تفكيك  الأمة المصرية (2/2) #مصر

تدهور الوضع  بمصر

نشرت مجلة المنار في عددها الصادر في المحرم – 1316هـ يونيو – 1898م رسالة وردت من أحد كتاب دمشق الشام الحكماء يذكر بعض ما شاهده في الديار المصرية من تهديد للأمة المصرية و مما جاء فيها يقول : ” أذكر بعض ما شاهدته في الديار المصرية مما يُذْهِب ثروة أهلها وملاشاتهم ـ فنائهم ـ ، إن ظلوا على سباتهم وغفلتهم ، وذلك أني زرت الديار المصرية منذ عشرين سنة وزرتها في العام الماضي ، فوجدت فرقاً كليًّا في الزيارتين ، وجدت في الزيارة الأولى مصر للمصريين ، وفي الثانية مصر للدخلاء والغرباء ، وجدتهم قابضين على الوظائف المهمة ، والأشغال العظيمة ، وجدت المالية بيدهم ، وكذا التجارة ، والبنوكة ، والأشغال العمومية ، وجدت الوطنيين آلة صماء بأيديهم ، وجدت أكثر أبناء الأعيان الذين هم رجال المستقبل منغمسين في المنكرات ، عاكفين على اللذات ، ينفقون المال جذافاً في سبيل البذخ والشهوات ، وكثيرين منهم باعوا ما تركه لهم أسلافهم من الأطيان والعقار وأضاعوه في المقامرة وأخواتها من الفواحش ، وجدت الوطنيين مثقلين بالديون للأجانب ، وجدت أكثر سراتهم ووجهائهم عاكفين على اللهو والبطالة ، وأحوالهم في تأخر وتقهقر ، والأجنبي يبتز أموالهم ويتملك أطيانهم ، وإذا سافر أحدهم إلى البلاد الأوربية ، كما هي عادة بعضهم في زمن الصيف وإبان القيظ ، فلا يعود منها بتجارة أو صناعة تعود عليه وعلى بلاده بالنفع والفائدة ، بل بأحمال من الأزياء والعادات الإفرنجية ،التي تذهب بجانب كبير من ثروته إذا لم تذهب بمجموعها . ثم جُلت في الأرياف حتى انتهيت إلى الحدود ، فرأيت مثل ما رأيت في البنادر الكبيرة وزيادة : رأيت الدخلاء قد نصبوا فيها للفلاحين المساكين فخاخ المسكر والميسر والفواحش والربا الفاحش ، يوقعونهم فيها ويستولون على أطيانهم . رأيت في الأقصر دارًا كبيرة حمراء على هيئة البرابي المصرية القديمة لرجل أجنبي ، قدم البلاد منذ بضع سنين ، فسمع أن الفلاحين يستدينون الجنيه الواحد بخمسة قروش في الشهر ، فاستوطن ذلك المحل ، وأخذ يقرض الفلاحين الدنانير بذلك الربا الفاحش ، فأثرى إثراءً مفرطاً ، وبنى تلك الدار على الهيئة التي ذكرناها ، وقلما مررت بِكَفْر ـ قرية صغيرة ـ إلا ورأيت فيه المواخير والحانات ومحلات المقامرة والفحش ، والعمد والفلاحين عاكفين عليها أي انعكاف ، وكنت إذا مررت بعزبة عامرة وفيها الآلات المتقنة لري الأرض أسأل عنها فيقال لي : إنها لفلان الأجنبي ابتاعها حديثًا من فلان الوطني ، وإذا مررت بعزبة عامرة تسقَى بالشادوف أو الساقية أسأل عنها فيقال لي : إنها لفلان الوطني ، وهو على وشك أن يبيعها ؛ لأنه مثقل بالديون بالبنك ، أو لفلان الأجنبي ، وفي الجملة إنني رأيت تنازع البقاء في هذا القطر بالغاً أشده بين الوطنيين والدخلاء ، ولا بد أن يؤدي إلى نتيجته المعلومة ( بقاء الأنسب) أي ملاشاة الوطنيين ( لا سمح الله ) إذا ظلوا على حالتهم الحاضرة ، وقيام الدخلاء مقامهم ، فيصبحون لديهم أُجراء يستخدمونهم كما يستخدمون البهائم ، فبمثل هذا يجب الوعظ والإنذار ، ولمثل هذا يجب توجه الأفكار وتنبه الهمم ”

ضرورة انتباه المصريين لما يدور حولهم

و جاء في مجلة المنار في نفس التاريخ تحت عنوان أهم أخبار العدد ( 13 ) : ( البنك الأهلي ) ؛ اتفق بعض متمولي أوروبا على إنشاء مصرف ( بنك ) في مصر يسمونه ( البنك الأهلي ) ، يقنع من الفلاحين بربا قليل بالنسبة لغيره مع ضمان الحكومة للمقترضين . ويقال : إن نصف رأس مال هذا المصرف من متمولي الإنكليز ، فعسى أن يتنبَّه المصريون للشركات المالية من هذه الحوادث المتوالية قبل أن تفوتهم منفعة التنبه .

كما ورد في العدد الثاني عشر من مجلة المنار تحت عنوان ” بيع الحكومة المصرية لسفنها وأطيانها وسككها ” : باعت الحكومة المصرية لأجل حملة السودان البواخر الخديوية لشركة إنكليزية وكانت قررت بيع تفتيش الوادي لكن لم يبرم الأمر فيه ؛ لأنه وقف ، وقررت أخيرًا بيع الدائرة السنية لشركة إنكليزية فرنسوية مصرية ، لكن الشركة تطلب تحويرًا في شروط البيع ، فلم يحصل القبول للآن ، وعزمت على بيع سكك حديد السودان ؟!

 

 

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان