ذكرى خـلع عـبد الحـميـد .. خادم المسلمين ؟!

التاريخ :

السابع من ربيع الآخر 1327 هـ الموافق 27 أبريل 1909م لكنه سيبقى في ذاكرة العالم و الأمتين العربية والإسلامية لأنه سيفتح الباب على مصراعيه لغروب شمس الخلافة الإسلامية بشكلها المعهود في ذلك الزمان وسيسمح لكل الاتحادات والتحالفات والتكتلات أن تقوم إلا وحدة الأمة الإسلامية التي ستبقى دون هذا السقف إلى أن يشاء الله .

و أول ما استعانت العلمانية الكمالية فتاوى رجال الدين الذين لم يعدموا مبرراً في كل عصر ليكونوا وقوداً لمعركة تسعى لهدم الإسلام و تبديد قوته و تنكيس رايته ؟!

فقد دعا “محمود شوكت باشا” مجلسي النواب والأعيان لمجلس مشترك سُمي “بالمجلس الوطني المشترك” واستصدروا فتوى بخلع السلطان عبد الحميد الثاني لكن للتاريخ فهناك علماء رفضوا أن يُستخدموا أوأن يبيعوا دينهم بدنيا غيرهم و نظرة بأثر رجعي لمن أبلغوا السلطان بفتوى الخلع قد تكون موحية لما نراه اليوم حيث استدعى المجلس الصدر الأعظم “توفيق باشا” ليبلغ السلطان بقرار الخلع إلا أنه رفض، فكلفوا وفداً من أربعة أشخاص هم: “عارف حكمت باشا” و”آرام الأرمني” و”أسعد طوطاني” و”قره صو عمانوئيل اليهودي” ثم بدأ تشويه سيرة الرجل كالعادة من خلال تزييف الحقائق وتغييب الوعي لكن  المؤرخون الثقات أنكروا هذه التهم التي وجهت للسلطان .

اجتماع هرتزل بالسلطان عبد الحميد!!

قبل السلطان عبد الحميد الثاني بوساطة نيوزلينسكي للقاء هرتزل في حزيران ـ يونيو 1896 وحسب الوثيقة التي وثقت هذا الاجتماع قال هرتزل : “إن الأمة اليهودية ومنذ زمن طويلة تتعرض لأقوى وأبشع أنواع الذل والاستحقار والإقصاء، ومن أجل تخليصها من أنواع العذاب الشرسة هذه، فإن كل ما نريده هو قبولكم لهجرتهم لفلسطين لا لشيء سوى إنقاذهم من التمييز البشع الذي يتعرضون له في أوروبا والقيصرية الروسية وأتعهد لكم في مقابل قبولكم هذا بسداد جميع ديون الدولة العثمانية وحتى تزويد الميزانية والخزينة العثمانية بفائض عن حاجتها”.

فكان رد السلطان عليه كالتالي : “لا أستطيع بيع حتى ولو شبر واحد من هذه الأرض، لأن هذه الأرض ليس ملكٌ لشخصي بل هي ملكٌ للدولة العثمانية، نحن ماأخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة ولن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة والله لإن قطعتم جسدي قطعة قطعة لن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين” .

و ثيودر هرتزل هو صاحب كتاب ” الدول اليهودية ” بتاريخ 14 شباط ـ فبراير 1896 وبين فيه أن “اليهود قومية بلا وطن، ولا تُحل قضيتهم إلا من خلال وطن جامع لهم ولا بد أن يكون هذا الوطن في أرض الله الموعودة “فلسطين” وإن لم ننجح بأخذ فلسطين يمكن أن يكون وطننا في أوغندا أو الأرجنتين ولكن لا بد أن يكون موعدنا في فلسطين الأرض التي وهبنا إياها الرب” لكن إجتماع مدينة ببال السويسرية بتاريخ 29 آب ـ أغسطس 1897  الذي دعا فيه هرتزل اليهود من جميع أنحاء العالم للاجتماع و لمناقشة قضية الوطن اليهودي اتفق المجتمعون على ضرورة جعل فلسطين الوطن اليهودي الخالد والأبدي”ولحماية فلسطين من الهجرات اليهودية أصدر السلطان عبد الحميد الثاني عام 1876 مذكرة قانونية بعنوان “مذكرة الأراضي العثمانية” تمنع بيع الأراضي العثمانية وخاصة الفلسطينية لليهود منعًا باتًا .

ماذا قال السلطان لوفد الإنقلاب ؟!

