الرب يريدها

ملحوظات على الهامش

أثناء مُشاهدتي لفيلم kingdom of the heaven وأثناء دخول مواكب الفرسان إلي إحدي المدن الإيطالية في رحلتهم إلي بيت المقدس، كان أكثر ما أثار انتباهي هو عيّنيْ ذاك الراهب النحيف الجاحظتين، وهو يبتسم ببلاهة لا تخلو من رائحة الخبث لتريَك أسنانه المتكسرة القذرة وهو يقول ” قتل الكافر ليس خطيئة، أنت تؤجر لقاء ذلك”.

ولفتت نظري أيضاً عبارة ” الصليب ضد الكرْوب ” التي أعلنها فريق من الساسة البريطانيين علي سبيل التوصيف الصحيح لقرع طبول الحرب ضد ألمانيا عام ١٩١٤م؛ إلا أن فريقاً اعترض وأعلن أن بريطانيا دولة تفصل الدين عن السياسة فكان الشعار ” أنكم تقاتلون من أجل المدنيّة ” وهذا حسب ذكر الكاتب والناقد الفني ” كلايڤ بِلْ “.

علي أية حال؛ فإن فكرة الحروب سواءً بمشاركة الآلهة شائعة في مخيلة البشر منذ فجر التاريخ وبأخص الخصوص لدي الأوروبيين؛ فآلهة هوميروس، الشاعر الإغريقي، ماهم إلا أمراء حرب و قراصنة تجري في عروقهم دماء ملكية؛ وهم لا يفعلون شيءً سوي غزو العالم، ثم الاستمتاع بالضرائب التي يفرضونها فوق قمة الاوليمب في حفلات راقصة مليئة بِالشَّرَاب، ويصعقون غاضبين من لا يدفع بالصواعق.

 الرب أم البابا؟

إن كنت تعاني كأحد عامة الأوربيين القرون الوسطي، فإنك علي استعداد لتقبّل أي شيء جديد، حيث الوضع لن يكون أسوء في جميع الأحوال؛ لذلك حين عُرف مكان ميلاد المسيح في بيت لحم إزدادت وتيرة رحلات الحج لكن بصورة طفيفة لارتفاع تكاليفها، ومالبثت أن ارتفعت معدلاتها مرة أخري بعد إشاعة أطلقها رجال الدين تقول بنهاية العالم حيث مرّ ألف عام علي صلب المسيح ورصد ظواهر طبيعية اعتقدوا جهلاً أنها العلامات.

وفي النصف الأول من القرن الحادي عشر الميلادي وضعت الكنيسة إستراتيچية تحسم الصراع السياسي بينها وبين الملوك والنبلاء؛ وذلك بإضافة القداسة إلي الحشد ضد إيديولوچية مُعادية، لأن البابا عملياً لا يمتلك سوي التحدث بلسان الرب، فأشاع أن أورشليم تريد الخلاص و ” الرب يريد هذا “.

أما التكييف القانوني لها أنه بناءاً علي الحق الإلهي المخول لها، ستمنح الكنيسة الحياة الأبدية الهانئة لمن سيلبي النداء لنجدة المسيح؛ فالملوك والامراء والنبلاء لديهم الفرسان والخبرة والمال؛ في حين لا يملك أحد العامة سوي رحلة إلي الأراضي المقدسة، وكلما كانت المشقة والتقشف فيها أكثر كان الغفران اعظم.. وتطورت الفكرة فيما بعد للبيع والشراء -حرفياً- وعرفت ب”صكوك الغفران”؛ وعن طريقها أيضاً موّلت الكنيسة وعبّئت حملات تطهير الأندلس ومحاكم التفتيش، وأيضاً حشدت لتأديب أحد أباطرة الإمبراطورية الرومانية المقدسة “المارقين” كما وصفه البابا.

 زلازل اجتماعية

عاش الأوروبيين قرنين من الزمان في الشام كان لهما تأثير سلبي عميق علي الحياة الاجتماعية في الشرق ؛ ودلل علي انحسار دور الخليفة في مقابل دور دول الإقطاعات العسكرية، الشبيهة باقطاعات اوروبا آنذاك والمرتبطة علي اي حال بشرعية الخليفة؛ وانفلات للصراع الطائفي وظهور مليشيات مسلحة كالحشاشين، وذلك في ظل التفكك السياسي؛ وانتشار الآفات الاجتماعية كالبغاء واللواط والإلحاد والتنجيم والدجل وغيرها؛ واستفحال خرافات الفرق الشيعية والصوفية ونغماتها الأخروية.

وبعد تدمير بغداد علي يد المغول؛ لم تكن الدولة المملوكية إلا تغريدة البجعة التي أطلقتها الحضارة الإسلامية قبل دخولها في سبات طويل منذ اكتشاف فاسكو دي جاما لرأس الرجاء الصالح، ثم غزو سليم الأول الذي أجج الركود الفكري في ظل نظامه ونظام خلفاؤه السياسي والاجتماعي الرجعي.

وللحديث بقية،،

فيديو مقال الرب يريدها

أضف تعليقك هنا