الإطار التّاريخي لعمليات الفتح الإسلامي لبلاد المغرب والانتقال من مرحلة العدائية إلى مرحلة القابلية

الإطار التّاريخي لعمليات الفتح الإسلامي لبلاد المغرب والانتقال من مرحلة العدائية إلى مرحلة القابلية

أولا : التعريف ببلاد المغرب

يعرف ياقوت الحمويّ المغرب بقوله : ( المَغّرِبُ: بالفتح ضدّ المشرق وهي: بلاد واسعة كثيرة ووعثاء شاسعة ، قال بعضهم حدّها من مدينة مليانة وهي اَخر حدود إفريقية إلى آخر بلاد السّوس التي وراءها البحر المحيط وتدخل فيه جزيرة الأندلس ، وإن كانت إلى الشّمال أقرب منها إلى الجنوب ) ، ويورد ابن عذاري المراكشي نقلا عن ابن حمادة في كتاب القبس قوله : ( إنّ حدّ المغرب هو من ضفة النيل بالإسكندرية الّتي تلي بلاد المغرب إلى آخر بلاد المغرب ، وحدّه مدينة سلاء ) . أمّا فيما يتعلّق بدخول بلاد الأندلس ضمن حدود بلاد المغرب فنجده – ابن عذاري – يؤيّد كلام الحموي حيث يقول : ( و بلاد الأندلس أيضاً من المغرب وداخلة فيه لاتصالها به) ، ومن هنا يتضح أنّ الأندلس جزء من بلاد المغرب الإسلامي .

ثانيا : الإطار التّاريخي لعمليات الفتح الإسلامي لبلاد المغرب

بدأت فكرة فتح المغرب الإسلاميّ على عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – وذلك بعد فتح عمرو بن العاص لمصر و إقليمي برقة وطرابلس ، عند ذلك أراد عمرو بن العاص -رضي الله عنه – أن يفتح ما وراء هذين الإقليمين من بلاد إفريقيّة ، فكتب إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يستشيره في فتحها فرفض طلبه وأمره بالعودة .

قال سليمان بن موسى القلاعي : ( ثمّ أراد عمرو أن يوجّه إلى المغرب فكتب إلى عمر بن الخطاب : إنّ الله عز وجل قد فتح علينا طرابلس وليس بينها وبين أفريقيّة إلاّ تسعة أيام ، فإن رأى أمير المؤمنين أن نغزوها ويفتحها الله على يديه فعل، فكتب إليه عمر : لا ، إنّها ليست بإفريقيّة ولكنها المفرّقة غادرة مغدور بها ، لا يغزوها أحد ما بقيت ) ،

فتح المغرب في عهد عثمان بن عفان – رضي الله عنه

وبعد مقتل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – واستخلاف عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قرّر أن يرسل البعوث لفتح المغرب ، فأرسل عبد الله بن أبي سرح والي مصر على رأس حملة قويّة، فالتقى بجيوش البيزنطيين وقوامها 120 ألف بقيادة جرجير بموضع يقال له سبيطلة على سبعين ميلاً من القيروان ، فانتصروا عليهم وقُتل جرجير على يد عبد الله بن الزبير ، ولم يُتم عبد الله بن أبي سرح عملياته العسكريّة واضطر إلى العودة إلى مصر ،

فلمّا وُلي الخلافة معاوية بن أبي سفيان-رضي الله عنه – أعاد الكرّة لفتح إفريقية ، فعهد ذلك لمعاوية بن حديج ، فهزم الرّوم الّذين عادوا إلى الأرض المفتوحة عقب انسحاب العرب منها ، وسار عبد الله ابن الزبير إلى سوسة و بنزرت وقابس وافتتحها جميعا ، إلاّ أنّ معاوية بن حديج لم يستمر طويلا إذ عزله معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه – وولّى مكانه عقبة بن نافع الفهري ، وكان خبيرا بتلك الأنحاء وجاز وهاد برقة ، وتوغل غربا حتىّ المغرب الأقصى ، وافتتح جميع العواصم والثّغور الإفريقيّة تباعا ، وأنشأ مدينة القيروان ، وجعلها قاعدته العسكريّة ، ينطلق منها لاستكمال الفتوح ، إلاّ أنّ ولايته لم تدم طويلا حتىّ عزل ، ووليّ مكانه أبو المهاجر دينار ، وكان سياسيّا متمرّسا وقائدا فذّا ، كان من جملة أعماله اجتياح المغرب الأوسط حتىّ تلمسان ، ثمّ ما لبث أن عزل ليعود عقبة بن نافع إلى قيادة الفتوح في بلاد المغرب ، فأتمّ ما بدأه في ولايته الأولى ، إلاّ أنّ إرادة الله تعالى حالت دون أن يكمل مسيرة الفتوح ، حيث استشهد على يد كسيله قرب مدينة تهوده ببسكرة ، ولم يقف الفتح الإسلامي بموت عقبة بن نافع ، بل استمر على يد زهير بن قيس ، ومن بعده حسان بن نعمان الغساني ، إلى أن وصل الأمر إلى التّابعي المشهور موسى بن نصير، الّذي سار في البربر سيرة أبي المهاجر وسيرة حسان من حيث استمالتهم وإشراكهم في قيادة الفتوح ، وبذلك تمّ فتح المغرب كلّه حتىّ وصلت الفتوحات أراضي الأندلس .

