عزّل ليسبي نساءهم وذراريهم؛ فتوضع نصوص الشرع مقابلة لفعل هؤلاء فيرى الحمقى ممن يتابع أحداثهم هذا التشابه الشكلي فيقرّه إما مؤيداً لداعش أو منكراً للإسلام ؛ في حين أصابنا العجز والوهن في ملاحقة هذا الموضوع وفصل الفعل الداعشي الخارجي عن الشرع وأحكامه.
قال الله تعالى:
((وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ )) المؤمنون: 5 ، 6
وفي السنة : قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبايا) .متفق عليه

فلا بدّ هنا من إيضاح أمور عدة وهي :

1. السبي كان قبل الإسلام في قتال أي فريقين فيظفر أحدهم بالآخر فيقتل الرجال ويسبي النساء ويسوقهن إلى سوق النخاسة؛ وتصبح هذه المرأة سلعة رخيصة بيد من سباها لا حقوق لها ولا كرامة؛ فيجامعها من سباها دون اعتراف بنسب أبنائها منه؛ ولربما يجبرها على البغاء وامتهان الزنا ليتربح منها؛ ولربما يؤجّرها بالليلة والأسبوع والشهر .. وإن مات وزّعت على الورثة.

2. الإسلام ضبط مسألة السبي كما ضبط كثيراً من ضوابط الحرب والسلم والمواثيق والعهود والعادات الاجتماعية الجاهلية، فأقرّ ما يوافق سماحة الإسلام وسعته و رفض ما يخالف فطرة الله التي فطر عليها خلقه، وهذّب ما كان بين بين.

3. في أي حرب بين المسلمين والكفار لا بدّ أن يظفر أحدهما بالآخر؛ والشواهد التاريخية تشهد أن الكفار إن ظفروا نكّلوا بالمستضعفين من المسلمين وحرقوا أملاكهم وقتلوا رجالهم واغتصبوا نساءهم وقتلوهن ولم يحفظوا عهداً ولا ذمةً ولم تأخذهم رأفة ولا إنسانية.

4. المسلمون مأمورون قبل أي حرب وقبل دخول أي مدينة أو قرية أن يمهلوا أهلها ثلاثة أيام ويدعونهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال … وهذا يعني أن الكافر المحارب يستطيع أن يعصم نفسه من القتل وماله من الغنيمة وعرضه من السبي بعد موته بإسلامه فيصبح له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، أو بماله الذي يدفع جزية للمسلمين ليحفظوا حقوقه ويؤمنوه في ديار أصبحت تدين بالإسلام؛ فإن أبى فهو قد اختار القتال وتبعات هذا القتال من إلال دمه وماله وعرضه.

5. عند انتهاء الحرب فإن ولي أمر المسلمين مخيّر في الأسرى الرجال من المحاربين بين أربعة خيارات : إما يقتلهم بما قتلوا من المسلمين أو يستعبدهم فيسخرون لخدمة المسلمين (وللرق أحكام سأذكرها) أو يفتدون أنفسهم إما بالمال ونحوه أو يعفو عنهم ولي الأمر ..
وولي الأمر مستأمن ومسؤول أمام الله عز وجل أن يفعل فيهم ما فيه مصلحة الأمة وأن يشاور عقلاء بطانته ليخرج بما ينفع الإسلام ودولتهم ، ولرسول الله وقائع متفاوتة:
مثلاً بنو قريظة الذين قتل منهم الآلاف وبنو النضير الذين أجلاهم وبنو القينقاع الذين عفا عنهم وكذلك وبنو المصطلق عفا عنهم .

6. النساء الأسرى لا يحل قتلهن إلا المحاربة أو من تعين الكفار كالجاسوسة مثلاً؛ وهؤلاء يجدهن المسلمون في أرض المعركة إما في الحصون والقلاع مع ازواجهن أو في خيمات ازواجهن وأقاربهن من المقاتلين إن كانت الحرب في فلاء.
فشرع الإسلام سبي نساء المحاربين من الكفار بعد أن عرض على رجالهن الخيارات الثلاث فأبو إلا القتال فقاتلوهم فقُتل الرجال وبقيت النساء بلا معيل؛ فيشرع للمقاتل المسلم أن يسبيها لتقوم بمقام خادمة في منزله مقابل أن يتكفل برعايتها وإعالتها؛ ويجوز له إن كان فقيراً أو غير محتاج لها أن يبيعها فتخدم الذي اشتراها مقابل الرعاية.

7. لا يجوز قتل الأسير من الأطفال الكفار وإن كان محارباً، بل يعامل كما تعامل الأسيرة بالنساء ولا يفرق بينه وبين أمه لأي سبب .

8. لا يفرق السيد الذي يسبي المرأة بينها وبين زوجها إن كان حياً .

9. شرع الإسلام أبواباً عظيمة لفك الرقبة وإعتاق العبيد، منها الكفارات أو المكاتبة أو العفو.

10. من يتزوج امرأة من السبايا فلا يحق له بيعها إلا بعد طلاقها؛ فإن أنجبت ولداً حرم عليه بيعها، وتصبح حرة بوفاته.

11. لا يشرع أبداً سبي نساء المسالمين من الكفار ممن لم يدخلوا في الحرب؛ وهؤلاء بعد نهاية الحرب يُعرض عليهم الإسلام فإن أبوا فالجزية فإن أبوا فالإجلاء من ديارهم فإن أبوا فالقتال.

12. الخطأ الذي وقعت فيه داعش خطأ مركب وفادح ..

– فهي سبت باسم الإسلام وليس لأمرائهم شوكة وقوة يحفظون بها نساء المسلمين من ردات فعل الكافرين.

– لا تُسبى نساء القوميات التي فيها عدد كبير وأقوام مسلمة كالعرب والتركمان والكورد لما في ذلك من أذى لهم في القربى وما يثيره من نعرات وخلافات.

– قتال الإيزيديين كان دون إبلاغ وهو أقرب للغدر ؛ والفتك بالمدنيين ممن لم يقاتلوا وسبي نسائهم هو غدر آخر .

استرقاق الحر وليس المسلم

إنما الحر بالمطلق هو من أشد ما توعد به الشرع ؛ روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قَالَ اللّه: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِه أَجْرَهُ ”
لاحظ : باع حراً وليس مسلماً.

ومجدداً أقول :

لا لوم على داعش فإن ما ارتكبته من موبقات في فهمها الفاسد للشريعة وأحكام الإسلام يفوق هذه المسألة بكثير ؛ إنما اللوم علينا نحن ممن نغطي عيوننا عن تاريخنا وندثّر ما نظنه عاراً وهو حقيقةً بصمة خير للفاتحين المسلمين؛ في إعانة النساء والأطفال الخارجين من الحروب وتعليمهم سماحة الإسلام في السلام كما علموا الرجال من الكفار شدة الإسلام في الحرب والنزال.
هذه الرسالة جزء من رسائل توعوية كتبت بعضها سابقاً وأقوم حالياً بتنقيحها وكتابة غيرها.

أضف تعليقك هنا

أحمد الصالح

أحمد الصالح