دخل الوفد على السلطان فبادره أحدهم بالقول:” لقد أتينا من مجلس المبعوثان وهناك فتوى شرعية شريفة… لقد عزلتك الأمة، ولكن حياتك في أمان“.  أجاب السلطان: ”ذلك تقدير العزيز العليم“، وأضاف: ”لقد أمسكت إدارة البلاد بخيط ارفع من خيط القطن مدة ثلاث وثلاثين سنة، دون أن ينفصم قدر الإمكان. أتمنى لكم النجاح أكثر مني واعلموا إن المسؤولية التي تحملتموها ثقيلة جدا“. ثم ألقى نظرة ازدراء الى قره صو، وخاطب الوفد : ما هو عمل هذا اليهودي في مقام الخلافة ؟ بأي قصد جئتم بهذا الرجل أمامي ؟ كيف تتركون هذا اليهودي المأفون يمثل الأمـة الإسلامية ؟ ألا يـوجد بـين المسلمين احـد يقـول لخليفة المسلمين لقد عزلتك الأمـة ؟! أأنتم تعملون الانقلاب أم اليهود ؟! ووجه آخر كلماته الى قره صو:”عندما جئت تطلب مني أن أعطيكم فلسطين وطنا لليهود وطردتك، قلت لك انك تنظر إلي كمن سيحاسبني في يوم من الأيام؟! لقد هيأوا لك ذلك اليوم ! أعرف هذا جيدا، انه رد على طلب شبر ارض لم أعطه لكم؛ لن أترككم تحلمون بأن تجعلوا كل الوطن الإسلامي أرضا يهودية“.
يذكر أنه في عام 1901 حاول قره صو عمانوئيل اليهودي العثماني التوسط للصهاينة لدى السلطان عبد الحميد لينقل له مطالبهم في فلسطين، مقابل عشرين مليونليرة ذهبية قرضا الى الحكومة العثمانية، وخمسة ملايين ليرة ذهبية رشوة للسلطان وقوبل طلبه برد عنيف من جانب السلطان مشفوعا بطرده من القصر وعندما توجه قره صو الى ايطاليا التي يحمل جنسيتها الى جانب الجنسية العثمانية أرسل الى السلطان برقية قال فيها :”لقد رفضت عرضنا وسيكلفك هذا الرفض أنت شخصيا ويكلف مملكتك كثيرا“

وهكذا عزل السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من إبريل ـ نيسان 1909م وتقرر نفيه الى سلانيك، المركز اليهودي – الماسوني. وليس مصادفة أن تختار لإقامته الجبرية فيلا ألاتيني وهي دار لأحد الصيارفة اليهود، وأن يعين أحد اليهود الماسونيين، وهو شقيق رمزي بك، حارسا عليه. وفي هذا المكان قضى عبد الحميد ثلاث سنوات تقريبا (1909-1912) معزولا عن العالم، لا يتصل بأحد ولا يتصل به أحد. ثم نقل الى قصر بكلربكي، وأثناء وجوده فيه قامت الحرب العالمية الأولى. قضى السلطان عبد الحميد بقية أيامه في هذا القصر، أي ما يقارب خمسة أعوام وثلاثة اشهر. وخلال وجوده في سلانيك وبكلربكي دون السلطان مذكراته ورسائله .

رسالة السلطان لشيخ الطريقة العلية الشاذلية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين. أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة، وإلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات، وأقبل يديه المباركتين راجيا دعواته الصالحة. بعد تقديم احترامي أعرض أني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس من السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.
سيدي : إنني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلا ونهارا، وأعرض أنني مازلت محتاجا لدعواتكم القلبية بصورة دائمة. بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ:
إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة. إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين)، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيرًا وعدوا بتقديم 150 مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبا، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضا، وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي: (إنكم لو دفعتم ملء الأرض ذهبا – فضلا عن 150 مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبًا فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي، لقد خدمت الملة الإسلامية والمحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين، لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضا). وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى (سلانيك) فقبلت بهذا التكليف الأخير. هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين… وقد كان بعد ذلك ما كان، ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال، وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع الهام، وبه أختم رسالتي هذه. ألثم يديكم المباركتين، وأرجو واسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامي بسلامي على جميع الإخوان والأصدقاء.
يا أستاذي المعظم لقد أطلت عليكم التحية، ولكن دفعني لهذه الإطالة أن نحيط سماحتكم علما، ونحيط جماعتكم بذلك علما أيضا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في 22 أيلول 1329
خادم المسلمين
عبد الحميد بن عبد المجيد

 

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان