نخبة يناير الجديدة!

الثورة –  أي ثورة – هي فعل إستثنائي بالتعريف وحدث – إن حدث – لا يتحمله المجتمع – أي مجتمع – لفترة طويلة. ربما يكون هذا الفهم مدخلاً لفهم حالة النفور العام لدي قطاع عريض من المجتمع من الثورة وإرهاصاتها والمتحدثين بإسمها والمشاركين فيها. ما حدث في ثورة يناير علي روعته لم يتجاوز كونه إحتجاج عام واسع النطاق علي ظروف بالغة السوء ولا شك ولكن لم يتجاوز حالة الإحتجاج إلي حالة إرساء نظم إجتماعية وفكرية جديدة قابلة للحياة وتحظي بتوافق المجتمع حولها.

نماذج تمثل المجتمع

نماذج مثل عم محمد بواب العمارة الستيني وسالم فني النقاشة غير المؤمن عليه اجتماعياً والأسطي عبد الرازق سائق الميكروباص الذي تجاوز منتصف الثلاثينات دون زواج أو أم فوزي التي تعاني الأمرين بسبب إصابتها بالسكري ولإحالتها للمعاش المبكر بعد خصخصة مصنع الملابس التي كانت تعمل به يجب أن تمثل أولوية ملحة في خطاب أي تنظيم يدعي كونه سياسياً ويرغب في الوصول للسلطة لترجمة أفكاره لبرامج وسياسات تغير واقع هؤلاء. هؤلاء لا يهمهم كون الانتخابات أولاً أم الدستور أو ما اذا كان من يرأس البلاد مدنياً أم عسكرياً. ما يهم هؤلاء  بحق هو قدرة التيار الذي يقود البلاد علي تلبية احتياجاتهم وانتشالهم مما هم فيه من شظف العيش وضغط الحاجة وألم المرض وضيق ذات اليد.

هذه النماذج تمثل قطاعات واسعة من المجتمع لم يستطع أي خطاب سياسي يدعي إنتماءه لثورة يناير أن يصلهم أو يتفهم مخاوفهم ورغباتهم بجدية. النتيجة هي عزوف كل هؤلاء عن الثورة وممثليها وكفرهم بمبادئها بل حتي تأييد من ينكل بمن قاموا بها إذا كان سيوفر لهم بعضاً من احتياجاتهم المشروعة بالطبع.

أبرز معالم فشل ثورة يناير

هو عجز ممثليها عن الوصول إلي من لأجلهم قامت الثورة في الأساس وفهم أولوياتهم.  فالحرية والعدالة والكرامة هي من صلب الإحتياجات الإنسانية لا ريب، لكن ماذا عن الخبز وبطاقة التموين والتأمين الصحي والبوتاجاز؟

لا يمكن إتهام القطاع الأكبر من المجتمع بالجهل السياسي وغياب الوعي الفكري لرفضهم الثورة ونفورهم منها، فماذا جنوا من ورائها غير وقف الحال والإنفلات الأمني والإعتصامات المستمرة وغلق الطرق والميادين؟ بالإضافة إلي أن رمي المجتمع بأكمله – أو حتي بعضه – باتهامات التخلف والخنوع والسلبية الي أخر هذا الهراء من عينة “جيل الندامة” أو “احنا اللي علمناكم الثورة” الخ هو بمثابة انتحار سياسي ينم عن مراهقة وقصر نظر وغباء مستحكم.

فالناس لا يحتاجون لمن يلقنهم واجباتهم بل من يتفهم مخاوفهم “المشروعة” ويأخذ بيديهم بهدوء وتعقل نحو مواجهة تلك المخاوف والتغلب عليها دونما تعالي أو تكبر.

لا يمكن لأي نظام سياسي مهما كانت قوته أن يتعامل مع حجم التحديات الموجود حالياً  في مصر، بالتالي مثلت ثورة يناير فرصة ذهبية لبناء توافق مجتمعي وسياسي حول هذه التحديات والسعي للم شمل كل القوي نحو إدارة أزمات الحاضر بهدف صنع المستقبل وهو ما فشلت فيه كل الاطراف تقريباً: الإخوان والقوي المدنية ومؤسسات الدولة.

الإتفاق علي رؤية موسعة تجاه تحديات الاقتصاد والتعليم والصحة والطاقة والمواصلات وغيرها كان كفيلاً باجتذاب تلك القطاعات البعيدة التي لم تنجح الثورة في التوجه لها بخطاب ناجح في أي وقت وهي القطاعات الأكثر تأثيراً لتبني معظمها خيارات تعكس توجساً من نخبة يناير فضلاً عن كونها الاكثر عدداً والأوسع انتشاراً في ريف اليلاد وحضرها.

باختصار هذه القطاعات هم من يطلق عليهم حزب الكنبة، حيث لا وجود لإنتماء سياسي بعينه يحكم توجهاتها باستثناء وجود رغبة في الاستقرار وعدم الانجرار للفوضي مع وجود احتياج ضمني عميق لديها للتغيير المدروس غير المندفع، بمعني آخر لديهم رغبة في الثورة بمعناها الإصلاحي المتدرج وليس الراديكالي العنيف.

الثورة و الاعلام

هذه الرغبة تغذيها تغيرات البيئة المحيطة داخلياً من خلال ارتفاع سقف الطموحات وخارجياً بفعل العولمة والانفتاح علي العالم بفعل التعرض لأنماط مختلفة من الحياة عن طريق وسائل الإعلام بالإضافة لضغط الأجيال الأصغر وتدهور أداء مؤسسات الدولة نفسها. ومن ثم فإن اجتذاب تلك الشرائح في الأقاليم والقري يكون بالتخلي عن مركزية العاصمة الجغرافية ونخبوية الخطاب ولا واقعية المطالب وهو ما ينبغي أن يكون علي قمة أولويات أي تنظيم سياسي يهدف لنجاح الثورة في تحقيق أهدافها.

عجز ثورة يناير عن توليد تنظيم سياسي له هيكل مؤسسي وكوادر مؤهلة ورؤية قابلة للتنفيذ وخطاب جاد يشتبك مع الوضع الراهن بتعقيداته ويطرح حلولاً واقعية لمشكلات اعادة هيكلة مؤسسات الدولة وإدارة العلاقات المدنية العسكرية هو أحد أخطائها القاتلة ولا يلام في ذلك الناس الذين يريدون – مثلهم مثل غيرهم في جل المجتمعات –الأمن والإستقرار بل يلام من جاءتهم الفرصة سانحة لإحداث التغيير والتحول وللأسف فضلوا الانقسام والصراعات الصفرية والمزايدات علي التنظيم والمواءمة والتصالح مع خلافاتهم.

إن نجاح الثورة مرهون بتغيير أفكار مؤيديها نحو الافتناع بضرورة وجود إطار أكثر استيعابا للجميع وأهمية تفهم مخاوف الآخر سواء كان هذا الآخر داخل مؤسسات الدولة أم من شرائح المجتمع الرافضة لهم. بمعني أدق مصر تحتاج لنخبة سياسية جديدة أكثر مرونة وقدرة علي الموائمة وتفهم لمقتضيات الواقع بدون تشنج لاستعادة القدرة علي إجراء التحول الديموقراطي المأمول بحكمة بدلاً من تكرار أخطاء السبع سنوات العجاف الماضية.

فيديو مقال نخبة يناير الجديدة!

أضف تعليقك هنا