الإعتراف بالحق.. فضيلة أم فضيحة..؟

طموح الهجرة للشباب

هوية فكرية وثقافية أحسبها باتت تفصل بين النابهين من أبناء الجيل الجديد وبين الحكام ودراويشهم من أصحاب نظريات العهد البائد، وأظنها صارت سائدة في الجزء المخصص لنا نحن أبناء العرب من منطقة الشرق الأوسط التي كنا نتسيدها يوماً ما..!

هذا ليس رأي شخصي، لكنه واقع مرير أحسبه مثبت بالدليل والتجربة، ولم تعد هناك صعوبة لرصده في أي مكان مرتبط بحراك ثقافي حقيقي يعكس الهويات التي تجاوزتنا بمراحل من التقدم والرقي على الأقل فكرياً كالهويات الفارسية والتركية والصهيونية وغيرها ناهيك عن الحضارات الأقدم والأكثر رسوخاً..  أمر مؤلم أن تكون نسبة من يطمحون للهجرة ومغادرة الأوطان بين الشباب صارت تزداد بمعدلات تدعو حقاً للقلق.. وهي ليست هجرة للبحث عن الأفضل، بل هي ربما مجرد هروب من أحزمة المعاناة التي طال اليأس أصحابها فقرروا الفرار منها إلى المجهول بدلاً من الإختناق بها ومواجهة شبح الموت كمداً..

تأثير الهجرة على الوطن

حينما تحل تلك النزعة والروح الإنهزامية في أي كيان مجتمعي، فعلى أصحابه الإنتباه لأن هذا يعني بلا شك أن شرخاً ما طرأ على جداره، أحدثته قوى خفية جردت سيوفها وراحت تقطع أوصاله بغية الحصول على أعلى نسبة من المكاسب منه ومن أصحابه الأصليين..  قد تكون تلك المكاسب إستراتيجية أو عرقية أو مادية أو جيوسياية..  وتلك الوضعية إن صح القول، فهي تضع أبناء الجيل الجديد بين ثلاثة إحتماليات لا غير.. الأولى هي محاولة الهروب إلى البلدان الغنية أو الأكثر حرية وإنفتاحاً، والثانية هي الخضوع للأمر الواقع في محاولة لإستغلال الأوضاع لتحقيق مكاسب شخصية ربما لا علاقة لها أو صلة بأي من منظومات التنمية المبنية على العمل الجماعي أو التعاوني، والثالثة هي الإحباط والجنوح للعنف والتخريب، وبذلك ينأوا بأنفسهم عن شبهة الإستسلام للواقع..  وهؤلاء سرعان ما تتلقفهم الجماعات الراديكالية التي تعي تماماً كيفية إستثمار هذا الغضب العام لخدمة مصالح أخرى تصب دائماً في خانة تلك القوى الخفية التي سأسميها مجازاً “الإستعمار”..!

أسباب الهجرة

وقد بينت لنا الأبحاث والدراسات السوسيولوجية التي تناولت تلك الظاهرة أن السخط العارم يأتي أولاً كنتيجة لتمرد هؤلاء على أوضاعهم المعيشية غير المنضبطة، وأيضاً للإحساس بالقهر والعجز أمام الأنظمة الشمولية المستبدة.. وإلى جانب هذا حين تكون السياسة الدولية بقيادة القوى العظمى داعمة لتلك الأنظمة بدعوى أنها تحارب الإرهاب بالوكالة دونما أي إحترام للديموقراطية والحريات بدلاً من دعم التوجهات السياسية الإصلاحية التي من شأنها تحسين مستوى المعيشة لدى الشعوب المهمشة، وهو الأمر الذي يقوي بلا شك من الميول الرجعية والشمولية ويزيدها رسوخاً.

وبالنظر للماضي القريب وعلى سبيل المثال، وجدنا أن الحركات الإصلاحية الليبرالية في المغرب لم تتلق أي دعم خارجي ملموس قد يُحسب لصالح الشعب المغاربي، مما فرض على القطاعات الديموقراطية هناك بعد هجمات الدار البيضاء 2003 بذل جهود جبارة من أجل الصمود أمام التيارات الرجعية التي مازالت تتصدى بقوة لأي محاولات للتغيير..  أما الأردن، وهو بلد صغير نوعاً من حيث مساحة التأثير السياسي، فقد شهد في نفس الحقبة تزايد في نمو التعددية السياسية، لكن في المقابل زادت لديه في نفس الفترة تقريباً تشريعات وقوانين مقيدة للحريات في العموم، كحرية التعبير  وحق التظاهر والتجمع…

وفي نفس السياق لكن على جانب أخر تضرب إيران مثالاً مشابه، فبدلاً من دعم القوى العظمى للإتجاهات الإصلاحية التي تمتلك أعظم قدرة على إحداث تحول في النظام السياسي المنغلق هناك، فإن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة لعبوا دائماً على وتيرة إعتبار إيران هدف إستراتيجي يدور في فلك روسيا، وسيتم التعامل معه بمجرد الإنتهاء من تصفية حساباتهم بالكامل داخل العراق وسوريا..

أما في مصر وفي دول الخليج، وهي المناطق التي تشهد شبه إستقرار مجتمعي، فيتم دعم الأنظمة الشمولية هناك بكافة الوسائل الممكنة من أجل إستمرار أنماط الحكم التي تضمن هيمنة القوى العظمى على صناعة القرار وتحريكه، وأيضاً لضمان أعلى معدلات الطلب على السلاح الغربي المستخدم حالياً وحصرياً في مواجهات عربية / عربية.. فما شهدته مصر من شبه عودة للمربع صفر في مسألة الحريات بعد ثورة يناير 2011، وما حدث في دول الخليج من إستسلام مخزي أمام الهيمنة الأمريكية في مقابل ضمانة التفوق النوعي أمام تهديدات الثورات المحلية لعروش الخليج، هو أمر لا أحسبه يخضع لأي تأويل أخر..!

سياسة الغرب في الشرق

ولتبرير التناقض الهائل بين خطاب الغرب في الدفاع عن القيم الديموقراطية والواقع المعادي لتلك القيم، والذي تفرضه على أرض الواقع سياسات الغرب الإستعمارية، ربما يمكن للقوى العظمى اللجوء بإستمرار إلى الاحتجاج بالسبب الذي أحسبه بات مستهلكاً بأن العرب أو المسلمين في العموم لم يبلغوا من النضج ما يكفي لجعلهم قادرين على الممارسة الديموقراطية، وإنهم عاجزون لأسباب ثيوقراطية عن التعاطي مع الديموقراطية بالشكل المناسب.  وهذا الرأي السائد لا يستخدم فقط لإضفاء شرعية على مفهوم “الديكتاتورية الشعبوية” لكن يتم توظيفه بطرق متعددة تعلو وتيرتها وتنخفض حسب خارطة المصالح، للتغاضي عن كثير من جرائم الأنظمة المستبدة المتحالفة مع تلك القوى في حق شعوبها، كما هو الحال في مصر والسعودية وسوريا وإيران.. وهو الأمر الذي يعكس أيضاً تصوراً يحط من قدر الشعوب العربية العاجزة عن التحكم في مصائرها..!

هل آن لنا أن الإعتراف بتلك الحقائق لنتدارك الموقف قبل أن تدهمنا فضيحة لن تغفرها لنا الأجيال القادمة.. أم لندس رؤوسنا في الرمال ونتغاضى عن إرث الكرامة الذي لم يبق منه سوى أطلال..؟

فيديو مقال الإعتراف بالحق.. فضيلة أم فضيحة..؟

أضف تعليقك هنا