مراحل الفتوحات الإسلامية لبلاد المغرب

وانطلاقا مما ذكر ، نجد أنّ الفتوحات الإسلامية لبلاد المغرب مرت بمرحلتين أساسيتين هما :

المرحلة الاستكشافية ( 21 ه – 49 ه ) : وتندرج ضمن هذه المرحلة الحملات الآتية :

– حملة عمرو ابن العاص ( 23ه ) ، ولم يستكمل الفتح لرفض عمر رضي الله عنه ذلك .
– حملة عبد الله بن سعد بن أبي سرح ( 27 ه ) ، ولم يُتم عبد الله بن أبي سرح عملياته العسكريّة واضطر إلى العودة إلى مصر
– حملة معاوية ابن حديج ( 45ه ) ، ولم يستمر طويلا إذ عزله معاوية بن أبي سفيان-رضي الله عنه – .

مرحلة الفتح الحقيقي (50 ه – 89 ه ) : وتندرج ضمن هذه المرحلة الحملات الآتية :

– حملة عقبة بن نافع الأولى ( 50 ه ) : استمرت خمس سنوات وكان اختيار معاوية (ض) لعقبة (ض) موفقا، لأن عقبة يعتبر من أوائل المجاهدين في المغرب إذ دخل برقة مع ابن خالته عمرو ابن العاص سنة 23 ه وكان عمره 14 سنة. فظل مرابطا هناك وفي خلال إقامته في برقة شارك في الفتوحات التي قام بها المسلمون في الشمال الإفريقي .

– حملة أبو المهاجر دينار ( 55 ه ) : تولى أبو المهاجر دينار مكان عقبة (ض) ، وهو رجل لا يقل مهارة وخبرة عن عقبة فامتدت ولايته 07 سنوات أي إلى ( 62 ه) .

– حملة عقبة ابن نافع الثانية (62 ه ) : ففي سنة 60 ه توفي الخليفة معاوية بن أبي سفيان فخلفه ابنه يزيد الذي اقتنع بفضل عقبة وحسن بلائه في عملية الفتح، فأعاد عقبة إلى ولاية إفريقيا بعد أن عزل أبو المهاجر، وبذلك تبدأ ولاية عقبة الثانية ومدتها سنتان إلى سنة ( 64 ه ) ، انتهت باستشهاد القائدين على يد كسيلة عند تهودة سن 64 ه ، وهكذا تراجع المسلمون عن القيروان التي احتلها كسيلة 05 سنوات إلى غاية ( 69 ه ) .

– حملة زهير ابن قيس البلوي (69 ه ) : انطلق زهير من برقة بعد أن كلف برئاسة جيش من العرب والأمازيغ إلى إفريقيا، والتقى بكسيلة قرب القيروان بموقعة ممس ودارت معركة وقتل كسيلة على إثرها ، ومن ثمّ توقف الفتح بسبب ثورة ابن الزبير (ض) في الحجاز لانشغال الأمويين بوأدها .

– حملة حسان بن نعمان ( 74 ه ) : قرر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان استئناف الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، فعين حسان بن النعمان وأرسله على رأس جيش كبير وطلب من أخيه عبد العزيز بن مروان والي مصر أن يزوده بكل ما يحتاج إليه من عتاد ومال.

– حملة موسى بن نصير ( 86 ه ) : بعد عزل حسان بن نعمان تولى محله موسى بن نصير ، ولم يضيف شيئا ولم يبذل جهدا في إفريقيا والمغرب الأوسط وكل ما فعله هو أنه دعم المكاسب القديمة في مناطق كانت هادئة ومفتوحة ولم تأت سنة 92 ه حتى تم فتح الأندلس فساهم البربر مساهمة كبرى في ذلك والدليل على مساهمة المغاربة في عملية فتح طارق بن زياد.

