اشتباك عام

اشتباك عام

عندما تحدث لك – لا قدر الله – مصيبة أو تقع في محنة أيا ما كانت، أنت لا تملك سوي مواجهتها بهدف التغلب عليها والخروج منها بأقل خسائر ممكنة. تجاهلك أن هناك مشكلة من الأساس لا يجدي ولا يجعلها تختفي من تلقاء نفسها. فالتظاهر بعدم وجود شيء لا يعني عدم وجوده كما لا يعني بالتأكيد أن التأثير السلبي الواقع عليك بسببه في طريقه للزوال. هو يعني ببساطة أنك قررت التعايش والتأقلم مع وجود المشكلة وإرغام نفسك علي قبول آثارها بدافع اليأس والإحباط من إمكانية حلها.

معضلة الفشل في تحقيق هدف ما تستلزم بالضرورة الانخراط جدياً في فحص الظروف التي أدت لهذا الفشل واستفحاله. فالأخطاء لا تقع من تلقاء نفسها صدفة أو بدون تدخل بشري، بل هي غالبا نتاج فساد في التفكير وقصور في الرؤية وضعف في المعالجة.

وعليه فإن اللجوء الدفاعي لحيل مثل الإنكار أو إحالة الأمر برمته لتآمر الآخرين في الداخل أو الخارج أو التهوين من شأن ما حدث ليس فقط سلوكاً مذموماً ينم عن مراهقة فكرية واضطراب نفسي بل يساهم في تعميق الأزمة واستفحالها وضمان تكرارها بدون محاسبة أو تقييم.

فالتغيير يلزمه عقول واعية ناقدة تتشكك أكثر مما تتيقن وتحاسب أكثر مما تجامل وتتفحص أخطائها بشجاعة بدون عقد نقص أو شعور بالدونية الحضارية.

ما هو الاشتباك؟

تغيير أي وضع مجتمعي – خصوصاً اذا كان راسخاً لفترة طويلة – يتطلب بالضرورة دراسته علي ما هو عليه بعين باردة لا تتأثر بالهوي أو الانفعال بما يمكن معه حشد القوي وتنظيمها بهدف التأثير عليه ودفعه للتطور في الاتجاه المرغوب. هذا هو الاشتباك! أن تؤثر في المحيط مستنداً لرؤية محددة وكيان منظم مع تصور واضح لما يمكن أن تؤول اليه تطورات الأمور. غير ذلك هو العشوائية بعينها.

الاشتباك العام في السياسة وإدارة المؤسسات يتطلب قدرة علي تحمل مسئولية القرار وتنظيم الصفوف والتعامل مع القواعد الجماهيرية بحنكة ورشد بما في ذلك اجتذاب شرائح المجتمع لتبني رؤيتك والانفتاح علي الآخرين والحوار بشكل دائم مع كل الأطراف بما فيهم الخصوم!

التغيير الناجح

أهم ما يمير محاولات التغيير الناجح هي ارتكازها علي كتلة حرجة تدفع باتجاه نقد الأوضاع مع طرحها في الوقت لنفسه لبديل سياسي واجتماعي يمكن تنفيذه والحشد لتبني مثل هذا الطرح من خلال المشاركة والاشتباك الدائم مع الرأي العام بشكل نشيط ومرن وبالطبع سلمي.

العجز عن صياغة بديل يحظى بتوافق عدد لا بأس به من القوي والفاعلين في المجال العام ولا يدفعهم في الوقت نفسه الي المخاطرة بمكتسباتهم هو حجر الزاوية في بناء الكتلة الحرجة اللازمة لدفع المجتمع نحو تبني رؤي التغيير اذ لا يتوقع تأييد الناس لمطالب تعرض مجتمعهم لخطر الانهيار أو تضر بأرزاقهم أو بنمط الحياة الذي اعتادوا عليه دون توفير بديل يطمئنون اليه ويشعرون بكفاءته وانعكاساته الايجابية عليهم ويوقنون معه بأن لديهم مصلحة شخصية مباشرة في تبنيه والدفع نحو تحقيقه.

أسباب فشل الربيع العربي

المشكلة غالبا تكمن في غياب الأساس الفكري الذي يؤسس لكل هذا. فلا مراجعة الذات ولا المشاركة الفعالة ولا النفس الطويل والمثابرة أو الانفتاح علي الآخر المختلف في الفكر من سمات التفكير المصري أو العربي في العموم. لا عجب اذن من الفشل المدوي لثورات الربيع العربي وتحولها لحروب أهلية وطائفية بدل من دفع مجتمعاتها باتجاه المستقبل.

غياب مثل هذه الركائز الفكرية جدير بإفشال أي محاولة للتحول الديموقراطي في المجتمعات العربية واللوم هنا ليس فقط علي الانظمة السياسية الحاكمة بل علي النخب والقوي الاجتماعية والسياسية التي فشلت في تبني هذه القيم أولاً وترجمتها في جل سلوكها السياسي وقراراتها.

فأي مستقبل هذا الذي ينتظرنا في ظل قوي مفهومها عن الاشتباك مع المجال العام هو الاحتجاج والتخوين والتكفير والتسفيه والتشويه والسفسطة والكيل بمكيالين والنظر للعالم الخارجي بريبة طوال الوقت والمعارضة لمجرد المعارضة حتي لو حساب أمن المجتمع والرفض القاطع لأي مساعي جادة لمراجعة الذات والاعتراف بالأخطاء حرصاً علي ما يسمي بالتماسك الداخلي لجبهاتها أو المحافظة علي هيبة الرموز والقيادات!

ما سبيل التغيير؟

اذا لم نتمكن من تفكيك هذا التراث الفكري المتحكم في جل تصرفاتنا وأفعالنا السياسية فلا حرية ولا كرامة أو ديموقراطية ينتظر تحقيقها في مجتمعاتنا في المستقبل المنظور وعندها لا نلومن إلا أنفسنا، فنحن بغبائنا من نتآمر علي أنفسنا ونتسبب في فشلنا بأيدينا لا بيد عمرو.

ضرورة المراجعة والنقد

لا يمكن حل أي معضلة بالنظر اليها فقط ومصمصة الشفاه ومحاولة الرجوع للماضي في أحلام اليقظة لمنع ما حدث، فلا الرجوع للماضي ممكن ولا أحلام اليقظة تجدي نفعاً، فمعالجة الخطأ – أي خطأ – تستلزم مراجعة الذات والجرأة في نقدها فهو بطبيعة الحال وليد سلوك والسلوك نابع من فكرة والفكرة تنبت في عقل واع يعي مصلحته ويمتلك حرية الإرادة لتعديل المسار متي يجب أو هكذا يفترض.

أضف تعليقك هنا