أنت ممل يا صاحب النظرة العميقة

بين محمد صلاح والقدس. من أولى بالدموع؟ 

سقط ابن النيل المحترف في إنجلترا، وسقطت معه الدموع، وارتجفت الأيادي خوفاً عليه من إصابة بالغة تحرمه من المشاركة في الحدث الأكبر المنتظر الذي طال غياب أم الدنيا عن التواجد فيه لأكثر من ربع قرن من الزمان. ارتعدت الملايين عندما شاهدت المصري، وهو يغادر أرضية الميدان بداعي الإصابة، فتعالت الأصوات بالسباب والشتائم بأبشع الألفاظ على من كان السبب في الإصابة. بين شوطي اللقاء يمر الشريط الإخباري بنبأ عاجل عن قصف المحتل الإسرائيلي لأحد مدن فلسطين، وأنباء عن سقوط شهداء. ينظر صديقنا حوله، وعقله الباطن في تأهب لتسجيل ردود الأفعال، لكن أي ردود أفعال تلك التي كان ينتظرها؟.

لقد ألفنا الأمر يا عزيزي. منذ نعومة أظافرنا ونحن لا نعرف عن القدس غير أنها محتلة من قبل عدو غاشم، لم يترك أسرة ولا منزلا، إلا وترك فيه فقيدا، وأذاق من لاذ بالفرار مرارة الفقد، وأصبح التأهب للموت في أي لحظة عنوان حياتهم. إذاً فالأمر معتاد ولا جديد يذكر، حتى لو أقرت عاد الثانية بأن أورشليم هي عاصمة اليهود، وأن امتلاكهم للمسجد أصبح مسألة وقت، لن تجد من العرب أي ردة فعل تثلج قلبك المحترق، لن تجد تلك الدموع التي تساقطت على ابن النيل من أجل القدس.

تلك الهتافات الرنانة التي تدوي أرجاء الملاعب والشوارع لن تسمع مثيلها لتحرير القدس، أو للتظاهر على الظلم والطغيان. انزوى صديقنا في ركن من أركان غرفته يبكي، حتى كاد أن يغرق بين دموعه الحارة على ما يرى، ويكتم في طيات نفسه من ألم. يجلس بين أقرانه وهم يتحدثون عن تفاصيل كرة القدم في حماس، وبصوت عالِ فلا يدرك أصواتهم إلا كخوار البقر. يتخيل نفسه صائحاً فيهم بأعلى صوت أن يستفيقوا، ويدركوا ما يحدث، وما يدبر لهم من مكائد ومؤامرات حتى يستطيعوا تحديد الهدف من وجودهم والترقب للعدو الحقيقي، والحذر من المصيدة التي زرعها لنا في كل أرض نخطوها. فاستفاق من أوهامه على صوت قرقرة الشيشة التي يشربها صديقه الأبله، بينما يشعر بالنشوة عندما يخرج الدخان من ثغره.

غريب الأطوار “لا تتحدث كرة القدم”

لماذا تشغل بالك بالقضية الفلسطينية، ويحترق قلبك مع كل سقوط لأحدهم في القدس؟ هل ستتحرر القبة ذات اللون الذهبي بانشغالك بها كل حين؟ لمَ لا تلقي بالأمر عن كاهلك كما فعل كل من حولك، وتتناسى الأمر؟ صدقني ستعتاد التجاهل حتى تبرد نيران قلبك، وتصبح سلاماً وبرداً طوال العام.

أنت غريب الأطوار في أنظارهم، فأنت لا تتحدث عن فلسفة كرة القدم والخطط التي تنتهجها الفرق العالمية. أنت لا تحلل المباريات، وتبدي ما لديك من مهارات وذكاء كروي. لست متعصباً لنادي بعينه وعلى أتم استعداد أن تخسر أخاك، أو تصبح غليظ التعامل مع أقرانك عندما يتعلق الأمر بعشقك للكيان الوهمي الذي اعتبرته وطنك. أنت عديم الانتماء للنادي.

أنت مدعي الفلسفة الذي يستنبط من كل صورة تفسير، ويخلق لكل موقف تحليل. تبتكر من الحروف كلمات ذات قيمة تنسجها في جمل محكمة، وتقدمها على طبق من فضة لمن يستطيع بالكاد القراءة والكتابة، ثم تتذمر لكونك لم تجد الإشادة المطلوبة.

ماذا كنت تتوقع؟ فهم لا يكترثون لمثل تلك المسائل، ما قيمة السياسة أو الفلسفة؟، ماذا يعني لهم الأدب أو الكتب إلا مجموعة من الأوراق التي اجتهد بها أصحابها لإنتاج كلمات غير مفهومة بالعربية الفصحى.

نعم فالعربية الفصحى لهم أصبحت كالهيروغليفية، تحتاج لمن يفك شفراتها، ويفسر رموزها الغامضة. وكل من يتحدث بلسان تلك اللغة، فهو متحذلق من نوع البشر العتيق الذي عفى عليه الزمن. لسانك لا يعرف طريق الفكاهة وحس الدعابة المفضل لديهم. لماذا تتحدث بجدية؟ وتذكر أسماء الفلاسفة والأدباء على الدوام! من هو دوستويفسكي هذا الذي لا يفارق اسمه لسانك؟ لماذا لا تهجر كتب مصطفى محمود الذي ألحد في يوم ما؟ هل ستتبع خطاه؟.

فتاة غريبة كلياً عن هذا المجتمع

أنتِ لا تتحدثين عن أنواع المكياج المفضلة لديهم، أو تعرضي لهم خبراتك في الاستخدام الأمثل للماسكارا. أنت لا تنصحينهنّ بنوع باهظ الثمن لا يباع إلا في الأسواق العالمية. أنتِ لا تكترثين بالمسلسل التركي الذي يقوم ببطولته ذلك البطل الوسيم، أنت لا تتغنين بألحان الفراق ونغمات الحب والشوق، كما تهيم في بحورها زميلاتك، أنتِ غريبة كلياً عن هذا المجتمع!.

لماذا لا تهتمين بالارتباط ولا تخشين العنوسة؟ كيف لا تكترثين إلا بالكتب والثقافة والعمل؟، هل الأدب الإنجليزي سيجلب لكِ فارس الأحلام صاحب الرداء الأبيض؟. لماذا لا تعطي بالاً لحديثنا عن الزواج والإنجاب، أو تبدي رأيك في صديقتنا التي نكرهها جميعاً؟  تتحدثين عن أمور الدين والسياسة مع من لا يعرفون حديثاً غير الاعتناء بالشعر والبشرة وكيفية طلاء الأظافر واستخدام الروجاجو لإزالته! وقتك أثمن من أن تهدريه مع من لا يستحق.

لماذا يا صديقي لا تكن سطحياً؟ وترتدي قناع السخافة خاصتنا، وتصر أن تكون صاحب نظرة مختلفة على الدوام. هل علمت الآن لماذا أصبحت منبوذاً يا صديقي؟.

فيديو مقال أنت ممل يا صاحب النظرة العميقة

أضف تعليقك هنا