ثالثا : الانتقال من مرحلة العدائية إلى مرحلة القابلية

قبل أن نتكلم عن الانتقال من مرحلة العدائية التي واكبت عمليات الفتح إلى مرحلة القابلية ، لا بدّ من الوقوف عند الأسباب والعوامل التي حالت دون استكمال عمليات الفتح في إطارها الزّماني المحدد مقارنة بفتوح بلاد الشام والعراق- 10 سنوات- حيث استغرقت حوالي 66 سنة ، ويمكن تقسيمها إلى عوامل متعلقة بالفاتحين أنفسهم ، وعوامل متعلقة بطبيعة البلاد المفتوحة ، وهي محل كلامنا هنا كالظروف السياسية ، والاجتماعية، وغيرها ،

أسباب عدم استكمال فتح المغرب

ومن جملة هذه العوامل :
 ، خضوع بلاد المغرب لأنواع مختلفة من الاستعمار – الفينيقيين والرومان والبيزنطيين والوندال..- وما أفرزه هذا الخضوع من قهر وظلم وسلب للحريات والممتلكات .
 إجادة البربر لفنون القتال وتمرسهم فيه ، إلى جانب التفوق البحري للجيش النظامي البيزنطي المتحالف معهم.
 تميز البربر سكان المغرب بالشجاعة وقوة البأس والتحمل وشدة المقاومة والاستبسال في القتال .
 عدم استيعاب البربر لفحوى وعمق الرسالة الإسلامية ، مما جعلهم لا يفرقون بينها بين أي محتل لأراضيهم حفاظا على استقلالهم وعلى كرامتهم مهما كلفهم ذلك من تضحيات.

هذه العوامل ساهمت بشكل مباشر في وجود حالة النفور والعداء ، وعدم قابلية البربر للفتح بحد ذاته ، مما صعب من حركية الفتح بل جعله عرضة للاهتزازات ، لا سيما بعد مقتل عقبة بن نافع (ض) على يد كسيلة ، وتخريب الأخير للقيروان ، ليتجدد الصراع بعد مقتل كسيلة على يد زهير ابن قيس البلوي مع حركة مقاومة بربرية أخرى قادتها القبائل الزناتية البدوية بجبال أوراس بالمغرب الأوسط (الجزائر) ، وتزعمتها امرأة وهي داهيا بنت ماتية بن تيفان أطلق عليها لقب الكاهنة ، ليختم الصراع بمقتلها على يد حسان بن النعمان ، وبمقتلها استرجع المسلمون نفوذهم على كامل بلاد المغرب من جديد وساهم هذا الانتصار في نشر الإسلام واللغة العربية في صفوف القبائل البربرية التي تجلت أمامها الحقيقة وزال الغموض ، بحكم جهود قادة الفتح الإسلاميّ ومن معهم من الفاتحين الأوائل في تحرير البربر من طغيان وقهر الرومان عن طريق الحملات العسكريّة ، وكذلك نشرهم تعاليم الدّين الإسلاميّ وأحكامه ، وقيمه ، ومبادئه، تغيرت النظرة العدائية إلى النظرة التّعايشية الاندماجية ، فانصهر العرب في البربر وشكلوا نسيجا مجتمعيا متكاملا ، قال ابن باديس : ( إنّ أبناء يعرب وأبناء مازيغ ، وحّد بينهم الإسلام منذ بضعة عشر قرنًا، ثم دأبت تلك القرون تمزج بينهم في الشدّة والرّخاء، حتىّ كوّنت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرًا مسلمًا جزائريًاّ، أمّه الجزائر وأبوه الإسلام ) ،

ولعل من مظاهر القابلية :

*مشاركة البربر في حركة الفتح ، حيث نجد أن حسان قام بتجنيد اثني عشر ألف بربري في الجيش العربي الإسلامي بقيادة ابني الكاهنة، ولقد فرض لهؤلاء العطاء وكذلك منحوا نصيبا مساويا لما يأخذه مقاتلوا العرب من الغنائم في الفتوح. بل أخذوا زمام القيادة الميدانية في فتوح بلاد الأندلس بقيادة طارق بن زياد .

* اندماج البربر في الحضارة العربية الإسلامية المتواصل إلى زمننا الحاضر وإثراء الحضارة الإنسانية بعدد هام من العلماء والمفكرين والمبدعين فضلا عن تطور الفنون كالعمارة والزخرفة…

*ظهور الإمارات الإسلامية الحرة الجزائرية، فبعد أن ناضل البربر ضد الاحتلال الروماني ، والوندالي وغيرهما من أجل الحرية واقامة دولتهم المستقلة ، حقق لهما الإسلام هذا الحق الطبيعي فظهرت دول بربرية كاملة السيادة مثل الدولة الرستمية والحمادية ، و كانت دول تعتز بهويتها المغربية، التي تشكلت عبر انصهار عرقي وثقافي واجتماعي ديني.

التهميش محفوظ لدى الكاتب

أضف تعليقك هنا

محمد يسين لهلالي

ليسانس فقه وأصول -
إمام وخطيب