( فوزي ) .. جارنا الوفي ..! - #قصة_قصيرة

( فوزي ) .. جارنا الوفي ..! – #قصة_قصيرة

خربة قديمة تحاذي منزلنا القديم، أطلال وجدران خاوية لكنها لم تزل قائمة، جاءها ساكن جديد قبل فترة وجيزة، وأصبح جاراً لنا دعوتُه بالجار الوفي..!

جارنا فوزي لم يكن من بني البشر

لم يكن من بني البشر، بل كان من الحيوان، إنه كلب أليف أسموه ( فوزي )، لا أدري بالضبط لِمَ أطلقوا عليه ذلك الاسم، لكن في النهاية صار اسمه كذلك، وكان يليق به.

مشكلة ( فوزي ) الأليف أنه حلّ في المنزل القديم بمفرده، لم يكن له من يؤنس وحدته من بني جنسه، ذكراً كان أم أنثى، لذا استعاض عن فقده الصديق والأنيس بمصادقة البشر والتقرب إليهم.

قبل أيام بصرت به وهو يلحس كيساً ويعترك معه ليفتح داخله، علمت أنه يبحث عن لقمة عيش تسد رمقه، وإلا لما كان يجاهد الأكياس والعلب الفارغة، مسكين أنت أيها الجار، سكنت في زمن قلّ فيه الزاد، والناس بالكاد يرمون شيئاً من طعام.

لماذا ينبح فوزي؟

عند حلول الظلام يبدأ فوزي بالنباح طوال الليل، نباحه أوضح ما يكون حينما تكون الكهرباء منطفئة، يتردد صدى صوت النباح وحيداً ليتلاشى في تلافيف الزمن، ينبح فوزي ساعات من دون توقف، لا أحد يرد عليه نباحه كالديكة عندما تتصارخ، لعله يحاول أن يسلي روحه العليل ويدخل الاطمئنان إلى نفسه، أو ربما نباحه من الجوع والحاجة، أو ربما تخيفه الظلمة فيصيح في الناس أن ارحموا أنفسكم وارحموني من هذه الانقطاعات المتكررة!!

بقي (فوزي ) صامداً إلى اليوم، فالمنطقة تخلو من أية كلاب أخرى منافسة منذ زمن، تحولت معظم الكلاب إلى عصابات ومجموعات وهربت إلى خارج البيوت فكانت أشبه بقطعان الذئاب منها إلى الكلاب.

تعرض أقارب فوزي لحملات إبادة جماعية بعد أن تمردت وسطت على ممتلكات البشر من الأغنام والماشية والدواجن، القليل منها يُرى داساً أنفه بين أكوام القمامة باحثاً عن طعام، تفرقت جموعهم وانتهى زمن السيادة.

طعام فوزي

توقف ( فوزي ) فجأة ونظر نحو الأسفل، فرح عندما أدرك أن المرمي قطعة كيك ربما سقطت على أحدهم، تذكر أيام العز حينما كان يتناول كميات مفرطة من الطعام حتى تكدس الشحم في أضلاعه، أما اليوم فبالكاد في مقدوره العثور على مثل هذا الصيد الثمين في نظره.

أثار الطعام القليل شهيته أكثر، وحفّز الجوعَ في نفسه وسمع قرقرة بطنه الخاوي، عليه أن يقضي ساعات أخرى طاوياً إلى أن يعثر على شيء ما.

طلب جرعات من ماء لحلقه الجاف، تبين له أن مجاري المعايين قد غُطت جميعها بالمواسير، ولم تبقَ إلا مواضع معينة وجب عليه الذهاب إليها ليستقي عندها، تمتم الكلب في نفسه “ألا ما أظلم البشر .. يطلبون المطر من الله ولا يأبهون للظمأى من أمثالنا”.

كانت أيامه تمضي ثقيلة للغاية معظمها بحث عن الطعام ثم النباح المتواصل أثناء الليل، في بعض الأحيان يأتي الصبيان ليلاعبونه فيجري معهم على الرغم من جوعه الذي يفت في جسمه الذاوي، لا يحب أن يقهر أحداً من أحباب الله رغم قسوتهم التي يظهرونها له برميه بالحجارة أو تخويفهم المريع.

قضى ( فوزي ) يوماً شاقاً كبقية أيام حياته البائسة، عاد أدراجه إلى منزل الأطلال، مدَّ جسدَه المنهك ، عليه أن يأخذ قسطاً بسيطاً من النوم والراحة قبل حلول الظلام، ثم عليه أن يعاود النباح طوال الليل.

أضف تعليقك هنا

أحمد عمر باحمادي

أحمد عمر أحمد باحمادي

كاتب يمني

خرّيج كلية الآداب ـ صحافة وإعلام حضرموت ـ اليمن