التخدير الفكري

حال مجالسنا اليوم

“اللهم اجعل دمشق عاصمة الصين”

هكذا كان دعاء سعدان بعد خروجه من قاعة الاختيار، وحين سُئل: لماذا؟ قال: لأني كتبت في ورقة الاختبار ذلك.
قد تضحك على هذه الصورة، لكن فلنفكر معا في هذه الصور والتي تُقال في بعض مجالسنا:
 “لا يغرنك صولة الباطل فالحق حتماً سينتصر، فالباطل جولة والحق جولات”.
 “إن الله يكيد بأعدائه، فمهما مكروا وخططوا، فالله غالب على أمره”.
 “غربة الدين وابتعاد الناس عنه من علامات الساعة والتي أخبر بها رسولنا  الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى”.
 “لا تستغرب من تفكك المسلمين وتناحرهم فقد أخبر بذلك الرسول الكريم  بقوله: “ولكن في التحريش بينهم” .
 “نحن سنفترق أكثر من اليهود والنصارى، إذا هم اختلفوا 71 فرقة و72 فرقة، فنحن سنختلف 73 فرقة” .
 قال علماؤنا: “بالصبر واليقين تُنال الإمامة بالدين”، فالصبر هو العدة، فلا تستعجل.
وغيرها كثير تتناوله الألسن وتتناقله المجالس، ولو نظرت إلى حال المتحدثين والمتحمسين والناقلين والمقتنعين بهذا الكلام ستلاحظ أن العديد منهم قد وظَّفه لتبرير تقاعسه وإرضاءاً لنفسه التي قد تحاسبه وتلومه.

تأثير قوة الايمان

وربما يزداد الأمر سوءاً حين تتغير الأحوال إلى الأسوء-وهذا دافعٌ قوي نحو المبادرة بالعمل وترك الكسل -، فإذا بهذه النصوص الصحيحة تُستخدم كمخدر فكري وليست كمنشط قوي، فمن الايمان بهذه النصوص الاستسلام للواقع مهما كان فكيف إذا كان الخبر الإلهي بهذا الوصف!!، ألا فليكن ايمانك قوي، هكذا يُقال ووصل الأمر ليس للذات فقط بل تجاوزه إلى نشر سموم المخدر الفكري وتجهيل كل من يسعى للعمل على تغيير هذا الواقع – وهو المطلوب شرعا-.

أنا لا أقول إن هذه النصوص غير صحيحة حاشا وكلا، ولا أرفض الواقع الموجود، لكن هذه النصوص مرتبطة بسنن ربانية أخرى، فنصر الله للمؤمنين ومدافعته عنهم ورد كيد أعدائهم إنما تكون حين يحقق المؤمنون الشروط كما في قوله تعالى: “إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ”، وتاريخنا الاسلامي حافل بالأمثلة على ذلك، فواجبنا السعي الحثيث لتحقيق تلك الشروط على مستوى الفرد وعلى مستوى الأمة، فمن الخسارة أن نقتطع من النصوص ما نشاء ونفصلها كما نشاء أو نفهمها ونكيفها كما نريد لا كما يُراد.

وقضية أخرى وهي أن الرسول الكريم  ذكر ما سيكون ليس بقصد التقاعس والتخدير وإنما لبيان الواقع والدفع نحو العمل للتغيير وهي المسؤولية المناطة بكل مسلم بلا استثناء.
أما الدعاء فهو مطلب بلا شك بل هو العبادة، لكنه أيضا يرتبط بسنن وآداب وليس مجرد كلمات تُقال، كما أن الدعاء لا يقلب حقائق الأمور ولا يغير قوانين العزيز الغفور، فمن سعى واجتهد نال ما يريد وسَعِد، وأما الآخر فينطبق عليه قول أبي العتاهية:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها *** إن السفينة لا تجري على اليبس.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا.

فيديو مقال التخدير الفكري

 

أضف تعليقك هنا