لتكن قناعتنا وسطية

ما هو تطرف في القناعات؟

أردت أن أبدأ باستفهام ليس من باب التعجب، وإنما حقا أريد جوابا، هل نحن حقا نعيش وسطية مع قناعاتنا أم إلى التطرف نحن أقرب؟ دعوني أحدثكم عن أمجد طفل عاش مبادئه في كنف والديه منذ الصغر، وهم يخبرونه أن العطاء إذا زاد عن حده خطأ، وقد أصبحت لديه قناعة أن لا يعطي كل شيء سوى مرة، لأن مرتين قد تكون خطأ، فوالداه أقنعاه منذ الصغر أن الزيادة تعني مرتين.

فإن أحببت يا بني أحب مرة واحدة، وإن ساعدت أحدهم قدم له المساعده مرة واحدة، و ،و، والكثير من الأمور يا بني لا تعطيها أكثر من مرة واحدة، ولتعلم أنها الطريقة الصحيحة للعيش يا بني.

أثر القناعات الخاطئة في حياة الإنسان

فكبر الطفل، ثم تزوج وكانت زوجته تعاني من الجفاف العاطفي، فحاولت كثيرا أن تستجدي الكلمات الحانية والعواطف الجياشة، لكن صدمها حينما أخبرها أنه لا يحبها، ولن يستطيع أن يحب أي امرأة، أو يمنح الحب سوى لوالديه، فشكت الحال لأمه مما جعل والدته تتحدث إليه، وتخبره أن زوجته حنونة وتستحق المحبة، فابتسم قائلاً لوالدته:أنتم من أخبرني أن لا تمنح الحب إلا مرة واحدة لوالديك لا أحد غيرهما، أنتم من زرع هذه الأفكار، وغذيتموها منذ صغري، فلا تطلبا أن أغيرها في كبري وخرج.

ومرت السنون وكان له زميل في العمل له ابن مريض بالسرطان، وأراد أن يأخذ إجازة، وقد استنفذ جميع الإجازات سابقا، فطلب مديره أن يبحث عمّن يغطي مكانه، وسوف يسمح له، فوافق أمجد على شرط ألّا يكون أكثر من أسبوع، فساء حال الابن، وأراد الزميل أن يمدد، ولكن أمجد رفض أن يحل مكانه، فاضطر للرجوع، وترك ابنه في القرية مع زوجته.

وفي اليوم الثاني من عودته رنّ الهاتف، فرد الزميل وإذ بوالده يخبره أن ابنه قد فارق الحياة، فبكى بكاء شديداً حتى تألم أمجد، وخيم عليه الحزن والندم معا بعد أن قال له الأب باكيا: ماضرك لو أعطيتني يومان؟ لأني كنت أعلم أنه يودع الحياة كي أكون معه في يومه الأخير.

حينها استأذن أمجد، وعاد إلى منزل والده صامتا، فسأله الأب: ما هذا الحزن الذي يعتليك هل أنت متعب يا بني؟ قال: نعم، قال: الأب هل ذهبت إلى الطبيب؟ قال: منذ زمن اعتبرتكم الدواء لحياتي وقناعاتي، ولكن اليوم أنا أنظر لقناعاتكم التي أرضعتموني إياها، وكانت خاطئة.

لا أعلم لمَ لم تخبروني أن أكون وسطيا بدلا من أن أكون متطرفا؟ لا أعلم لمَ لم تخبروني أن احب مرة ومرتين؟ أن أعطي أكثر من مرة، أن أحيا الحياة بكل ألوانها مرات عدة وإن أخفقت مرة أو مرتين، كم وودت يا أمي وأبي أن أكون شخصا معطاء، لكن كانت قناعاتكما التي زرعتموها داخلي لا تسمح بالعطاء.

لا بد للقناعات من قاعدة ترتكز عليها

أحبتي كثير منا له قناعاته في الحياة، تختلف من فلان إلى فلان، لكن ضروري أن ترتكز على قاعدة لتكون صحيحة حتى لا تأخذ مسارا يندم عليه الشخص، ولو بعد حين وهذه القاعدة في قناعاتنا يجب أن ترتكز على الأخلاق الإسلامية، وأن نسقي قناعتنا بالرضى والوسطية.

أقتنعُ أن المال ضروري، ولكن ليس هو الحياة بأكملها، أقتنعُ أن الجمال والاعتناء بالذات مطلب، ولكن جمال الروح أسمى وأعلى وأكثر طلبا، أقتنعُ أن الأبناء زينة الحياة الدنيا، ولكن ليس هم الحياة بأكملها، وإنما الباقيات الصالحات خير وأفضل عند الله.

أقتنعُ أن العلم نور، ولكن لا يعني أن الأشخاص غير المتعلمين لا يملكون من الحكمة ونور الحياة شيئا، بل قد يملكون قيما أسمى من المتعلمين في بعض الأحيان، أقتنعُ أن تطوير الذات رائع، ولكن الضغط وإهمال الواجبات قد يخسرك الكثير، أقتنعُ أن الطموح يسمو بنا نحو العلا، ولكن لا أجعله أساس حياتي لِأ نه حتما سيقتلني إن جعلته اهتمامي الوحيد، أذن أحبتي قناعتنا يجب أن تكون وسطية ونابعة من ذواتنا كي نعيش حياة أجمل.

فيديو مقال لتكن قناعتنا وسطية

أضف تعليقك هنا